اغتيال أفتهان المشهري
السابق
التالى
تعز تدفع الثمن.. القاضي: المدينة التي دافعت عن نفسها تُعاقَب بالاغتيالات والفوضى
السياسية
-
منذ 20 دقيقة
مشاركة
تعز، نيوزيمن، خاص:
بكلماتٍ حزينةٍ مؤلمة، تحدث الصحفي والمستشار السياسي محمد القاضي عن حال مدينة تعز التي أنهكتها الحربُ وفوضى السلاح، مسترجعًا مشاهد خمس سنوات من القصف والحصار والانفلات الأمني، وما خلّفته من معاناة إنسانية عميقة ما زالت مستمرة حتى اليوم.
وصف القاضي تعز بأنها مدينة "تدفع الفاتورة الأكبر" منذ اندلاع شرارة الحرب، مدينةٌ تستيقظ كل صباح على حوادث قتل ونهب وانفلات، فيما يقف المتحكمون بزمام القرار– ومن يقف خلفهم– موقف المتفرج، وكأنهم يتلذذون بمسلسل التنكيل بالمدينة وأهلها.
مع كل فجر تصحو المدينة على خبر قتل أو نهب أو عملية عنف، بينما الممسكون بزمام القرار في بعض مفاصلها، ومن يقف خلفهم، يبدون كأنهم يلهثون خلف مصالحهم الخاصة، متنكرين لدورهم في حماية المدينة أو إنصاف أهلها.
يقول الصحفي القاضي في منشور على صفحته في فيسبوك: "ما لم أتصوره منذ سنوات أن يكون من وفّرت لهم تعز الملاذ والحاضنة والشرعية، هم أنفسهم من يتحولون إلى وجه ثانٍ للحصار الذي يأتي هذه المرة من الداخل: عصابات فوضى، قنّاصة قتل، متنفّذون يحميون المجرمين، وتواطؤ صامت أو عملي من مؤسسات يفترض أنها تحمي النظام.
وأضاف: جريمة اغتيال أفتهان المشهري ليست حالة عابرة يمكن دفنها مع سوابقها؛ بل يجب أن تكون شرارة تبَعثر أوراق الإهمال والفساد، فتدفع الحكومة والمجتمع إلى فتح ملف شامل لمحاسبة المتورطين ومن يقوّيهم ويوفّر لهم الغطاء. ترك تعز فريسة لدراكولات القتل والفوضى لن يبقى دون انعكاسات؛ فالتداعيات ستتعدى الجغرافيا المحلية إلى الشرعية الحكومية والركائز الوطنية نفسها.
من هي الضحية؟
أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في محافظة تعز، كانت رمزًا لإدارة نظيفة ومُصرّة على محاربة الفساد داخل مرفق عام ظل لعقود بؤرة انتفاع ومراكز ضغط. خطواتها الإصلاحية — استعادة آليات مسروقة، إحالة ملفات صرف غير قانوني إلى النيابة، مضاعفة الإيرادات، وإطلاق مشاريع تدوير النفايات وتحسين البنية الإدارية — جعلتها هدفًا لمن استفادوا من شبكة المصالح. اغتيالها في وضح النهار هو ليس فقط فقدان إنسانة مُخلصة لوظيفتها، بل مؤشر على عمق الانهيار الأمني وقدرة شبكات الفوضى على الإفلات من العقاب طالما هنالك غطاء أو تواطؤ.
الوقائع التي رافقت حياة وأعمال المشهري تُظهر أنها تقدمت بشكاوى رسمية من تهديدات واعتداءات سابقة على مكتبها وطاقم عملها. لكن ما ورد من استجابة رسمية حتى اللحظة يشي بإهمال أو تقاعس: بلاغات لم تُتبع بإجراءات حماية حقيقية، تحذيرات لم تُترجم إلى إجراءات أمنية فعّالة، وبيئة يسمح فيها بوجود مسلحين معروفين دون محاسبة رادعة. هذا الخذلان المؤسسي كان أحد عوامل استدامة مناخ الإفلات من العقاب الذي يغذي سلسلة الاغتيالات.
يقول القاضي: "جريمة اغتيال افتهان المشهري يجب ان لا تدفن كغيرها من الجرائم، و أعمال الحرابة. هذه الدماء التي تسيل على أرصفة و شوارع المدينة يجب ان تتحول إلى لعنة تطارد القتلة و من يقف خلفهم و يحميهم باي شكل كان".
الضاحية معقل للفوضى
تعز التي صمدت طويلاً ضد القصف الخارجي أصبحت اليوم تعبّر عن مأساة مختلفة: تحوّل بعض المواقع والمؤسسات إلى "حاضنة" لمصالح شخصية وجماعات ضغط تعمل على إفشال أي مشروع إصلاحي يهدد مكتسباتهم. عندما تتداخل الأجندات السياسية مع المصالح الميليشياوية والمالية، يصبح الأمن أداة قابلة للتوظيف: تواطؤ أو صمت أو حماية مباشرة. هكذا تُثمر مشاركة الفاعلين الخاطئين في السلطة بطبيعة الحال سياسات إفلات من العقاب، وتستمر دورات العنف.
ويرى الصحفي والمستشار السياسي محمد القاضي، وفقًا لشهادته أن تحويل الغضب إلى إجراءات، لا يكفي، ولا الإدانة الإعلامية أو الوقفات العاطفية، بل يجب أن تتحوّل الاحتجاجات والحزن إلى ضغط مؤسساتي يطبّق القانون بلا استثناء. وإيضا تتحرك الجهود إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، ومحاسبة المقصرين وإعادة تشكيل الأجهزة المحلية بما يكفل حيادها وكفاءتها، وإخراج أي تشكيلات مسلحة أو متنفذين من ساحة القرار الأمني.
إضافة إلى فتح ملفات الفساد، من خلال متابعة ملفات الصندوق ومكافحة شبكات الاختلاس والجبايات غير القانونية التي تهيمن على مؤسسات المدينة. وإلى جانب ذلك عمل آلية رقابية وطنية، من خلال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة برعاية حكومية دولية إن لزم الأمر، لضمان الشفافية وعدم التلاعب في مجريات التحقيق.
تعز فريسة للانفلات
ترك المدينة دون تدخل حاسم يعني: استمرار مسلسل الاغتيالات، نزوح داخلي متصاعد، تراجع المشروعات الخدمية والاقتصادية، فقدان ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وتوسع نفوذ من يستفيدون من الفوضى — وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي ويضعف القدرة الوطنية على مواجهة التحديات الأكبر التي تواجه البلد كالهجمات على الملاحة أو الضغوط الإقليمية.
مايجري من أحداث ووقائع لا يخلي مسؤولية الحكومة ولا دور المجتمع كشريك في الحل، فالتحرك هناك يتطلب إعلان نِيَّة واضحة من أعلى مستويات الحكومة لإحالة القضية إلى تحقيق مستقل وعلني، مع حماية الشهود ومساءلة كل من ثبت تورطه أو تقاعسه، وتنفيذ تنفيذ إجراءات فورية لحماية القائمين على مؤسسات الدولة الذين يقودون إصلاحات، بدل تركهم أهدافًا مكشوفة. إلى جانب إشراك المجتمع المدني والناشطين والمختصين الدوليين في رقابة الحماية ومتابعة نتائج التحقيق.
لقد تحرّكت تعز على مدار سنوات دفاعًا عن نفسها ضد محاولات إسقاطها، لكن انتقامًا من نفسها عبر إفلات الفاسدين والمجرمين هو سيناريو لا يجب أن نرضاه. جريمة اغتيال أفتهان المشهري — بمنزلة استهداف لضمير المدينة — يمكن أن تصبح نقطة تحول إذا ما حوّل المجتمع والحكومة هذا الألم إلى قرار حازم: محاسبة القتلة، تفكيك شبكات الحماية التي تحميهم، واستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها. إلا ذلك، فالمشهد سيبقى حلقة جديدة في مسلسل طويل من الإفلات من العقاب، وستستمر تعز بدفع فاتورة باهظة لن يقبلها أحد من أهلها بعد الآن.
ويؤكد الصحفي المستشار السياسي محمد القاضي في شهادته: "لم يعد مقبولًا او مبررًا ان تترك تعز فريسة لدراكولات القتل و الفوضى و العنف و الأرهاب. يجب ان تحرك قضية اغتيال المشهري مياه العنف والفساد و الفوضى التي تضرب مدينة تعز منذ سنوات طويلة، وتتحول إلى ملف يحظى بألوية قصوى من قبل الحكومة. ترك تعز فريسه لذئاب الفوضى والعنف سيكون له تداعيات كبيرة على كافة الأصعدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news