عودة فضل شاكر معادلة جديدة في ساحة الفن

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 48 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
عودة فضل شاكر معادلة جديدة في ساحة الفن

كل ما حولنا من أخبار قاتمة عن الحروب والأجواء المشحونة التي تضخ التوتر في روتين الحياة اليومية، يمثل الخلفية التي تولد في ظلالها الأغاني والمسلسلات والأفلام التي لا ينجح من بينها في جذب اهتمام الجمهور وتحريك انفعالاته إلا القليل.

ومن بين الأغاني الجديدة التي تفاعل معها جمهور الفن في العالم العربي خلال الأسبوعين الماضيين أغنية “صحّاك الشوق” للفنان اللبناني فضل شاكر من كلمات وألحان اليمنية جمانة جمال، في تعاونٍ بين الطرفين هو الرابع أو الخامس؛ وأثمرت التجربة الجديدة عن أغنية بسيطة يكمُن سحرها في سلاسة وانسيابية الأغنية المبنية على الحوار مع ذاكرة متذوقي الطرب، ولا سيّما المتشبعين بلائحة طويلة من الأغاني الوفية للرومانسية والإيقاع الشرقي، وهذا ما جعل الأغنية تحقق أكثر من 30 مليون مشاهدة في الأيام العشرة الأولى.

وبذلك تحولت إلى ظاهرة فنية جذبت الجمهور ونالت الاستحسان الواسع، كما استحقت التأمل والبحث عن السر وراء نجاحها والتساؤل: كيف استطاعت أغنية أن تصبح حديث وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تتحول إلى ما يشبه الترياق الذي وصف البعض تأثيره بأنه يعيد الثقة بمقدرة الفن على بعث الأمل في الأوقات الصعبة؟

وفي الواقع، تأتي مثل هذه الأغاني المختلفة لتحتل مكانتها وسط إنتاج غنائي يكرّس تشابه الإيقاعات السريعة والمرح المفتعل، في مجتمعاتٍ لديها الكثير من المشاغل والهموم والانكسارات، ولم تعد تعثر في غناء اللحظة الراهنة على ما يحفز استبطان المشاعر التي تعين على استعادة التوازن النفسي.

وبعيدًا عن معايير النقد الفني الصارمة والحسابات السيمترية الحادة المعنية بتقييم الكلمات ومقارنة لحن “صحّاك الشوق” بغيره، نجد أن الأغنية حققت معادلةً نادرة من خلال جمعها بين البساطة وتلبية الحاجة الكامنة في وعي المستمع للإحساس بالجمال في مواجهة القسوة المتفشية التي تضيق الخناق على الناس بالحروب والأزمات من كل جانب. وربما يكمن السر الآخر والأهم وراء انتشار الأغنية في صوت فضل شاكر الذي يمتاز بالإحساس العالي ورقة الحنان الذي تلتقطه الأذن في أدائه لأعماله، وهو أداء متميز وأبعد من مجرد كونه إتقانًا للغناء. فأنْ تسمع أغنية يمنحك صوت مطربها ما يشبه السكينة، فهذا ما يوقظ لدى المتلقي الامتنان والحرص على استعادة الأغنية لأكثر من مرة؛ للبقاء أطول وقت ممكن في أجوائها المليئة بالعاطفة الإيجابية؛ فلا هجر، ولا عتاب، ولا ألم فيها، ولا طعنات خيانة.

يؤدي فضل شاكر أغنيته بإحساسٍ يروي لك قصة الأغنية، فتصغي لصوته الذي يتماهى مع موسيقى اللحن، ويأخذك إلى ما تريد الكلمات أن تقوله. ربما لهذا السبب ضجت حسابات مختلف منصات التواصل الاجتماعي باستعادة الأغنية، وأدرك كل الهواة والمحترفين الذين أدوها بأصواتهم أنها أغنية تتطلب “شيفرة” خاصة قوامها الإحساس العالي، والتوحد الكامل مع معاني كلماتها البسيطة، والانطلاق في أدائها بروح مجنحة وبصفاء داخلي يعي معنى الحب كقيمةٍ أولاً قبل أن يكون كلمة في أغنية، هو عاطفة وغريزة أساسية مهمة للحياة ومقسومة على اثنين.

في صوت فضل شاكر أيضًّا، كما يظهر من أرشيف أغانيه القديمة والجديدة، ما يُشبه الاعتماد على نقل الأحاسيس النقية غير المصطنعة، والأرجح أن كل من سمع أغنيته الجديدة وأحبّها، وصلت إليه الرسالة الضمنية لمواجهة القسوة التي تحيط بنا من كل جانب والتعافي منها بالحُب. وما أجملها من رسالة تؤكد أن وظيفة الفن الارتقاء بالنفوس وتهذيب الأرواح، في علاجٍ لا يمكن العثور عليه إلا في الأنغام وفي الأداء الطربي الشفاف بصوت فنان يعرف كيف يصل إلى قلوب مستمعيه.

السر الآخر الذي يقف وراء نجاح هذه الأغنية يتمثل في بساطة كلماتها المكتوبة بقدر من العفوية وعدم الافتعال والفذلكة؛ إذ لا توجد في كلمات جمانة جمال تراكيب معقدة، وكانت كلمات الأغنية دعوة صريحة لاقتسام الحب والحياة بتساوٍ كاملٍ وبدون تضحية: “لا يومي يخلص ولا يومك”، وهذا التساوي في الحب والحاجة إلى الحضور واليقظة يصل إلى ذروته في تصريح وجودي: “الدنيا بنعيشها مرّة… نخليها حلوة… ليه مرّة؟”. كلمات قد لا تكون عبقرية لكنها حقيقية وتلامس رغبة لدى كل إنسان في التخلّص من أعباء الحياة والتمسك بجمالها الوحيد والممكن في الحب.

وتستحق التركيبة الديموغرافية لجمهور هذه الأغنية التأمل، فمن خلال تأمل أعمار المتفاعلين معها على منصّات التواصل الاجتماعي يبدو أن أغنية “صحّاك الشوق” نجحت كذلك في تجسير الفجوة بين الأجيال. فالأجيال الأكبر سنًا التي عاصرت فضل شاكر في قمة نجوميته، وجدت في الأغنية حالة من الحنين إلى زمن الطرب الهادئ والكلمة الرومانسية الراقية، بينما تفاعل جيل الشباب مع الأغنية بشكلٍ لافت، رغم أنه جيل نشأ على أغاني “التريند” والموسيقى الاستهلاكية السريعة. ويمكن تفسير إقبال الجمهور على الأغنية بأنه بحث جماعي وحنين إلى الأصالة في الغناء، بعد أن اكتسحت الساحة الكثير من الألحان المصنعة والأصوات المعدّلة رقميًّا، فقدمت الأغنية لهذا الجمهور تجربة فيها ما يشبه إعادة اكتشاف للطرب المكتنز بالإحساس الصادق مما خلق هذه الحالة النادرة من التفاعل العابر للأعمار.

وهناك سياق مهم جدًّا لا يمكن إغفاله أسهم في منح الأغنية طاقة من خارجها، وهو سياق عودة الفنان فضل شاكر لساحة الغناء، وكنت أخطأت في البداية وكتبتها (لساعة الغناء)، وهذا خطأ فيه قدر من الصواب؛ لأن فضل شاكر جعل من صوته وجديده حديث الساعة بالفعل، أو أن هذا ما يشعر به كل من تغزوه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي بالمزيد مما يتعلق بالمقاطع التي سجل إعجابه بها. لكن فضل شاكر في المجمل فنان مشهور وصاحب صوت متميز، وضعته ظروف ملتبسة وقاسية في خانة الغياب والإقامة الجبرية الاضطرارية التي اختارها لنفسه، وتحت هذا الظرف الذي يعلمه محبوه عاد فجأة للغناء من مكانٍ مجهول داخل مخيم للاجئين في لبنان (عين الحلوة). وعندما قرر العودة لم يكن بحاجة لمسرح ضخم أو حملات إعلانية وترويجية؛ إنما عاد بكل بساطة مراهنًا على صوته وعلى صدق إحساسه. وفي هذا النجاح درس بليغ يفيد بأن الفن الحقيقي قادر في زمن اليوتيوب وغيره من المنصّات على الوصول للجمهور، وأن الرسالة الفنية الجادة لا تحتاج إلى شركة إنتاج ولا إلى وسيط، بل إن النجاح هو الذي يجلب للفنان لاحقًا الشركات التي ترغب في التعاقد معه، وهذا ما حدث مع فضل شاكر في بداياته، وسيحدث معه، بل حدث بالفعل في عودته مع أغنيته الجديدة التي تسجل كل يوم منذ إطلاقها أكثر من مليوني مشاهدة للأسبوع الثاني على التوالي.

وبالقياس إلى الأصداء التي حققتها الأغنية، في موسم أطلق فيه مشاهير الغناء أعمالًا جديدة أيضًا، يمكن القول إن فضل شاكر منح نفسه، قبل جمهوره، اليقين والأمل بأن المراهنة على صدق الأداء وجودته هي دائمًا رهان رابح، مهما كانت الظروف الإنتاجية والحياتية المحيطة بالفنان شحيحة وقاسية. وسيضع نجاح أغنية “صحّاك الشوق” درسًا أمام شركات الإنتاج والمهتمين بدراسة سوق الفن في العالم العربي؛ لأن النجاح الذي حققه المطرب والشاعرة التي لحنت الأغنية بمثابة استفتاء عفوي يؤكد حاجتنا الجماعية للأمل والاستراحة من اللهاث الذي لا ينتهي للحاق بزمن لا يتوقف عن بث سمومه اليومية التي يتلقاها الناس مضطرين وهم يتابعون الأخبار الصعبة.

قدّم فضل شاكر أغنية تكشف أن الناس يبحثون عن كل ما يعيد إليهم صوابهم، ويبث فيهم الطمأنينة والقُدرة على الالتفات لموسيقى تعيد التذكير بزمن التخت الشرقي. يبحث الناس أيضًا عن رسالة بسيطة تذكرهم بأن الجمال ممكن، وأن الحب ضروري، وأن في الغناء، وفي الفن بشكل عام، ما ينقذ الأرواح الهائمة ويعيد لأصحابها ما يعينهم على استعادة التوازن. هي أغنية أثبتت أيضًا أن الفن ضرورة وليس ترفًا، وأنه يبقى الشرارة التي توقظ بداخلنا السعي للأمل واستعادة الحاجة للمودة، في عالم يصر على تذكيرنا كل يوم بكل ما ينسف حقيقة أن الحاجة إلى العيش بطمأنينة حق للجميع.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

رئيس حزب الإصلاح في مارب يرد على تصريحات الزبيدي بضم مارب وتعز لـ‘‘دولة الجنوب’’ ويكشف عن اتفاق خطير بمباركة دولة مساندة

المشهد اليمني | 873 قراءة 

شاهد الرد والتصريح من مسؤول حكومي رفيع له ثقله الاجتماعي والقبلي على عيدروس الزبيدي بعد دعوته لمحافظتي مارب وتعز للانضمام الى الجنوب

المشهد الدولي | 492 قراءة 

تهز اليمن.. ضبط امرأة تحرض على ممارسة الدعارة وأعمال منافية للآداب وتنسق للقاءات غرامية

المشهد اليمني | 444 قراءة 

وثائق مسربة تكشف ملكية فيلا فاخرة في جزيرة العمال وسط جدل برلماني

نيوز لاين | 357 قراءة 

بيان هام من مكتب رئيس الوزراء سالم بن بريك بخصوص الوضع الاقتصادي والمالي

الميثاق نيوز | 343 قراءة 

عاجل: الاعلان عن موعد صرف مرتبات هؤلاء (سار)

كريتر سكاي | 316 قراءة 

بدء صرف رواتب العسكريين

العاصفة نيوز | 301 قراءة 

من هو الأكاديمي اليمني الذي تم اختيارة ضمن قائمة أفضل 30 شخصية عربية مؤثرة لعام 2025 ؟ .. الأسم والصورة و السيرة الذاتية

يمن فويس | 296 قراءة 

الكشف عن موعد صرف المرتبات رسميا بعدن

كريتر سكاي | 257 قراءة 

خطة لصرف الرواتب من الحكومة بعيدا عن الرئاسي والمادة الرابعة تعود لليمن بعد انقطاع

الموقع بوست | 252 قراءة