تقرير | بعد 6 عقود جمهورية.. ما العوامل التي مهّدت لعودة الإمامة بنسختها الحوثية؟

     
بران برس             عدد المشاهدات : 202 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تقرير | بعد 6 عقود جمهورية.. ما العوامل التي مهّدت لعودة الإمامة بنسختها الحوثية؟

بعد أكثر من ستة عقود على ثورة 26 سبتمبر التي أنهت حكم الإمامة المستبد وأرست دعائم الجمهورية والدولة اليمنية الحديثة، يجد اليمنيون أنفسهم اليوم أمام حقيقة عودة شبح الإمامة بنسختها الحوثية.

فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، عملت الجماعة الحوثية المصنفة عالميًا في قوائم الإرهاب على إعادة إنتاج حكم أسلافها الأئمة وإزالة مظاهر الجمهورية تدريجيًا، وصولًا إلى منعها اليمنيين من الاحتفاء بالعيد الوطني السنوي لقيام دولتهم الحديثة، لتظهر على حقيقتها الكهنوتية الأكثر تطرّفًا وعنصرية.

أمام هذا الانكشاف، يبرز السؤال الجوهري حول العوامل التي سهّلت عودة الإمامة، ودور القوى الوطنية في حماية النظام الجمهوري. إضافة إلى مسؤولية الإعلام والنخب في تعزيز الوعي العام بخطر السلالة. وقبل هذا دور مؤسسات الدولة الحامية للجمهورية وللعدالة والمواطنة المتساوية.

تهميش ذاكرة الثورة

في حديثه لـ“برّان برس” عن العوامل/الأخطاء التي سهلت عودة الإمامة، قال الكاتب والباحث اليمني نبيل البكري، إنها “كثيرة” وأولها “التهشيم والتهميش الكبير لذاكرة الثورة اليمنية”. مؤكدًا أنه “جرى إزاحة الكثير من رموز الثورة وأعلامها وفكرها من المناهج، ومن الحياة العامة، ومن الميادين، وهلم جرا من الإشكاليات”.

ويرتبط الخطأ الثاني، وفق الباحث البكيري، بالنخبة السياسية التي تولت الحكم في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات ولا علاقة لها بثورة 26 سبتمبر وامتداداتها الفكرية والثقافية، بعد أن أُزيحت النخبة التي لها علاقة وامتداد بالثورة.

وتحدث البكيري، وهو باحث مهتم بالفكر السياسي الإسلامي وقضايا الديمقراطية، عن “تغول الإماميين وعودتهم في صفوف الثورة”، وقال إنهم “عملوا على خلق فجوة كبيرة بين ثورة 26 سبتمبر وشعاراتها وبين الواقع السياسي الذي مورس من خلال تلك السياسات التي أقصت فكر الثورة من الإعلام والثقافة والتربية والتعليم”. 

واعتبر ما سبق “إحدى المشكلات الكبيرة” التي قال إنها “أدت إلى ضمور ذاكرة اليمنيين بشأن هذا الحدث الجلل والعظيم الذي كان يفترض أن يظل حيًا ويقضًا في ذاكرة الأجيال”. فيما يكمن العامل الثالث في “الصراعات الأيدلوجية والخلافات السياسية التي تراكمت على حساب وحدة الرؤية والهدف فيما يتعلق بعظمة وقداسة ثورة الـ26 من سبتمبر”. 

فبدلًا من “أن يكون هناك قاسم مشترك بين الأيدلوجيات السياسية والحزبية، يسارًا ويمينًا ووسطًا، يتمثل في ثورة 26 سبتمبر وإرثها الفكري والثقافي”، قال إنها انزلقت في خلافات وصراعات حول كثير من هذه الحقائق. ومن هنا، “تسللت الإمامة ووجدت هذا الضعف والفراغ والتشتت والانقسام فعملت على تعزيزه وتعقيده، ومن ثم تحينت الفرصة لتعود بهذا الشكل الذي نراه اليوم بنسختها الحوثية”.

خنادق الخلافات

وحول هذا، قال الكاتب والباحث السياسي اليمني، عبدالله اسماعيل، إن “الإمامة بصيغتها الحوثية استفادت من ضعف الدولة اليمنية الناتج عن تباين المواقف السياسية، والتربصات”. إضافة إلى ما أسماه “الغفلة العامة من الناحية السياسية والفكرية والثقافية في مرحلة خطيرة جداً”.

وأضاف أن هذه الخلافات لم تكن بسيطة، وإنما “خنادق” تسللت منها الإمامة بعد أن أذكت الأحقاد من خلف الستار. ولا يستبعد أن هناك من غذّاها “من داخل الأحزاب والمواقف الحزبية وصولًا إلى نقطة حرجة جداً”. 

وقال إن “هذا التباين السياسي الرهيب، والتربصات، والأحقاد التي ملأت الساحة اليمنية وأضعفت الدولة، وصلت إلى مرحلة أن طقمًا حوثيًا يستولي على محافظة كاملة. مؤكدًا أن “التوسع كان بغفلة، وأحيانًا تغافل، واستخدام الحوثية لتهديد الآخر أو الظن بأن تمددها لصالحه وهذا ما حدث في صعدة مرورًا بعمران وصولًا إلى صنعاء.

وحينها قال إن “الجميع كان يتربص بالآخر، فيما كانت الحوثية تقدم نفسها للجميع بأنها من تحقق أهدافهم، وعملت على التفكيك وإذكاء الأحقاد واستثمارها لإسقاط الدولة على طريقة أسلافها الأئمة منذ الغازي الرسي.

وبالإضافة إلى ذلك، قال إن “تفكك الجيش اليمني كان لحظة فارقة ومهمة بالنسبة للحوثية، استفادت منها بشكل كبير للانقضاض على الدولة اليمنية في العام 2014”.

إلى جانب “الخلافات السياسية بين الفرقاء التي وظّفتها الحركة الحوثية”، ذكر الباحث في معهد الشرق الأوسط، إبراهيم جلال، لـ“بران برس”، عاملين آخرين مهّدا الطريق لعودة “شبح الإمامة” هما: “غياب الرؤية الوطنية القائمة على إعلاء المصالح العليا للنظام الجمهوري، وافتقار البلاد إلى استراتيجية أمن قومي متماسكة تتعامل مع التهديدات في سياقها الحقيقي”.

وبرأي الباحث "جلال": “تتحمل النخب اليمنية الحاكمة، وعلى رأسها كبرى الأحزاب اليمنية، الإصلاح والمؤتمر، مسؤولية سقوط النظام واستعادته”.

إخفاء التاريخ

ومن ضمن عوامل إسقاط الدولة، برأي "إسماعيل"، “عدم استمرار الخطاب الثقافي والتعليمي لثورة 26 سبتمبر بنفس النسق الذي حدث مع انتصارها في العام 1962”، واصفًا هذا الخطاب، وخاصة بعد السبعينات بأنه كان عموميًا يصف الإمامة كخطر لكنه لم يتحدث عن مفرداتها، ومسببات عودتها، والتاريخ الحقيقي لجرائم الأئمة. 

وأكد حدوث “تغييب متعمد، وإخفاء للتاريخ والإرث الإمامي الزيدي الذي كان سبباً للخراب في اليمن، مؤكدًا أنه “لا يوجد عمق في قراءة هذا التاريخ، وأسباب هزيمته ونهوضه”. وهذا الأمر برأيه “مهم جداً؛ لأنه في كل مرة تظهر الإمامة إلى السطح كانت تهزم على يد اليمنيين، لكنها تظل جمراً تحت الرماد، ثم تشتغل على التناقضات والنسيان لتظهر مجددًا”.

وقال إن “هذه الأمور غابت عن اليمنيين، قبل أن يتفاجؤوا بها عندما عادت جماعة الحوثي”. واصفًا الحوثية بأنها “التعبير الأبرز لتاريخ الإمامة والحياة القاسية في حقبتها بكل حذافيرها”.

مهادنة الزيدية

وفي جانب الخطاب الديني والمذهبي، تحدث "إسماعيل"، عن “إشكالية مهادنة المذهب الزيدي بزعم أنه أقرب إلى السنة، وبعيد عن الشيعة، ولديه استعداد للشراكة والاعتراف بالآخر”، معتبرًا هذا “خطأ تاريخي ويجب أن يعالج”. 

وقال إن “المذهب الزيدي الذي جلبه يحيى الرسي، يمثل مزيجًا من الزيدية السياسية والجارودية وأفكار الرسي نفسه، وهو الخطر الكبير الذي يحمل بذرة الإمامة التي تنفجر في وجوه اليمنيين”. واصفًا الخطاب السابق بأنه “تمويهي يساعد المشروع الإمامي على الاختباء داخل الصف الجمهوري، والصف السني، وداخل الدولة والنظام السياسي”. 

وأضاف: “هذا الاختباء إشكاليتنا نحن لعدم القدرة على قول كلمة الحق. المشكلة ليست فقط الإمامة، التي تعد الغلاف الخارجي للفكر الزيدي الهادوي المدمّر، بل في غياب الخطاب الثقافي والتعليمي والديني الذي يحصن اليمن واليمنيين من عودة الإمامة”.

وأكد أن الإمامة حتى عندما تسقط لا تعتبر نفسها غائبة. مستشهدًا بالمفهوم الزيدي الهادوي الشهير الذي يزعم أن “الإمام واجب الوجود، إما غالب ظاهر أو مهزوم مستتر”. مستعرضًا أمثلة على هذا من الواقع اليمني منذ قيام الثورة إلى السبعينات والوثيقة الإمامية لمجلس الإمام الأعلى الذي كان يتحدث عن هذا الأمر بوضوح.

المشروع الوطني وضمان المستقبل

انتقد الباحث إسماعيل، غياب المشروع الوطني الجامع بعد ثورة 26 سبتمبر، وقال إنه كان يفترض بعد هذه التجربة المريرة مع الفكر الإمامي أن تُجرّم الإمامة الزيدية بوضوح نظراً لكثير من جرائمها.

ولفت إلى الجرائم التاريخية للإمامة، وطبيعتها المهددة للجميع حتى لمن يتبنّى مشروعها من الهاشميين. وقال إن الاستفادة منها مرتبط بلحظة ظهورها لكنهم يخسرون عندما تغيب. وأضاف أن هذا ما يحصل اليوم مع الحوثي الذي سيسبب مشكلة كبيرة لكل من سانده، سواء من السلالة أو من خارجها لابتعادهم عن قيم المواطنة المتساوية.

واختتم حديثه بعرض “مشروع مهم جداً” أمام الإعلام والنخب الثقافية، وهو بناء تحصين فكري ومعرفي وثقافي للمجتمع، واستعادة الذاكرة الوطنية لثورة 26 سبتمبر والجمهورية. 

وقال إن مشروع الإمامة دائماً يُدمّر ويسبب المعاناة عندما يظهر إلا أنه ينتهي بعدها لأنه يحمل بذور فنائه، لكن المعضلة أنه حتى لو انتهى وليس لدينا تحصين فكري وثقافي وديني سيعود بوجه آخر.

وأضاف: "بالأمس كان حميدالدين، واليوم بدرالدين الحوثي، ومستقبلًا سيظهر بإسم آخر إذا لم يتم التحصين الفكري والثقافي وصولًا إلى تجريم السلالية وقطع الطريق أمام إعادة إنتاجها". مؤكدًا أن فهم اليمنيين لهذه المشكلة المتكررة هو الضمانة الحقيقية لعدم عودة الإمامة.

 


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

معركة بطولية تهز صنعاء.. الجامحي يقتل قائد حوثي وعدداً من مرافقيه قبل أن يستشهد

نافذة اليمن | 752 قراءة 

الصالح تكشف تصفية أمين عام المؤتمر الشعبي العام في صنعاء بتوجيه من عبدالملك الحوثي

نافذة اليمن | 599 قراءة 

مصادر تكشف: رئيس الوزراء يواجه ضغوطاً لقبول شرط مثير للجدل قبل صرف الرواتب

نيوز لاين | 508 قراءة 

رحلات غير معتادة تهبط في صنعاء.. 100 طائرة وسط التساؤلات!

شمسان بوست | 367 قراءة 

محكمة تقضي بإعدام طفل بعد دفاعه عن نفسه من محاولة اغتصاب في صنعاء

المشهد اليمني | 296 قراءة 

حضرموت…قبائل الحموم تتصدى لقوات تابعه للانتقالي وتجبرها على الانسحاب

موقع الجنوب اليمني | 285 قراءة 

تحذير متجدد لسكان صنعاء والمحافظات مما سيحدث بعد ساعات

نيوز لاين | 268 قراءة 

استشهاد شاب بعد تصديه لحملة حوثية على منزله وقتل قائدها في صنعاء

تهامة 24 | 182 قراءة 

هلع في لحج: شاب عارٍ يقتحم منازل المواطنين في "صبر"

كريتر سكاي | 173 قراءة 

تحذير عاجل من غرفة عدن التجارية: ميناء عدن يواجه تهديداً وجودياً

نيوز لاين | 170 قراءة