الحوثيون والاستهدافات البحرية .. ذراع إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية
قبل 13 دقيقة
شهد البحر الأحمر وخليج عدن خلال العامين الأخيرين تحولات نوعية في ميزان الأمن البحري، حيث صعد الحوثيون إلى واجهة المشهد الدولي عبر سلسلة من الهجمات على السفن التجارية والعسكرية. وهو ما جعل هذا الممر المائي الحيوي واحداً من أكثر بؤر التوتر في العالم. ولا يمكن قراءة هذا التصعيد بمعزل عن التوتر الأمريكي – الإيراني المتصاعد، خاصة بعد العقوبات الأخيرة التي استهدفت الاقتصاد الإيراني وقطاعاته الحيوية، الأمر الذي دفع طهران إلى تفعيل أذرعها الإقليمية، وفي مقدمتها الحوثيون، لاستخدام البحر الأحمر كورقة ضغط استراتيجية على الغرب
.
في المشهد العملياتي، تتنوع سيناريوهات التصعيد الحوثي بين الاستهداف المحدود للسفن المرتبطة بإسرائيل، وتوسيع نطاق العمليات ليشمل شركات أمريكية وغربية، وصولاً إلى التلويح بتهديد حرية الملاحة في واحد من أهم الممرات العالمية التي تربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس. فالهجمات الحوثية على ناقلات النفط، واستخدام الزوارق المفخخة والطائرات المسيّرة بحراً، ليست أعمالاً معزولة، بل تندرج في إطار ما يمكن وصفه بـ"الاستراتيجية البحرية الهجينة" التي تزاوج بين أساليب الحرب غير التقليدية والرسائل السياسية الموجهة.
اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018، الذي فشل في تحقيق أهدافه المتعلقة بالسلام وإعادة الانتشار في الحديدة، كان نقطة التحول الكبرى التي سمحت للمليشيات الحوثية بتوسيع حضورها البحري وتعزيز مكانتها كذراع إيرانية متقدمة في البحر الأحمر وخليج عدن. لقد شكل الاتفاق عملياً تمكيناً للحركة من ترسيخ نفوذها، ما يعطينا درساً بوجوب الحسم العسكري وتحرير اليمن.
أما التوقيت السياسي لهذه التحركات فيحمل رسائل واضحة. فبعد تشديد العقوبات الأمربكية على طهران والتحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وجد الحوثيون أنفسهم في موقع يتيح لهم لعب دور "الوكيل البحري" لإيران. بذلك تنتقل المواجهة من طهران إلى البحر الأحمر، حيث لا تحتاج إيران إلى الظهور المباشر، بينما تتحمل المليشيا كلفة التصعيد وتستفيد في الوقت نفسه من ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة. هذه الاستراتيجية تذكّر بنمط سلوك إيران في الخليج العربي عبر "الحرس الثوري"، لكن مع فارق أن الحوثيين يهددون التجارة العالمية بإغراق السفن واستهداف ناقلات النفط، كما حدث مع "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي"، وأخيراً مع السفينة الهولندية "مينافراخت".
الولايات المتحدة وحلفاؤها يدركون أن استمرار تهديد الملاحة الدولية سيؤدي إلى إرباك حركة التجارة ورفع تكاليف الشحن والتأمين، بما ينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي. لذلك يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً مضاداً، قد يتمثل في تعزيز الوجود العسكري البحري الغربي، وربما شن ضربات انتقائية على منصات إطلاق الصواريخ الحوثية أو على البنية التحتية البحرية التي يستخدمونها. في المقابل، يراهن الحوثيون ومعهم طهران على أن ارتفاع تكلفة حماية الممرات الدولية سيدفع القوى الكبرى نحو التفاوض، أو إدخال ملفي اليمن وإيران ضمن حزمة التفاهمات الدولية.
جيوسياسياً، يتجاوز التصعيد الحوثي البعد المحلي وكسب أوراق تفاوضية مستقبلية في مواجهة الحكومة الشرعية، ليدخل ضمن صراع أوسع على الممرات البحرية الاستراتيجية، من الخليج العربي مروراً بخليج عدن والبحر الأحمر وباب المندب وصولاً إلى شرق المتوسط. فإيران تحاول عبر وكلائها رسم خريطة جديدة للنفوذ البحري تتيح لها التحكم في عنق الزجاجة للتجارة الدولية، تماماً كما يفعل "حزب الله" في لبنان عبر الضغط على إسرائيل. هذه الاستراتيجية تعكس إدراك طهران أن الضغط البحري يشكل ورقة تفاوضية قوية أمام العقوبات الاقتصادية، خاصة أن الدول الكبرى لا تملك بديلاً سهلاً لممرات البحر الأحمر وقناة السويس.
السيناريوهات المستقبلية تبقى مفتوحة على ثلاثة مسارات:
1. استمرار الاستهداف المحدود مع رسائل سياسية محسوبة.
2. توسع التصعيد ليشمل مصالح أميركية مباشرة، بما قد يفتح الباب لمواجهة مفتوحة.
3. الدخول في تسويات سياسية تُعيد ضبط قواعد اللعبة، وتمنح الحوثيين دوراً تفاوضياً أكبر ضمن أي تسوية قادمة.
لكن المؤكد أن البحر الأحمر وخليج عدن لم يعودا مجرد ممرين للتجارة الدولية، بل تحولا إلى ساحة صراع جيوسياسي بامتياز، يتقاطع فيه المحلي بالإقليمي والدولي، ويتحول فيه الحوثيون إلى أداة استراتيجية بيد إيران في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news