في ضربة كشفت المستور، أطاحت الغارات الإسرائيلية الأخيرة بجدار السرية الذي يحيط بتحركات قادة مليشيا الحوثي في العاصمة المختطفة صنعاء، لتفضح تكتيكات اختباء جديدة تتراوح بين منازل النخب السابقة والفنادق والملاجئ الجبلية.
فبعد أن هجر الحوثيون حي الجراف – معقلهم المحصّن الذي شُبّه لسنوات بـ”ضاحية بيروت الجنوبية” – لجأ كبار قادتهم إلى منازل مستولى عليها في الأحياء الجنوبية الراقية من العاصمة، بينها بيوت مسؤولين وتجار وبرلمانيين. مصادر محلية أكدت لـ”الشرق الأوسط”، أن قيادات الجماعة تنفذ تعليمات صارمة لتغيير مواقعها بشكل دوري، متنقلة بين هذه المساكن والفنادق، إضافة إلى غرف عمليات شُيّدت في باطن الجبال المحيطة بالمدينة.
الغارات الإسرائيلية استهدفت ثلاثة مواقع نوعية: منزل قرب مصنع مياه في حي حدة السكني، مخبأ في جبل عطان، وموقع ثالث ملاصق لمجمع القصر الرئاسي الذي يُستخدم للاجتماعات المغلقة للقيادات الحوثية.
تكتم حوثي وخسائر فادحة
ورغم محاولات الحوثيين فرض جدار من الصمت، تسربت معلومات عن خسائر موجعة في صفوف الصف الأول. تكهنات تحدثت عن مصرع أحمد غالب الرهوي، رئيس حكومة الجماعة، إلى جانب وزراء وقادة عسكريين. الجماعة نفسها أصدرت بيان نعي رسمي للرهوي وعدد من الوزراء، معلنة تعيين محمد أحمد مفتاح قائماً بأعمال رئيس الوزراء.
في المقابل، أكدت مصادر حكومية يمنية مقتل نائب وزير الداخلية الحوثي عبد المجيد المرتضى، والمشرف العسكري أسعد الشرقبي المكنى “أبو صخر”، وإصابة وزراء آخرين بينهم وزير الصناعة معين المحاقري ونائب رئيس الوزراء جلال الرويشان. ولطمأنة أنصارها، سارعت الجماعة إلى نشر تصريح منسوب لرئيس أركانها محمد الغماري يؤكد نجاته، مهدداً بالانتقام ومتوعداً بالتصعيد ضد إسرائيل.
إسرائيل تكشف أوراقها
الجيش الإسرائيلي وصف العملية بأنها “جراحية دقيقة” بُنيت على معلومات استخباراتية وصلت قبل 24 ساعة فقط، مؤكداً أن المبنى المستهدف كان يضم أكثر من عشرة قيادات عسكرية وسياسية بارزة، بينهم رئيس الأركان الحوثي. وأضاف أن الضربات طالت أيضاً مواقع عسكرية مرتبطة بالقصر الرئاسي ومحطات توليد الطاقة ومخازن وقود، رداً على “الهجمات الحوثية المتكررة ضد إسرائيل ومدنييها”.
مأساة اليمنيين تتعمق
وبينما تنشغل القيادات الحوثية بحماية أنفسها داخل الأنفاق والفنادق، يدفع اليمنيون الثمن الأكبر. أكثر من 18 مليون مواطن بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما لم يُموَّل سوى 8% من خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2025. ومع تحذيرات برنامج الأغذية العالمي من عجز نصف الأسر عن توفير احتياجاتها الغذائية، يواجه اليمنيون جوعاً متفاقماً يضاعف كلفة الحرب.
وفي ظل استمرار التصعيد وتداخل الصراع مع ملفات غزة والمنطقة، يجد اليمن نفسه أمام مفترق خطير: حرب إقليمية على أرضه، وانهيار إنساني يهدد وجوده واستقراره لعقود قادمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news