أجرى الحوار لـ “يمن ديلي نيوز” حفظ الله الحصماني:
تزامنًا مع اليوم العالمي للمعلم، الذي يصادف الخامس من أكتوبر من كل عام، ومع مرور عامين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يسلّط “يمن ديلي نيوز” الضوء، في حوار خاص مع عضو الائتلاف التربوي الفلسطيني والحملة العربية للتعليم، نسيم قبها، على واقع التعليم في القطاع خلال عامين من الحرب.
يناقش الحوار واقع التعليم في غزة وعوامل صموده رغم الحرب الإسرائيلية الممنهجة ضده، وحجم الدمار الذي لحق به، والخسائر البشرية، وكيفية التعامل مع المشكلات الطارئة مثل النزوح والمناهج، والأسباب التي تدفع الاحتلال إلى استهداف التعليم، إلى جانب تساؤلات أخرى.
يتحدث قبها عن مقتل نحو 13 ألف معلم و19 ألف طالب، فضلًا عن آلاف الجرحى والمعاقين، وتدمير 95 في المائة من المؤسسات التعليمية، مشيرًا إلى حرب إبادة ممنهجة يخوضها الاحتلال ضد التعليم. وفي المقابل، يوضح عوامل الصمود والتحدي التي تُظهر عظمة الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، الذي يرى في التعليم خطرًا وجوديًا.
نص الحوار
• بداية كيف تصف حجم الدمار الذي لحق بقطاع التعليم في غزة خلال العدوان الأخير؟
الدمار الذي لحق بالتعليم في غزة يمكن وصفه بأنه “إبادة ممنهجة” وما نشهده ليس أضراراً جانبية ناتجة عن العمليات العسكرية بل استهداف مباشر ومقصود للبنية التعليمية باعتبارها العمود الفقري لأي مجتمع.
تضررت أكثر من 95% من المدارس والجامعات في غزة بشكل كلي او جزئي، كما تم تدمير 163 مؤسسة تعليمية بشكل كامل وتضررت 388 أخرى بشكل متفاوت، وتم تدمير 70% من المدارس زحول ماتبقى منها ملاجئ للنازحين.
• ماذا عن الخسائر البشرية؟
العدوان خلف خسائر بشرية كبيرة في صفوف الأسرة التعليمية، إذ استشهد ما بين 13,500 و19,000 طالب وطالبة، إضافة إلى أكثر من 830 معلماً ومعلمة و193 أكاديمياً وباحثاً، هؤلاء لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا صناع وعي ومفاتيح أجيال قادمة.
أكثر من 785 ألف طالب وطالبة حرموا من التعليم للعام الثالث على التوالي ما يعني أننا أمام جيل يتعرض للتجهيل القسري في محاولة لطمس وعيهم وتدمير مستقبلهم.
• كيف هو وضع التعليم منذ عام 2023 وما أبرز الآثار التي لحقت بالطلاب؟
في قطاع غزة توقفت العملية التعليمية النظامية تقريباً منذ أكتوبر 2023، محرومة أكثر من 700 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم، بينما في الضفة الغربية ما زالت المدارس مفتوحة، لكنها تواجه اضطرابات مستمرة نتيجة الأزمة المالية واحتجاز الاحتلال لأموال المقاصة والاقتحامات المتكررة.
أما على مستوى الأثر فإن النتيجة واضحة جيل يواجه فجوات معرفية ونفسية عميقة وتعليم في بيئة غير آمنة ومعلمون يعملون تحت ضغوط هائلة ما يهدد مستقبل العملية التعليمية برمتها.
• نتابع حجم النزوح الذي يعانيه سكان غزة.. كيف يتم التعامل مع الطلاب النازحين؟
هناك جهود كبيرة تبذل في هذا المجال عبر عدة محاور تشمل إنشاء مساحات تعلم بديلة في الخيام والمراكز المجتمعية، دمج الطلاب في المدارس القائمة، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وتوفير الحقائب والقرطاسية، إلى جانب استخدام المنصات الرقمية مثل “إي سكول” لتقديم التعليم في المناطق المدمرة.
أكبر التحديات تكمن في ضعف التمويل وانقطاع الكهرباء والاكتظاظ في مراكز الإيواء ما يحول دون توفير بيئة تعليمية مستقرة.
• ماذا عن المناهج الدراسة وطباعتها وماهي الصعوبات في هذا الملف؟
يتم طباعة المناهج وفق معايير وطنية صارمة عبر مطابع فلسطينية معتمدة، بتكلفة تصل إلى نحو 60 مليون شيكل (18 مليون دولار)، ممولة بالكامل من الحكومة الفلسطينية.
غير أن تأخر التمويل والتحديات اللوجستية أدت إلى تأخير الطباعة والتوزيع، مع الحفاظ على المضامين الوطنية والقيم التحررية للمنهج.
الهدف النهائي هو إيصال المنهج لكل طالب فلسطيني في الوقت المناسب محملا بقيمه الوطنية ورؤيته التحررية التي تشكل جوهر الهوية التعليمية الفلسطينية، لكن هناك معوقات وتحديات لوجستية مرتبطة كبيرة كما ذكرت.
وبالرغم من تلك الظروف تصر وزارة التربية والتعليم الفلسطينية على أن تبقى المناهج في متناول كل طالب وألا تتحول الأزمة إلى ذريعة للمساس بمضامينها أو فلسفتها التربوية.
• ماذا عن الآثار النفسية على الطلاب والمعلمين وهل هناك دعم نفسي كاف؟
أكثر من نصف مليون طفل في غزة يعانون اضطرابات نفسية، كثير منهم يظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. أما المعلمون، فهم يعيشون صدمات مركبة بين فقد المنازل والأحباء، ويُطلب منهم أن يكونوا ميسرين نفسياً وتعليمياً في الوقت ذاته.
هناك جهود من منظمات مثل الأونروا واليونيسف إضافة إلى مبادرات وطنية مثل مركز إبداع المعلم لكنها لا تغطي حجم الحاجة، فنحن بحاجة إلى خطة طوارئ وطنية ودولية للدعم النفسي المتكامل فإعادة تأهيل التعليم لا تكون فقط ببناء المدارس بل برأب الجراح النفسية أيضا.
• كيف تعاملت المؤسسات الدولية مع هذا الاستهداف الصارخ للتعليم؟
رغم توثيق المنظمات الدولية لما يحدث، إلا أن الموقف الدولي لم يرقَ إلى حجم الجريمة، إذ اقتصرت الردود على بيانات الإدانة والتقارير التي وصفت ما يجري بالإبادة التعليمية وجريمة حرب، بينما لم تُتخذ إجراءات ملموسة أو عقوبات حقيقية على الاحتلال، مما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب.
• لماذا يركز الاحتلال الإسرائيلي على استهداف التعليم بشكل لافت؟
استهداف التعليم الفلسطيني ليس وليد اللحظة، أو ناتج عن أخطاء عسكرية بل سياسة ممنهجة، حيث أن دولة الاحتلال تدرك تماماً خطورة التعليم الفلسطيني لأنه يكرس الهوية ويغرس الوعي ويخلق القادة.
استهداف التعليم جزء من استراتيجية استعمارية مستمرة، تشمل قصف المدارس، واعتقال الطلبة والأساتذة، ومنع المعلمين من الوصول إلى مدارسهم، وتشريعات عنصرية تعيق توظيف أصحاب الكفاءات الفلسطينية.
• رغم هذه التحديات ما الذي يجعل التعليم الفلسطيني يصمد؟
الصمود الفلسطيني في قطاع التعليم ليس صدفة، بل فعل نضالي واع، فالمعلمون يدرسون في الخيام، والطلاب يتعلمون عبر الإنترنت رغم انقطاعه، وهناك فصول داخل مراكز الإيواء.
المجتمع الفلسطيني كله يلتف حول التعليم باعتباره طوق النجاة ولذلك تنمو المبادرات الفردية والشعبية في كل مكان لتقول: التعليم باق رغم الدمار.
• إلى أي مدى نجحت هذه المبادرات التعليمية البديلة خلال العدوان إن وجدت؟
رغم محدودية الإمكانيات إلا أن المبادرات كانت ناجحة إلى حد كبير، ففي الضفة يقوم المعلمون بتدريس طلاب غزة افتراضيا بعد انتهاء دوامهم وفي غزة يتم التدريس في المساجد والخيام وأحيانا على ركام المنازل.
إنها مبادرات تعبر عن الروح التربوية الفلسطينية والإصرار على إبقاء شعلة المعرفة متقدة مهما اشتدت العواصف وهذه في الحقيقة مقاومة من نوع خاص مقاومة بالقلم والإرادة.
• ما السيناريوهات المحتملة لمستقبل التعليم في فلسطين؟
نحن أمام مسارين متوازيين السيناريو الأول متشائم يتمثل في استمرار العدوان وغياب الإرادة الدولية ما يبقي التعليم الفلسطيني في دوامة الإعمار المؤقت ويفرز جيلا هشا نفسيا وتعليميا.
أما السيناريو الثاني فيقوم على بناء منظومة تعليم مقاومة مرنة، تشمل تطوير المناهج، توسيع التعليم المهني، استخدام التكنولوجيا، وتوفير بيئة آمنة تحافظ على الهوية وتعزز التفكير النقدي، ما قد يحوّل التعليم الفلسطيني إلى نموذج رائد للصمود والتجدد.
• هل لديك كلمة أخيرة تود توجيهها في ختام هذا الحوار؟
التعليم الفلسطيني هو جبهة مقاومة حقيقية. كل طفل فلسطيني يستحق أن يتعلم في بيئة آمنة، وكل معلم يستحق الاحترام والدعم. طالما هناك تعليم في فلسطين، فهناك أمل، وطالما أن الفلسطيني يواصل تعليم أبنائه رغم كل الدمار، فهذه أعظم مقاومة يمكن أن يقدمها شعب تحت الاحتلال.
نحن بحاجة إلى أن يتحول التعليم من مجرد قطاع خدمي إلى مشروع وطني مقاوم يتكامل فيه الدعم الحكومي مع المجتمعي والدولي، وكل طفل فلسطيني يستحق أن يتعلم في بيئة آمنة وأن يحمل قلمه وكتابه دون خوف وكل معلم يستحق الاحترام والدعم لأنه ببساطة يقف على خط الدفاع الأول في معركة الوعي والتحرر.
هذا الحوار ليس مجرد توثيق للمعاناة بل شهادة حية على أن التعليم في فلسطين وإن كان محاصرا ومهددا يظل عنوانا من عناوين الصمود قد تقصف المدارس وتهدم الجامعات ويقتل المعلمون والطلبة لكن الفكرة تظل أقوى من الرصاصة، والفكرة هنا هي أن العلم مقاومة والوعي حصن والتعليم هو الطريق الأقصر نحو الحرية.
مرتبط
الوسوم
فلسطين - استهداف المدارس - تدمير التعليم
الاحتلال الإسرائيلي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news