في احتفاءٍ يعكس عمق الجذور وعراقة الانتماء، شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المهرة، اليوم الإثنين، مهرجانًا ثقافيًا وفنيًا بارزًا بمناسبة "يوم اللغة المهرية"، الذي يُحتفى به سنويًّا في أكتوبر تأكيدًا على الخصوصية الثقافية والتراثية لمحافظة المهرة شرق اليمن.
تُعدّ اللغة المهرية، التي لا تزال حيّة على ألسنة أبناء المحافظة، واحدة من أقدم اللغات السامية، وتشكل عنصرًا جوهريًّا في الهوية المهريّة، إذ تحمل في طيّاتها ذاكرة شعبٍ عاش على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، وصاغ من لغته جسرًا بين الأجيال ينقل العادات، والقيم، والحكايات، والمعاني الإنسانية العميقة.
وفي كلمته خلال الافتتاح، أعرب الدكتور عبدالكريم رعدان، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عن فخره الكبير بتنظيم هذا المهرجان، مؤكدًا أن "اللغة المهرية ليست مجرد وسيلة للتواصل اليومي، بل هي ذاكرةٌ حية تحفظ هوية أبناء المهرة وتوثّق امتدادهم الحضاري عبر القرون". وشدّد رعدان على التزام الجامعة بدعم المبادرات الأكاديمية والثقافية التي تُعنى بالحفاظ على اللغة المهرية من خطر الاندثار، مشيرًا إلى أهمية توثيقها، وتدريسها، وتشجيع البحوث اللغوية والأنثروبولوجية حولها.
ومن جانبه، قدّم المهرجان باقةً متنوعة من الفقرات التي جسّدت جمال اللغة المهرية وثراءها الفني، شملت عروضًا تراثية، وقصائد شعرية أداها طلاب الكلية بلغتهم الأم، إلى جانب مقاطع غنائية تراثية تناقلتها الأجيال، وعبّرت عن الكرم، والشهامة، والارتباط العميق بالأرض والجذور. وقد لاقى الأداء استحسان الحضور، الذين وصفوه بـ"الصادق" و"العميق"، معتبرين أن مثل هذه الفعاليات تُعيد للغة المهرية مكانتها كمكونٍ وطني لا ينفصل عن التنوّع الثقافي الغني لليمن.
وفي تصريح لها، قالت الإعلامية المهريّة شمس عمر: "اللغة المهرية ليست لهجة محلية عابرة، بل هي قنديلٌ من قناديل الحضارة اليمنية، تضيء تاريخنا وتروي حكاياتنا منذ آلاف السنين". وأضافت: "الاحتفاء بيوم اللغة المهرية هو تأكيدٌ على أننا أوفياء لإرثنا، وأننا نرى فيها هويةً ناطقة بالانتماء، وجسرًا يربط الماضي بالحاضر". وشدّدت على أن "اللغة المهرية كنزٌ ثقافي لا يُقدّر بثمن، وذاكرتنا الحيّة التي سنحافظ عليها جيلًا بعد جيل".
ويأتي هذا المهرجان في سياق جهود متزايدة من أكاديميين وفنانين وناشطين ثقافيين في المهرة لتوثيق اللغة المهرية ونشر الوعي بأهميتها، في ظل تحديات العولمة وتراجع استخدام اللغات المحلية. وقد برزت جامعة المهرة كرائدة في هذا المجال، من خلال تنظيم ورش عمل، وندوات أكاديمية، ودعم مشاريع تخرّج تتناول جوانب لغوية وتراثية مهريّة.
واختتم المهرجان بتكريم المشاركين والمبدعين من طلاب وأساتذة، وسط أجواء بهيجة عكست التفاعل الإيجابي مع الحدث، وتأكيد جماعي على أن اللغة المهرية ستظل "نبراسًا للأصالة"، وصوتًا يعبّر عن روح المهرة وهويتها العريقة، في وجه كل محاولات الطمس أو النسيان.
ويُنظر إلى هذا الاحتفاء السنوي اليوم كجزء من حراك ثقافي أوسع يسعى إلى إبراز التنوّع اللغوي والثقافي في اليمن، وإدماجه في السرد الوطني الموحّد، باعتباره مصدر غنى لا تهديدًا للوحدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news