في تصعيد جديد تجاه الحكومة الشرعية، شرع عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، الأربعاء الماضي، في إصدار أحد عشر قرارا، قضت بتعيين نواب وزارات ووكلاء محافظات ورؤساء هيئات في المحافظات الجنوبية، جميعهم تابعون له مباشرة.
وتبع هذه القرارات خطابات متشددة وتهديدات بفض الشراكة بين الانتقالي والشرعية، مع دعوة لتطبيق اتفاق الرياض الذي لم ينفذ فيه الانتقالي بنداً واحداً حتى الآن.
ووصف مراقبون- في الوقت ذاته- هذه الخطوة "بمثابة انقلاب على الحكومة الشرعية". وبناء "دولة داخل الدولة". لا سيما أن الزبيدي لا يمتلك الصلاحيات القانونية والدستورية لإصدار مثل هذه القرارات.
وبحادثة لافته، يوم الأحد الماضي، اقتحمت عناصر تابعة للمجلس الانتقالي، مكتب نائب وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دوليا حسين باسليم في العاصمة المؤقتة عدن، وسلمته لصلاح العاقل المعيّن نائبا لوزير الإعلام، بقرار من زبيدي، وتطبيق ذلك بالقوة.
ومع استمرار هذا التصعيد، يطرح العديد من اليمنيين تساؤلات حول دلالات تحركات الزبيدي الأخيرة وتأثيرها المحتمل على الحكومة الشرعية واستقرار الوضع السياسي في المحافظات الجنوبية؟
*إحداث إرباك*
وتعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي أحمد هزاع لـ" المهرية نت". إن:" الحراك الأخير من قبل عيدروس الزبيدي بإصدار قرارات تعيين واقتحام مكاتب مؤسسات الدولة، بإيعاز من الإمارات، لإحداث إرباك في المشهد السياسي والاقتصادي لدى الحكومة الشرعية.
وأضاف" كما لا ننسى أن العليمي لم يصدر أي بيان بهذا الجانب، وأعتقد أن هناك وعودا من السعودية باحتواء الموقف، وتغيير قرارات الزبيدي أو توقيفها، كونها الراعية الرسمية لاتفاق الرياض واتفاق نقل السلطة ومازلنا ننتظر إعلان موقفها".
ولفت إلى أن" اقتحام المكاتب الحكومية، أمر مؤسف، لا يقبله أبناء الجنوب أنفسهم، كما أن الناس أصبحوا مدركين بأن هذا العمل تقوم به فقط العصابات أو المليشيات لفرض قراراتها بالقوة".
وأوضح بأن هذا التصعيد يؤثر بشكل كبير على استقرار البلاد، والعملة الوطنية، وقد يسبب حدوث صراع بين أعضاء المجلس الرئاسي وإصدار قرارات من قبلهم، ومحاولة فرضها بالقوة عن طريق الاشتباك بالأسلحة وغيرها"
وأفاد بأن هذا الأمر سينعكس سلبا على الحكومة الشرعية، في الجانب الاقتصادي أو محاربة جماعة الحوثي أو التصدر في المجتمع الدولي". مؤكدا بأن" السعودية صاحبة القرار، وإذا لم تتخذ موقفا سيدخل الجميع في "دوامة". لإثبات وجودهم".
*انقلاب على الشرعية والقضية الجنوبية*
في ذات السياق، يقول الصحفي "صدام الحريبي". إن:" ما قام به عيدروس الزبيدي يُعد خطوة "إماراتية خالصة"، إذ لا يستطيع الإقدام على أي تحرك – صغيراً كان أو كبيراً – إلا بتوجيه ودعم من أبوظبي".
وأضاف لـ" المهرية نت" أن"التصعيد الأخير المتمثل في إصدار قرارات تعيين عشوائية، بمثابة انقلاب على الشرعية وعلى القضية الجنوبية نفسها التي يدّعي الزبيدي الدفاع عنها، ولا يمكن أن يقدم على ذلك بدون قرار إماراتي".
وتابع "هذا السلوك ينعكس سلباً على الحكومة الشرعية داخلياً وخارجياً:
داخلياً: أدى عجز الشرعية عن ضبط المجلس الانتقالي إلى اهتزاز ثقة الشارع بها، في وقت تواجه فيه تحديات جسيمة أمام الحوثيين، وكلما حاولت الحكومة إعادة ترتيب صفوفها وتحفيز الشعب على مقاومة الحوثي، يطل الزبيدي بتصعيد جديد يربك المشهد، وهو ما يعزز شعور السكان في مناطق الحوثيين بالقبول بسلطتهم أو الانضمام إليهم.
خارجياً: فقد انعكست هذه الممارسات على صورة الحكومة أمام الحلفاء والمجتمع الدولي، إذ بدت كأنها مجرد مجموعة من المرتزقة الخاضعين للإمارات، وهو ما يضعف أي تحرك سياسي أو عسكري لاستعادة صنعاء. حتى السعودية – رغم دورها الكبير – قد تجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة لترك الأوضاع كما هي إذا لم تضغط بشكل جاد على الانتقالي".
وأكد بأن "الإمارات لا تسعى إلى تحقيق مشروع الانفصال بقدر ما تستخدمه كورقة ابتزاز ضد الشرعية". مشيرا إلى أن" هدفها الأعمق هو إعادة إنتاج النظام السابق بحلة جديدة، عبر شراكة قد تشمل حزب المؤتمر أو أسرة علي عبدالله صالح، لكن دون عودة للهيمنة المطلقة كما في الماضي".
ومضى قائلا:" ما يقوم به الزبيدي ليس لصالح الجنوب ولا حتى لصالحه شخصياً، وإنما لخدمة أجندة إماراتية بحتة، ستتوقف فوراً متى ما رأت أبوظبي أن مصالحها مهددة".
*تكريس الانقسام وإضعاف الدولة*
بدوره، يقول الصحفي عميد المهيوبي لـ" المهرية نت" إن:" تحركات عيدروس الزبيدي الأخيرة وقراراته، في ظل بوادر تعافي الريال اليمني واستقرار الوضع الاقتصادي نسبيًا، تعكس انزعاج المجلس الانتقالي والجهة التي تقف خلفه من هذه الإصلاحات، وتمثل تحديًا مباشرًا لصلاحيات رئيس مجلس القيادة الرئاسي".
وأضاف" كما تؤكد على محاولة الانتقالي ترسيخ نفوذه في عدن كسلطة أمر واقع، مستندًا إلى القوة العسكرية والهيمنة الأمنية على الأرض، ويعد ذلك تجاوزًا لاتفاق الرياض، وإضعافًا لهيبة الدولة، وتكريسًا للانقسام الإداري والسياسي بين مكونات الشرعية.
وأوضح بأن هذه الإجراءات تُضعف موقف الحكومة المعترف بها دوليًا، وتُظهرها عاجزة عن فرض سلطتها في العاصمة المؤقتة، وتُقوّض مؤسسات الدولة وتخلق إدارتين متوازيتين، مما يعمّق الانقسام ويهدد بخلخلة البنية الإدارية.
وبيّن المهيوبي قائلا:" عناد الزبيدي قد يدفع البلاد نحو صدام داخل مجلس القيادة الرئاسي، ويعيد النزاع إلى المربع الأول وهذا ما يُخشى حدوثه إذا لم تتمكن القوى التي تقف خلفه من إعادة توجيهه وضبط تصرفاته".
واستدرك قائلا:" إذا استمر هذا النهج التصعيدي، فقد نشهد مزيدًا من التوتر في عدن ومناطق الجنوب، وربما تتوسع رقعة الخلاف إلى داخل الحكومة ومجلس القيادة نفسه، مع توقع تزايد الضغوط الدولية لإعادة ضبط بوصلة الشراكة داخل الشرعية، والعودة إلى طاولة الحوار السياسي، بما يضمن احترام صلاحيات مؤسسات الدولة واستمرار العملية السياسية".
واختتم حديثه قائلا:" يواجه الزبيدي تراجعًا في شعبيته داخل الجنوب، حيث بدأت التشكيلات العسكرية والقبائل تدرك أنه أداة بيد قوى خارجية، ما يفتح الباب أمام حراك داخلي قد يطيح به ويقود إلى تفكك المجلس الانتقالي، بينما تبقى الحكومة الشرعية قائمة بتمثيل القضية الجنوبية عبر أطراف أخرى".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news