بشرى العامري :
هناك أزمة غير مسبوقة في قيادة الشرعية والحكومة على وجه الخصوص، ولا بد أن نتحدث بصراحة.
فالمشهد السياسي يعيش اليوم مرحلة من التوتر غير المسبوق، وقد كشفت تصريحات نيويورك الأخيرة واستمرار الجدل الإعلامي حول أولويات الانفصال قبل إنهاء التمرد الحوثي، وغياب خارطة سياسية واضحة، عن عمق الأزمة التي انعكست بقوة على الوضع في كل نواحيه وخاصة على الوضع الاقتصادي المتدهور.
نعم، الأزمة الاقتصادية ليست جديدة، لكنها اليوم تتجلى بأقسى صورها.
تحسّن سعر صرف الدولار في الأشهر الماضية لم يكن نتيجة نشاط اقتصادي داخلي أو زيادة في الموارد أو تدفق دعم مالي مباشر، بل جاء بفعل الإجراءات القانونية التي اتخذها البنك المركزي مدعوما بمساندة دولية. لذلك، لم ينعكس هذا التحسن ميزانية الدولة ودخلها، وبالتالي لم ينعكس على حياة المواطن، وإن بدا كأنه بارقة أمل في سماء داكنة.
الإيرادات العامة للدولة شبه معدومة منذ أشهر طويلة جدا، واليمن ما يزال عاجزا عن تصدير النفط والغاز بذريعة تهديدات ميليشيات الحوثي للسفن والموانئ النفطية. والسؤال الذي يفرض نفسه، كيف لم تستطع الدولة خلال ثلاث سنوات وأكثر إيجاد بدائل أو بناء منظومة دفاع جوي تحمي مواردها؟
هذا الشهر ، يمكن لمس حالة الاختناق العام في حياة الناس بكل مناطق اليمن دون استثناء.
في المحافظات الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية، الوضع كارثي بكل المقاييس، تجويع ممنهج، تفقير متعمد، واستلاب كامل للحقوق، حتى المريض لا يجرؤ على الجهر بآلامه.
وفي مناطق الشرعية، توقفت المرتبات منذ أشهر لقطاعات الجيش والتعليم والصحة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الدورة الاقتصادية.
عندما تم التغيير في رئاسة مجلس الوزراء، ارتفعت التوقعات إلى أقصى حد، واعتقد كثيرون أن الأزمات السابقة لن تعود، خاصة مع تحسن سعر الريال اليمني في سوق الصرافة. وننسى ان عملية الإنقاذ الاقتصادي ليست مجرد تغيير أشخاص، بل برامج عملية تتحقق على الأرض، وايرادات ملموسة، وعملية متكاملة بين السياسي والاقتصادي.
والواقع اليوم بصراحة جاء أكثر قسوة.
فالجيش عمليا بلا دعم، والدبلوماسيون اليمنيون بلا مرتبات منذ سبعة عشر شهرا في سابقة خطيرة لم يشهدها تاريخ البلاد، وسفارات تغلق بصمت ودبلوماسيون يواجهون الجوع بصبرٍ وصمت موجع.
أما التعليم فحدث ولا حرج فقد عاد إلى الإضراب، وفتحت أبواب الضياع أمام جيل كامل من الطلاب.
يكمن الخطأ الكبير كان في القفز إلى استنتاج أن تحسن سعر العملة نصر اقتصادي، بينما هو في الحقيقة، إجراءات إدارية وسياسية، وليس تحسن موارد ،وجعل الامر بأنه انتصار سيقود البلاد للخلاص، فيما هو فخ وقع فيه الحميع .
القيادات العليا تسابقت إلى تبنّي هذا “الإنجاز” الموهوم، مدفوعة بتطبيل بعض نشطاء وسائل التواصل، وكأن الحلول الافتراضية يمكن أن تنتشل الواقع المنهار.
فإذا بنا اليوم عالقين في فضاء من الأوهام لا وصلنا إلى أرض صلبة نسير عليها، ولا خرجنا إلى أفق حلٍّ حقيقي عبر مواجهة صريحة وجادة، تشخص الأزمة وتضع الحلول المنطقية ،والمعالجات السريعة.
نحن اليوم بأمس الحاجة إلى وقفة وطنية شجاعة تعترف بالخطأ وتبدأ بالإصلاح الفعلي.
فالحكومة لم تعد حتى تلتقي بانتظام، والوزراء تلاشى حضورهم، والأحزاب تخلت عن مسؤولياتها، والنقاشات داخل مؤسسات الدولة باتت بعيدة كل البعد عن إنقاذ الوضع.
الوطن اليوم يئنّ، والمسؤولية تقع على الجميع دون استثناء قبل أن يضيع ما تبقى من وطن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news