من يحمي اليمني من دبلوماسية العقاب؟
قبل 11 دقيقة
في زمنٍ صار فيه الجواز اليمني من أكثر الوثائق إثارةً للشفقة في مطارات العالم، يأتي سفير اليمن في ماليزيا ليضيف فصلًا جديدًا من “العبث الدبلوماسي” ويحوّل الجواز إلى “رهينة” في درج مكتبه، وكأنّ السفارة مكتب تحصيل مخالفات لا بعثة تمثيل دولة!
الدكتور حلمي المقطري، مواطن يمني مقيم في ماليزيا، لم يطلب من سفارته سوى ما يطلبه أي إنسان طبيعي من سفارة بلده: أن تُعيد له جوازه بعد تجديد التأشيرة. لكنه فوجئ – بحسب ما وثّق بنفسه في مناشدة رسمية – بأن موظف السفارة أبلغه أن الجوازات “محجوزة بأمر السفير الدكتور عادل باحميد”، وكأننا أمام “نيابة عامة دبلوماسية” لا سفارة تمثل الدولة اليمنية أمام القانون الدولي.
السبب؟
ليس تهريبًا، ولا تزويرًا، ولا مخالفة قانونية. بل “جريمة” أكبر في عرف بعض السفراء: أنه لجأ إلى الشرطة الماليزية بعد أن فشلت وعود السفير بحلّ نزاعه مع المدرسة اليمنية في سيلانجور، التي تعرّض فيها أطفاله لسوء معاملة وابتزاز مالي.
هكذا تحوّل المواطن إلى متهم، والجواز إلى أداة ضغط، والسفارة إلى جهة عقاب!
خرقٌ للقانون الدولي واتفاقية فيينا
ما فعله السفير – وفق نصوص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) – يُعدّ تجاوزًا واضحًا لمبدأ “حماية مصالح رعايا الدولة في الخارج”، المنصوص عليه في المادة (3)، وخرقًا للمادة (41) التي تلزم البعثات بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمواطنين المقيمين، فضلًا عن انتهاك الحق الدستوري بحرية التنقل المكفول في المادة (57) من الدستور اليمني.
بل إن احتجاز الجوازات – حتى مؤقتًا – يُصنَّف قانونيًا كاحتجاز تعسفي لممتلكات خاصة، خصوصًا حين يتم خارج أي مسوغ قانوني أو قضائي، ما يضع صاحبه تحت طائلة المساءلة الإدارية والجنائية.
من الدبلوماسية إلى “الإقطاعيات الدبلوماسية”
القصة لا تقف عند الدكتور المقطري، بل تفتح ملفًا أكبر عن تحوّل بعض السفارات اليمنية إلى “إقطاعيات شخصية” يتصرف فيها السفير كمالك لا كممثل، يمارس سلطته على الجالية كما لو كانت موظفيه.
السفير لا يجيب على الرسائل، لا يلتزم بالقانون، ويحوّل السفارة إلى “غرفة عمليات عائلية”، حيث تُدار القضايا بالمزاج لا بالنظام.
إنها دبلوماسية الولاء الشخصي لا دبلوماسية الدولة. فمنذ سنوات، تحوّل عدد من السفراء إلى “حكام خارج الحدود”، لا يخضعون لأي مساءلة فعلية، لأنهم محصنون بلقب “معالي” وبشبكة علاقات سياسية تجعلهم بمنأى عن العقاب، حتى لو أخطأوا بحق الوطن نفسه.
مأساة المواطن اليمني في الخارج
بين مطرقة القنصليات وسندان الفساد، يعيش اليمني المغترب بلا حماية. يُحرم من خدماته القنصلية إلا بدفع “ضريبة الولاء”، ويُهدد بسحب جوازه إذا رفع صوته، وكأن الانتماء للوطن صار جريمة تستحق الحجز الإداري!
أن يتحول الجواز اليمني – وهو رمز السيادة – إلى “ورقة ابتزاز” بيد موظف، فتلك ليست قضية إدارية، بل قضية كرامة وطنية.
وأن يضطر مواطن لمناشدة رئيس المجلس الرئاسي ووزير الخارجية كي يستعيد جوازه من سفارته، فذلك إعلان رسمي بأن الدولة صارت عاجزة عن حماية مواطنيها حتى داخل مكاتبها الدبلوماسية.
الخاتمة: حين يصبح الجواز رهينة… تصبح الدولة متهمة
إذا لم تُفتح تحقيقات شفافة في مثل هذه التجاوزات، فسيبقى المواطن اليمني في الخارج هدفًا سهلًا لكل من امتلك ختمًا أو مكتبًا خلف لوحة السفارة.
وإن لم تُسأل السفارات عن تجاوزاتها، فليُرفع علم أسود على كل مبنى دبلوماسي كُتب عليه “الجمهورية اليمنية”، لأن تلك المكاتب لم تعد تمثل الوطن بل تمثل “النفوذ”.
الدكتور حلمي المقطري اليوم طالب فقط باستعادة جوازه، لكن في الحقيقة هو يطالب باستعادة هيبة الدولة اليمنية التي صارت جوازها محتجزًا مثل صاحبها.
فمن يحاسب السفير عندما يتحول من ممثل للدولة إلى وصيٍّ على المواطن؟
ومن يعيد للدبلوماسية معناها حين تصبح السفارة أداة عقاب لا حضن أمان؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news