قراءة _ ياسر الصيوعي
مستشار وزارة الإعلام والثقافة والسياحة
لم يكن اتفاق التهدئة في غزّة حدثًا محليًّا محصورًا في حدود فلسطين المحتلّة، بل هزّ أروقة السياسة الإقليمية بأكملها، ولا سيّما في اليمن، حيث ظلّ الحوثيون يقدّمون أنفسهم طيلة الحرب الغزّية في ثوب “المقاومة المساندة”، متذرّعين بها لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، ولبناء صورة رمزية تتجاوز حدودهم الجغرافية.
غير أنّ هذا الاتفاق، بما يحمله من دلالات سياسية وعسكرية، جاء ليكشف حقيقة تلك الشعارات، وينزع عن الحوثيين الغطاء الذي طالما احتموا به. فبانتهاء المعارك في غزّة، تسقط تلقائيًا ذريعة “نصرة القدس” التي استخدموها لتبرير سلوكهم العدائي ضد السفن والممرات التجارية الدولية. وهكذا وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد: إمّا أن يتوقفوا عن التصعيد فيخسروا زخمهم الدعائي، أو يواصلوا الهجمات فيتحمّلوا المسؤولية الدولية الكاملة عن تقويض الأمن البحري.
الهدنة أيضًا قلّصت مساحة المناورة الإيرانية، إذ كانت طهران تستثمر الحوثيين كورقة ضغط في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع تراجع الحاجة إلى هذه الورقة مؤقتًا، يبدو الدعم الإيراني مرشّحًا للانخفاض، ما يضع الحوثيين في موقفٍ دفاعي مكشوف سياسيًا وعسكريًا.
وعلى الصعيد الداخلي، فإنّ انكشاف الخطاب الحوثي سيؤدي إلى تآكل مصداقيته أمام جمهوره. فالشعارات التي رُفعت باسم “القدس” و“الأمة” لم تعد تجد مبررًا موضوعيًا بعد التهدئة، لتبدو أقرب إلى غطاءٍ أيديولوجيٍّ لمشروعٍ سلطويٍّ داخليٍّ أكثر من كونها عقيدة مقاومة.
في المقابل، تمثل هذه التطورات فرصة للحكومة اليمنية والتحالف العربي لتعزيز موقفهما السياسي والدبلوماسي، إذ يمكنهما تقديم نفسيهما كطرفٍ مسؤولٍ يسعى للاستقرار الإقليمي، في حين يظل الحوثي هو الطرف الخارج عن الإجماع الدولي. كما أن عودة الملاحة إلى طبيعتها ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد اليمني، خاصة في الموانئ المحرّرة جنوبي البلاد.
باختصار، اتفاق غزّة لم يكن نصرًا للحوثيين كما حاول إعلامهم تصويره، بل كان مرآةً كشفت زيف الشعارات، وأبرزت هشاشة المبررات التي أقاموا عليها حربهم في البحر الأحمر. إنّه اتفاقٌ أعاد ترتيب موازين الصورة والواقع معًا، فبينما تنعم غزّة ببداية طريق نحو الهدوء، يجد الحوثيون أنفسهم في مواجهة سؤالٍ وجوديٍّ صعب:
بِمَ يبرّرون الحرب بعد أن سكتت المدافع؟
تعليقات الفيس بوك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news