بقلم . نورا المطيري
تزدحم الساحة العربية والإسلامية هذا الأسبوع بأحداث ساخنة تفرض على المراقب التوقف والتأمل، وعلى رأسها قمة الدوحة التي تنعقد في ظروف استثنائية وحساسة.
المشهد الممتد من المحيط إلى الخليج، ومن أدنى الأرض إلى أقصاها، يشي بمنعطف تاريخي تُعاد فيه صياغة القضايا الكبرى باعتبارها مترابطة ومتشابكة، تصوغ صورة مستقبل مختلف عن العقود الماضية.
اقرأ المزيد...
برعاية السلطة المحلية .. معهد أمين ناشر بلحج يتحول إلى وكر محمي للفساد
15 سبتمبر، 2025 ( 11:09 صباحًا )
النجم رونالدو يتسلم جائزة الحذاء الذهبي من يد أسطورة الكرة السعودية والنصر
15 سبتمبر، 2025 ( 11:03 صباحًا )
القمة التي تعقد اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 في الدوحة، والتي حظيت بدعم قوي من دولة الإمارات، تؤكد أن العرب والمسلمين، رغم تنوع مواقعهم وتعدد أزماتهم، يمتلكون القدرة على الاجتماع عند لحظة فارقة تضعهم أمام مسؤولية تاريخية.
ومن وجهة نظري، فإن هذه القمة تحمل مؤشرات واضحة على أن المنطقة تتجه نحو مسار جديد، حيث تُعاد صياغة معادلات القوة والتضامن، ورؤى الحرب والسلم، ورسم شبكات العلاقات الدولية وفق احتياجات المستقبل. هذه اللحظة تذكرني بلحظات مفصلية في التاريخ، مثل القمة العربية في الخرطوم 1967 التي أعادت ترتيب البيت العربي في أعقاب النكسة، إذ شكلت جميعها نقاط تحول صنعت واقعا سياسيا جديدا.
خلال انتظار نتائج القمة، تابعت تقريرا نشرته صحيفة جيروزالم بوست حول اليمن والجنوب العربي مؤخرا، وأبرز أن هذه البقعة الاستراتيجية أصبحت تحتل موقعا متقدما في الاهتمام الدولي. حيث أصبح الجنوب العربي اليوم يمثل ركيزة أساسية في المعادلة الإقليمية، وكيف أن “باب المندب” بات مركز ثقل تتقاطع عنده مصالح القوى الكبرى، فيما تظهر قوات المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف صلب في مواجهة الميليشيات.
هذه القراءة الدولية تعكس إدراكا متزايدا لأهمية الجنوب في أمن التجارة العالمية، وهو إدراك يذكّرنا بالاهتمام الدولي المتواصل بقناة السويس منذ القرن التاسع عشر باعتبارها شريانا لا غنى عنه للتجارة العالمية.
لاحظت، أن الإعلام الغربي عموما، وليس “جيروزالم بوست” فحسب، يتعامل مع الجنوب بوصفه حقيقة ميدانية، لكنه يقدم صورا جزئية تفتقر إلى الشمول. من تجربتي كقارئة ومتابعة، أجد أن هذا الميل يعود إلى ضغوط سياسية وثقافة إعلامية لا تزال تراوح في أطر قديمة تساوي بين الضحية والجلاد.
ومع ذلك، فإن واقع الجنوبيين منذ الوحدة المشؤومة عام 1990 كشف قصة تدمير ممنهج لمؤسساتهم، وهي تجربة لا تقل قسوة عما واجهته شعوب أوروبا الشرقية حين فُرضت عليها أيديولوجيات مفروضة في النصف الثاني من القرن العشرين، قبل أن تعود وتستعيد هويتها بالعلم وبناء المؤسسات.
لقد تابعت تقارير عدة، بعضها صادر عن منظمات دولية، تشير بوضوح إلى أن الجنوب العربي كان في الثمانينيات نموذجا متقدما في مجالات عدة، متفوقا حتى على بعض دول المنطقة. ثم جاء اجتياح 1994 ليقلب الموازين ويفكك هذا الإنجاز، ويضع الجنوب أمام مرحلة من الإفقار والتهميش.
ومع كل ذلك، فإن الجنوب استعاد اليوم جزءا كبيرا من حيويته عبر صمود أبنائه، تماما كما نهضت اليابان مثلا بعد الحرب العالمية الثانية من تحت الركام لتصبح قوة اقتصادية عظمى.
هنا تبرز الحاجة إلى دعم إعلامي وسياسي عادل يواكب حجم التضحيات ويمنح الجنوب مكانته الطبيعية كشريك سياسي فاعل وأساسي. فالقضية الجنوبية هي مشروع وجود لشعب يسعى لاستعادة دولته التي كانت في يوم من الأيام نموذجا في التعليم والتقدم الاجتماعي، وهو ما يجعلها في قلب النقاشات الدولية.
في ذات الوقت، نلاحظ أن قرارات الرئيس عيدروس الزُبيدي الأخيرة قد جاءت كخطوة مفصلية تعكس ثقة القيادة في قدرتها على إدارة المرحلة، فهذه القرارات حملت رسالة واضحة للداخل والخارج بأن الجنوب يمضي بخطوات واثقة نحو استعادة قراره المستقل. وما أثارته من ردود فعل حادة لدى خصومه من الإخوان والحوثيين والفاسدين في مؤسسات الشرعية يؤكد أن المجلس الانتقالي يسير في اتجاه يختصر الطريق نحو تثبيت موقع الجنوب في المعادلة الجديدة.
فالتاريخ يعلمنا أن القرارات الجريئة عادة ما تثير أشد الاعتراضات، مثلما حدث حين أطلق أنور السادات مثلا مبادرته للسلام عام 1977، والتي ووجهت بمعارضة واسعة لكنها غيرت خريطة الشرق الأوسط.
دعونا نقرأ المشهد الأوسع، سنلاحظ أن الإخوان الذين أعاقوا الجنوب لعقود هم أنفسهم الذين يسعون اليوم لإغراق السودان في الفوضى. وقد تابعت تقارير يوم أمس تشير إلى أن “حكومة بورتسودان” ترفض خارطة الطريق التي قدمتها اللجنة الرباعية، وهو ما يعكس تشابها في الذهنية السياسية التي تعطي الأولوية للسلطة على حساب مستقبل الأوطان. هذه العقلية التي تتنفس الأزمات وتقتات على الفوضى امتدت من صنعاء إلى ليبيا ومن السودان إلى شمال أفريقيا، مكررة النمط ذاته.
وبذلك، فإن معركة الجنوب العربي لا تمثل شأنا محليا فحسب، بل تدخل في صميم الصراع الإقليمي والدولي الأوسع المرتبط بمشاريع الإخوان والحوثيين والإيرانيين والجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش وحزب الله وحماس والحشد الشعبي وغيرهم، وأن قرارات مؤتمر الدوحة، عليها أن تؤكد أن إسرائيل تمثل جانبا هاما من المشكلة الإقليمية وكذلك تؤكد أن الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي والأذرع الإيرانية، هي الجهات التي تفضل الحرب والإرهاب على السلام والاستقرار.
وكما تعنينا الدوحة، العاصمة الخليجية الغالية، وكما يهمنا أمنها وسيادتها، وأن يعود الأمن والسلام إلى السودان، والقبول بحكومة مدنية، لا شرقية ولا غربية، وكجزء من مشروع عربي شامل، فإنه لابد أن نتذكر أيضا أن الجنوب العربي أيضا يحتاج دعم سياسي مباشر وإسناد مادي ومعنوي يوازي حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء الجنوب.
فالمسار الجديد الذي بدأ يتشكل يحتاج إلى إرادة دولية تكمل جهود الداخل الجنوبي. مثلما نجحت خطة مارشال في إعادة بناء أوروبا الغربية بعد الحرب، يمكن لدعم حقيقي ومنصف أن يعيد رسم مستقبل الجنوب العربي ويؤمن له موقعا راسخا في قلب المعادلة الإقليمية والدولية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news