في مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، شهدت العاصمة صنعاء الخاضعة بقوة السلاح لسيطرة جماعة الحوثي، المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، آخر تشييع علني لقتلى الجماعة، وكان لرئيس حكومتها غير المعترف بها، ووزراء ومسؤولين قتلوا في غارة للاحتلال الإسرائيلي، قصفت اجتماعاً لهم.
ومنذ أشهر، باتت الجماعة تعزف عن تشييع قتلاها من القيادات الميدانية والضباط، وحتى العناصر العادية، في العاصمة صنعاء، بعد أن كانت في تشييع مستمر، وتنشر ذلك بشكل شبه يومي في وسائل إعلامها، وفي بث مباشر، أو مسجل لمظاهر التشييع.
شبكات إعلامية مرتبطة بالجماعة المدعومة إيرانيًا، لا تنكر توقف الجماعة عن تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء، وتؤكد أنها استبدلت القرى والمديريات لإقامة مراسم التشييع، والتي تحشد إليها العشرات من أتباعها.
عن أسباب هذا التوقف، من قبل الحوثيين والانتقال إلى القرى والأرياف لتشييع قتلاهم، يعتقد المحلل السياسي "أحمد هزاع"، بأن ذلك هو "محاولة من الجماعة لتغطية خسائرها الفادحة"، من القتلى في الجبهات، الذي قال إنه يتم فيها "استنزاف" للحوثيين.
اهتزاز الثقة
وأضاف "هزاع" في حديث خاص لـ"بران برس"، إن الجماعة تحاول كذلك، تغطية أخبار الجبهات لتوصل رسالة لأتباعها بأن هناك سيطرة تامة من قبلها، مشيراً إلى أن هناك حرباً صامتة بين القوات الحكومية والحوثيين.
ويشير إلى سقوط قتلى بـ"أعداد كثيرة"، لافتاً إلى أن الحوثيين يعتقدون، أنه إذا تم إعلان الخسائر ستكتب لها هزيمة، رغم التجهيزات، والحديث عن الحرب ضد إسرائيل، والحرب ضد عدة جبهات، مع القوات الحكومية.
وعن التحول المفاجئ في أماكن التشييع، يرى "هزاع"، أن "انهيار المنظومة، بعد مقتل زعيم حزب الله "حسن نصر الله"، واستهداف إيران أجبر الحوثيين أن يظهروا بمظهر القوة، وأنه لا يوجد لديهم خسائر أو قتلى كثير".
وأوضح أن هناك استهدافات واضحة لطيران الاحتلال الإسرائيلي، الذي قال إنه "استهدف عدة مواقع عسكرية" تابعة للجماعة.
ويضيف أن خوف الحوثيين، زاد من هلع عناصرها، إضافة إلى اهتزاز ثقة مناصريهم، مستدلاً بما تعرضوا له من استهداف لحكومتهم غير المعترف بها، وقادتها العسكريين، وإن تم الإعلان عن مقتلهم بصورة تدريجية.
ويذكر أن ما يحدث للحوثيين اليوم، هو انعكاس للهجمات الإسرائيلية، والضرب المباشر عليهم، وفي عمقهم، فقاموا بنقل التشييع إلى المناطق الريفية، كي لا يتم نقل الأخبار عن القتلى وعددهم.
أزمات متداخلة
في السياق، يقول الباحث في الشؤون الأمنية "العقيد وليد الأثوري" "إن الضربات الدقيقة، التي استهدفت قيادات وغرف عمليات الحوثيين، تسببت في ارتفاع كبير في خسائرهم البشرية، ودفعهم إلى حجب المعلومات وتجنب الإعلان، لتفادي انهيار المعنويات في صفوفهم.
ويشير أن هذا التكتم من قبل الجماعة، ترافق مع تصفيات داخلية غير معلنة، تعكس حجم التوتر والانقسام داخل البنية التنظيمية، مضيفًا أنه "في الوقت نفسه، لوحظ تغيّر مفاجئ في طقوس التشييع، داخل المديريات، حيث باتت تُنفذ بشكل محدود وبعيد عن الأضواء.
ويُرجَّح العقيد الأثوري، أن ذلك يأتي ضمن استراتيجية تهدف لتقليل الاستهدافات المحتملة، مع إرسال رسائل داخلية لعناصر الجماعة مفادها أن “الوفاء لا يزال حاضرًا”، وإن تم بصمت.
ويرى أن هذه المؤشرات مجتمعة تعكس واقعًا مأزومًا، تتعامل فيه الجماعة مع أزمات متداخلة: عسكرية وتنظيمية ونفسية، ما يجعلها في أضعف حالاتها منذ بدء التصعيد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news