صورة مهينة تثير غضباً واسعاً: رئيس جامعة ذمار يؤدي التحية لمشرف حوثي والمليشيا تكرّس احتقارها للأكاديميين
أثارت صورة متداولة لرئيس جامعة ذمار الدكتور محمد الحيفي وهو يؤدي التحية لمشرف مليشيا الحوثي في الجامعة أحمد حسين الضوراني، موجة واسعة من الاستياء والغضب الشعبي والأكاديمي، بعد أن اعتبرها كثيرون رمزاً للمهانة والانكسار الذي فرضته الجماعة على مؤسسات التعليم العالي في مناطق سيطرتها.
تظهر الصورة – التي التقطت خلال فعالية نظمتها الجامعة بإشراف مباشر من الجماعة – الحيفي واقفاً في وضع انضباطي يؤدي التحية أمام الضوراني، في مشهد وصفه أساتذة جامعيون بأنه "إذلال علني للأكاديميين وامتهان متعمد لكرامة العلم والتعليم".
وقال أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة ذمار، فضل عدم ذكر اسمه، إن المشهد “لم يكن مجرد تصرف بروتوكولي، بل رسالة سياسية واضحة من الحوثيين بأن لا مكان للعلماء إلا تحت أقدام المشرفين”. وأضاف أن “الجامعة تحولت من صرح أكاديمي إلى مركز تعبئة طائفية يديره أشخاص لا علاقة لهم بالعلم أو الإدارة.”
ويرى مراقبون أن الحادثة تكشف عمق الانهيار المؤسسي في مناطق الحوثيين، حيث باتت المناصب الأكاديمية تُمنح على أساس الولاء لا الكفاءة، فيما يُفرض على رؤساء الجامعات والعمادات تقديم الولاء العلني لما يُسمى بـ"المشرفين" الذين يمثلون سلطة الجماعة فوق القوانين واللوائح الجامعية.
وقال ناشطون إن صورة الحيفي لم تكن مجرد لقطة عابرة، بل عنواناً لمشهد طويل من إذلال النخب الأكاديمية في مناطق سيطرة الحوثي، مشيرين إلى أن الجماعة تتعامل مع الجامعات كإقطاعيات فكرية تُستخدم لترويج خطاباتها المذهبية والسياسية.
وأضافوا أن الحوثيين استبدلوا حرية الفكر الجامعي بثقافة الطاعة العمياء، وحوّلوا قاعات العلم إلى منابر لتلقين شعاراتهم، بينما أُجبر العشرات من الأكاديميين على مغادرة وظائفهم أو البقاء صامتين خوفاً من البطش.
وتؤكد مصادر في وزارة التعليم العالي الخاضعة للجماعة أن المشرفين الحوثيين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة داخل الجامعات، بدءاً من تعيين العمداء ورؤساء الأقسام، وصولاً إلى اعتماد المناهج وتحديد الفعاليات “الوطنية”، التي غالباً ما تكون مناسبات طائفية أو خطابات تمجيد لقيادة الجماعة.
ووفق تقارير حقوقية، فقد طرد الحوثيون منذ 2015 المئات من أعضاء هيئة التدريس، وصادروا مخصصاتهم المالية، وأجبروا آخرين على حضور “دورات ثقافية” تُنظَّم في مقرات الجماعة، حيث يُطلب منهم “تجديد الولاء” لزعيمها عبد الملك الحوثي.
ويرى أكاديميون أن الصورة الملتقطة في جامعة ذمار تعبّر عن تحول التعليم العالي في مناطق الحوثيين إلى مؤسسة تابعة للسلطة الميليشياوية، لا تعرف من الاستقلالية سوى الاسم، مشيرين إلى أن “المشرف الحوثي اليوم هو من يقرر من يدرّس، وماذا يُدرّس، ولمن.”
وقال أحد طلاب الجامعة: “نشاهد الأساتذة واقفين بخشوع أمام المشرفين كأنهم قادة عسكريون. لم يعد هناك احترام للعلم أو لمن يحمله. كل شيء أصبح مرهوناً بالولاء للسلالة.”
الصورة التي أثارت عاصفة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، رآها كثيرون دليلاً على سقوط آخر معاقل الهيبة الأكاديمية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ بدت الجامعة – التي يفترض أن تكون حرمًا للمعرفة – مشهداً من مشاهد التبعية والانصياع.
وقال أحد المعلقين على الصورة في “إكس” (تويتر سابقاً): “عندما يؤدي رئيس جامعة التحية لمشرف حوثي، فاعلم أن الجهل صار هو السلطة، والعلماء صاروا موظفين عند الجهلة.”
الحادثة تعكس – بحسب باحثين – الاحتقار البنيوي الذي تكنّه جماعة الحوثي للنخب المتعلمة، وحرصها على إخضاع كل صوت مستقل داخل المؤسسات الأكاديمية، في إطار مشروعها القائم على السيطرة الفكرية والمجتمعية.
وفي الوقت الذي يلتزم فيه الأكاديميون الصمت خوفاً من البطش، تتعمق المأساة التعليمية في اليمن مع استمرار تسييس الجامعات وتفريغها من مضمونها العلمي، لتتحول إلى أداة بيد جماعة ترى في الوعي والمعرفة أكبر تهديد لسلطتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news