بين الوظيفة والعمل الحر

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 71 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
بين الوظيفة والعمل الحر

* هتون غازي بغدادي:

هل نبحث عن أمانٍ يُقيّد، أم حريةٍ تُرهق… في عصرٍ لا يرحم إلا من يُعيد تعريف نفسه؟

في زحمة الحياة المعاصرة، يطفو سؤالٌ بسيطٌ في ظاهره، عميقٌ في جوهره، على شفاه الكثيرين:

أيهما الأفضل: الوظيفة أم العمل الحر؟

لكن السؤال الحقيقي، الذي نادراً ما نطرحه، هو:

أيّ نسخة من أنفسنا نريد أن نُجسّد في عالمٍ يتغير أسرع من أن نُدركه؟

الوظيفة: القفص الذهبي

الوظيفة ليست مجرد راتبٍ ثابت وساعات عمل محددة. إنها عقدٌ اجتماعي خفيّ: أنت تمنح وقتك، وربما جزءاً من روحك، مقابل الأمان.

الأمان هنا ليس مالياً فحسب، بل نفسيًاً أيضاً. ففي عالمٍ يتغيّر بسرعة مذهلة، يمنحنا الروتين استقراراً يشبه السند. لا تقلق من غدٍ بلا دخل، ولا تُجبر على ابتكار عميلٍ جديد كل صباح.

لكن هذا الأمان له ثمنٌ صامت: الخضوع.

خضوع للهيكل، للسلطة، لأوقات الدوام، ولتوقعات لا تُعبّر عنك. قد تجد نفسك تعمل بجدٍّ لا يُقدّر، أو تُكافأ لا لأنك مبدع، بل لأنك “ملتزم”. فالوظيفة تُعلّمنا الانضباط، لكنها قد تُنسيك كيف تُصغي لصوتك الداخلي.

العمل الحر: الحرية التي تُثقل الكتفين

أما العمل الحر، فهو وهمُ الحرية الذي يتحول سريعاً إلى واقعٍ قاسٍ.

نعم، أنت سيد وقتك، تختار مشاريعك، وترفض ما لا يتوافق مع قيمك.

لكن هذه الحرية لا تأتي فارغة اليد. إنها تحمل في طيّاتها مسؤوليةً مطلقة: أنت المدير، والموظف، والمحاسب، وخدمة العملاء، وكل شيء بين ذلك.

العمل الحر لا يعترف بالعطلات، ولا يرحم المرض، ولا يضمن غداً.

والأهم: لا يضمن أن تكون “حُرًاً” حقًاً. فكثيراً ما يجد العاملون الأحرار أنفسهم أسيرَي عملاء متطلّبين، أو سوقٍ متقلّب، أو قلقٍ دائم من الفراغ القادم.

لكن في قلب هذا التحدي، تكمن الفرصة الحقيقية للوجود الذاتي. لأنك حين تعمل لحسابك، فإن كل قرارٍ تتخذه يعكسك. كل فشلٍ يُعلّمك، وكل نجاحٍ يُعيد تعريفك. هنا، لا أحد يُشكّل هويتك المهنية سواك.

قصصٌ من الواقع: حين يتحول الحُلم إلى خطة

النظرية وحدها لا تكفي. فالحياة تُكتب بتجارب بشرٍ حقيقيين.

• سكوت آدامز، مبتكر شخصية “ديلبرت”، لم يترك وظيفته في إدارة المشاريع حتى أصبح دخله من الرسوم يفوق راتبه.

• تشارلز بوكوفسكي، بعد حياة من التشرد والكتابة الحرة، قبل وظيفة في مكتب البريد ليضمن لنفسه وقتاً آمناً للإبداع.

العبرة؟ لا يوجد مسارٌ مثالي. هناك فقط اختياراتٌ واعية.

المخاطر الحقيقية للعمل الحر: لا تُجمّلها المواقع

العمل الحر ليس ساعة عمل مرنة وسفر حول العالم. هذه صورة تسويقية. الحقيقة أقسى:

1. انعدام الأمان المالي: لا راتب ثابت، لا تأمين صحي، لا إجازات مدفوعة.

2. العزلة النفسية: غياب الزملاء قد يؤدي إلى اكتئابٍ خفيّ.

3. الاستنزاف الذاتي: أنت المسؤول عن كل شيء—التسويق، المحاسبة، خدمة العملاء.

4. الاعتماد على السوق: ما يُدرّ اليوم آلاف الدولارات قد يصبح عفا عليه الزمن غداً.

العمل الحر ليس للمغامرين فقط، بل للمُنظّمين، المُخططين، والقادرين على إدارة الذات كمؤسسة.

لماذا لا نختار الاثنين معاً؟

الجمع بين الوظيفة والعمل الحر والمعروف بالدخل المتعدد المصادر وهو خيارٌ ذكي يتجاهله الكثيرون بسبب وصمة الازدواجية.

الكثير من المبدعين العرب وخاصة في المجالات الأدبية والفنية بدأوا مشاريعهم الجانبية (كتابة، تصميم، ترجمة) أثناء عملهم الحكومي أو في شركات خاصة. وحين نضج مشروعهم، قرروا إما الاستمرار في الجمع بينهما، أو الانتقال التدريجي إلى العمل الحر.

المفتاح؟ الشفافية مع نفسك: لا تجعل الوظيفة تستنزفك لدرجة لا تترك لك طاقة للإبداع، ولا تجعل العمل الحر يسرق منك راحتك النفسية.

أكثر مجالات العمل الحر دخلاً (2025)

رغم أن النجاح يعتمد على المهارة والتسويق أكثر من المجال نفسه، إلا أن بعض المجالات تتفوّق من حيث الطلب العالمي والعائد المالي:

1. التطوير البرمجي خاصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني

2. التصميم الجرافيكي والهوية البصرية

3. الكتابة المتخصصة Copywriting، استراتيجية المحتوى

4. الترجمة الاحترافية خاصة في المجالات القانونية والطبية

5. الاستشارات الرقمية SEO، التسويق، بناء المجتمعات

لكن احذر: الدخل العالي لا يأتي من المجال، بل من القيمة التي تخلقها.

في النهاية، ليس السؤال: “وظيفة أم عمل حر؟”، بل: “من أريد أن أكون حين يدقّ الغد بابي؟”

العالم لم يعد يُكافئ من يختار مساراً واحداً ويُغلق عينيه. بل يُكرّم من يُجيد الرقص بين الثبات والانفلات، بين الانضباط والانطلاق، بين أن يكون جزءاً من نظامٍ… وأن يكون نظاماً قائماً بذاته.

الأمان لا يُعطى، يُبنى. والحرية لا تُمنح، تُكتسب.

وربما، في هذا العصر الذي لا يرحم إلا من يُعيد تعريف نفسه، تكون الحكمة الحقيقية ليست في الاختيار بين القفص والسماء…

بل في تعلّم كيف تبني قفصك الخاص من أجنحة.

**كاتبة سعودية

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

شخصيات بارزة من “الحراك الجنوبي” و”الإصلاح” و”المؤتمر” تنضم إلى المقاومة الوطنية

موقع الجنوب اليمني | 559 قراءة 

تحذير للمواطنين من إستهداف قد يطال هذه الاماكن خلال الساعات القليلة القادمة ويدعوهم للابتعاد عنها

نيوز لاين | 463 قراءة 

احمد علي صالح يوجه بتنفيذ ١٣ مشروع

كريتر سكاي | 450 قراءة 

انشقاق آخر في صنعاء!!.. أحد منابر التوجيه المعنوي ينضم لصفوف الشرعية

موقع الأول | 436 قراءة 

تسمية "جامع" في مأرب يُثير الجدل.. بماذا علق اليمنيون؟

الموقع بوست | 413 قراءة 

انطلاقة تاريخية.. أول رحلة تجريبية لـ(طيران عدن) تمهّد لعصر تنافسي جديد

موقع الأول | 297 قراءة 

الانشقاقات لا تعني الانهيار! خبير يمني يفجّر مفاجأة عن مستقبل الحوثيين

المشهد اليمني | 294 قراءة 

بينهم مقربون من زعيم الجماعة.. الحوثيون يشنون حملة اعتقالات ضد قيادات عسكرية وأمنية بصنعاء

يني يمن | 269 قراءة 

خبير عسكري يكشف كواليس التوتر في صنعاء عقب تعيين جديد

نيوز لاين | 245 قراءة 

اعلان تركي مفاجئ بشأن اليمن

نيوز لاين | 225 قراءة