نقل مهاجرون إثيوبيون صراعاتهم العرقية لليمن، إذ تتقاتل عصابات الأورومو والتغراي والأمهرا للسيطرة على دروب تهريب البشر والمخدرات إلى السعودية، مقصد الفارين بحياتهم بحثا عن أحلامهم لكنهم صاروا عالقين بين موتين.
في زقاق ضيق بمدينة حدّة جنوب غرب صنعاء، انتهت رحلة الشاب الإثيوبي المنتمي لإثنية الأورومو (الأكبر في بلاده) تولو هايلي (28 عاما)، إذ قتله مواطنه المنتمي للتغراي (قومية تبلغ نسبتها 6%) كفلاي جبره (30 عاما) بعد مشادة بسيطة تصاعدت لعراك دموي.
ظل كفلاي يطعن هايلي عدة دقائق، من دون أن يتدخل أي من مواطنيهما الشهود على الحادث، حسب تأكيد المقدم محمد العفيري نائب مدير البحث الجنائي في قسم حدة، الذي كشف لـ"العربي الجديد"، أن هايلي لم يكن قتيل الصراعات العرقية الوحيد، فخلال الشهر ذاته، قتل ثلاثة إثيوبيين آخرين، وهو ما يؤكده علي الحملي نائب مدير قسم المنطقة الرابعة في المدينة لـ"العربي الجديد" مضيفا أن وتيرة العنف العرقي باتت شبه يومية والسيطرة عليها صعبة في ظل عدم حيازة المهاجرين لأوراق ثبوتية.
هذه الجرائم لا تقع في حدة وحدها، ففي عدن جنوب البلاد أسفر صدام عرقي بين أفراد من الأمهرا والتغراي عن قتل عشرة مهاجرين وجرح العشرات في سبتمبر/أيلول 2023، وهو وضع خطر ومتفجر، إذ يقول منصور الجرادي رئيس منظمة وجوه الإنسانية (مؤسسة مجتمع مدني)، أن مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الواصلين اليمن خلال العقد الأخير جروا خلافاتهم العرقية معهم، إلى جانب انخراط أعداد منهم في أعمال غير مشروعة كتهريب المخدرات وقطع الطرقات خاصة في المدن الحدودية مع السعودية، وهو ما يرصده العميد عبدالله جبران مدير إدارة أمن مديرية مُنبه بصعدة الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" زيادة أعداد المضبوطين على خلفية تلك الجرائم وغيرها حتى وصل الأمر إلى ترحيل ما بين 300 إلى 400 شخص في بعض أسابيع الشهور الماضية.
تصنف المنظمة الدولية للهجرة الطريق من القرن الإفريقي إلى السعودية عبر باليمن كأخطر درب للهجرة غير الشرعية في العالم وحتى الناجين منهم، إن لم يفقدوا حياتهم مثل 3400 مهاجرغرقوا في أغسطس/آب الماضي خلال محاولتهم العبور بحرا نحو اليمن، فإنهم قد يجدون أنفسهم وسط حروب عصابات تشتعل، في مسارات التهريب إلى هدفهم النهائي وهو المملكة العربية السعودية، إذ يسلك مهربو المخدرات هذه الممرات ويسيطرون عليها في مناطق الرقو وفيفا ووادي ضمد والعارضة وآل ثابت والقار الحدودية.
وتستغل عصابات تهريب المخدرات المهاجرين أدوات نقل للمملكة حتى أن تلك المناطق سجلت فيها 1003 جرائم حيازة للمخدرات تورط فيها مهاجرون وفق معطيات أوردتها في فبراير/شباط 2025، رسالة ماجيستير مجازة من أكاديمية الشرطة للرائد مسعد القحيف بعنوان "الهجرة غير المشروعة من القرن الإفريقي وأثرها على الأمن القومي اليمني" بالاعتماد على تقرير غير منشور للإدارة العامة للقيادة والسيطرة في وزارة الداخلية.
النتيجة كانت حروب صغيرة بين عصابات مهربي المخدرات والبشر للسيطرة على المسارات الجبلية المتوغلة داخل الحدود السعودية فيتصاعد العنف المتبادل وصولا للقتل، إذ يقول مهربو القات اليمنيين طاهر علي ونور الدين الريمي ومروان (فضل تعريفه باسمه الأول) أن زملائهم علوان محمد وجلال الزري وأحمد الريمي قتلوا في حادثتين متفرقتين خلال النصف الأول من العام الجاري، على أيدي عصابات المهاجرين بعدما حاولوا تحصيل إتاوة 800 ريال سعودي (218 دولارا) للسماح بعبورهم الحدود، وهو ما يؤكده الرائد ركن علاء الوجيه مسؤول الإعلام في مصلحة الهجرة والجوازات بصنعاء، مشيرا إلى إجبار كثير من المهاجرين على الانخراط في هذا النشاطات غير المشروعة.
ولفرض السيطرة تنشر العصابات على هذه المسارات قطاع طرق يمتد أذاهم إلى المواطنين، ومن بينهم التاجر فاضل عبدالله الذي كان ينقل سجائر بين منطقتي بني عياش ووادي ضمد وتعرض له 8 مهاجرين ضربوه ورفاقه بالعصي وغنموا الحمولة بعدما نجا أصحابها بحياتهم.
ويعلق الضابط الوجيه على تلك الواقعة، بأن شبكات التهريب من الإثيوبيين تحديدا قسمت المسارات الحدودية إلى قسمين؛ عصابات التغراي تمارس نشاطها في منطقة الرقو والوديان والمناطق المجاورة لها أما الأورومو فتنشط في مناطق القهر والمنطقة الجبلية المحيطة بها على طول الحدود مع السعودية، مشيرا إلى سعي كل منهما لبسط السيطرة بالعنف والسلب وقطع الطرق سواء ضد منافسيها أو المهاجرين على هذه المسارات أو حتى المواطنين.
وتتقاسم عصابات "ملاكو وهكتوم وتخلاي وجيرو وصادق" السيطرة على المسارات بحسب إفادة مقدم في أمن مديرية منبه رفض الكشف عن هويته لحساسية مهامه كما قال لـ"العربي الجديد" إن قوام كل مجموعة يصل نحو 500 شخص جلهم من المهاجرين غير الشرعيين بمشاركة مواطنين على دراية بطرق التهريب.
عالقون بين موتين
تحاول السلطات اليمنية فرض سيطرتها على الحدود بحسب إفادة المقدم محمد العكام نائب مدير إدارة الترحيل والمتابعة في مصلحة الهجرة والجوازات بصنعاء الذي ورغم اعترافه بخطورة "عصابات الجريمة المنظمة على طول الحدود" يؤكد تكثيف نشاط السلطات لضبط الحدود ونجاحها في ترحيل نحو 72 ألف مهاجر غير شرعي خلال عامي 2023 و2024 "جلهم من المجرمين" بحسب قوله.
هكذا يضيق الأفق أمام المهاجرين ويحاصرهم الموت أو العصابات ومن ثم الترحيل، إذ يؤكد الرائد الوجيه إجبار الآلاف منهم على امتهان الأعمال غير الشرعية ومن يرفض التورط يُسجن بمنازل وأحواش تديرها العصابات أو يقتل، وحتى إذا هرب سيقتل كذلك، وتنقل رسالة الرائد القحيف عن لجنة الدفاع والأمن بمجلس الشورى ضبط 9399 مهاجرا غير شرعي خلال الفترة بين بداية 2019 ونهاية يوليو/تموز 2022 على خلفية 1790 جريمة أبرزها حيازة المخدرات.
وتركز نشاطهم في صنعاء بـ 813 جريمة تلتها صعدة بـ 630 جريمة فيما شهدت باقي محافظات البلاد 347 جريمة، وبحسب العميد جبران فإن لصعدة وتحديدا منطقة عياش خصوصية كبيرة فقد باتت نقطة تمركز آلاف المهاجرين كونها الأخيرة قبل للسعودية.
72 ألف مهاجر غير شرعي رحلوا من اليمن خلال العامين الماضيين
تواجه السعودية تهديدا متفاقما بفعل شحنات مخدرات ينقلها مهربون معظمهم من الإثيوبيين، فخلال الفترة من 1 يناير/كانون الأول وحتى 10 سبتمبر/أيلول 2025 ضبط حرس الحدود السعودي 235 مهربا إثيوبيا و56 مهربا يمنيا وإريتري وسعودي بعد محاولتهم تهريب ما يزيد على 12 طنا من نبات القات (مصنف ضمن فئة المواد المخدرة) وطن و160 كيلوغراما من الحشيش بالإضافة إلى 640 ألفا و595 قرص كبتاغون في مناطق نجران وجيزان وعسير الحدودية مع اليمن، بحسب بيانات الضبطيات التي استخرجها معد التحقيق من موقع وزارة الداخلية.
ويتصاعد التهديد العابر للحدود على يد عصابات تهريب المهاجرين التي تعمل في أوساط الطبقات الفقيرة بإثيوبيا والصومال وتعدهم بالحيباة الرغدة في السعودية، مستهدفة الشباب بين 16 و30 عاما وفق الوجيه، مضيفا أنهم بمجرد العبور بالمهاجرين إلى اليمن يحتجزونهم في معتقلات وأحواش جماعية في عدن والمخا وذمار والزهرة بمحافظة الحديدة، إضافة لتجمعات في رداع بمحافظة البيضاء، "قبل استغلالهم إما في أعمال شاقة بأجور زهيدة أو في الأنشطة الإجرامية أو احتجازهم لابتزاز ذويهم".
الطريق الرئيسي لتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر من شرق أفريقيا يبدأ في إثيوبيا ثم "أوبوك" في جيبوتي، و"بوساسو" في الصومال وصولا إلى اليمن، وأخيرًا المملكة العربية السعودية، بحسب تقرير لمعهد الدراسات الأمنية (جنوب أفريقي يتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة) صدر في 14 سبتمبر/أيلول 2023 بعنوان "عمليات القتل المستهدفة والإعادة للوطن تفشل في ردع المهاجرين الإثيوبيين".
ومن عنوانه إلى متنه يوثق "تعرض المهاجرين للاستغلال، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب"، مضيفا أن "عصابات التهريب المسلحة في اليمن رغم تسهيلها رحلات المهاجرين، إلا أنها أحيانا ما تحتجزهم طلبا للفدية"، ونقل التقرير عن نائب مفوض الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، بيرهانو أبيبي، قوله إن لدى الشرطة مقاطع فيديو لاعتداءات مروعة وانتهاكات تعرض لها مهاجرون في الطريق من إثيوبيا وحتى المملكة العربية السعودية.
هائمون على وجوههم
تؤكد شهادتان للإثيوبيين عبدالله علي ونقوس ميكي؛ ما ذكره نائب مفوض الشرطة الإثيوبية، إذ قدم علي لليمن قاصدا السعودية وبعد الوصول احتجز المهربون خمسة من أصدقاءه وعذبوهم في أحواش بمحافظة عدن ستة أشهر لابتزاز أهلهم، بينما ميكي الذي فشل في دخول السعودية منذ عامين وأصيب برصاص حرس الحدود عرض عليه المهربون بيع المخدرات معهم في مدينة حدة لكنه رفض فعذب لفترة واستقر به الحال هائما على وجهه في أحد شوارع المدينة.
كما يجبر مهاجرون على العمل القسري أو بأجور زهيدة بحسب المقدم العكام، مشيرا إلى أن مكاتب توظيف في المدن الكبرى كصنعاء تتخصص في توظيفهم بأعمال الخدمات المنزلية والمطاعم الصغيرة، ويقول أحد ملاك هذه المكاتب، رفض كشف هويته لمخالفته القانون، إن لديه 130 عاملا وعاملة من حاملي الجنسيات الإثيوبية والصومالية، مشيرا إلى تنامي أعدادهم بفعل الترويج داخل مجتمعاتهم لتوفر فرص العمل في اليمن.
لكنه عاد وقال لـ"العربي الجديد" إنهم بمجرد وصولهم يتفاجؤون بتشغيلهم بأجور زهيدة وبدون وثائق رسمية، وفي حال رفضوا الاستغلال يتم الزج بهم في أوكار ومعتقلات تابعة لتلك العصابات، لتبدأ معاناتهم التي لا يوقفها إلى النجاح في دخول السعودية أو الموت غير أن السلطات اليمنية تعمل على مواجهة الأمر وفق العكام الذي يؤكد إغلاق 15 مكتباً تورطت في توظيف المهاجرين غير الشرعيين خلال يوليو/تموز الماضي.
وهؤلاء يعانون من "وضع هش فرضته صعوبة الوصول إلى السعودية ما أدى إلى تحولهم لجناة ومجنيٍّ عليهم في الوقت نفسه"، بحسب الحقوقي الجرادي، الذي يشدد على أن بقاء آلاف المهاجرين بشكل شبه دائم في الأراضي اليمنية يتطلب تدخلًا أعمق من المنظمات الدولية لحفظ حقوقهم من ناحية ومنع انخراطهم في الأعمال المخالفة للقانون من جهة أخرى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news