كتب التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” عميد المهيوبي:
في مثل هذا اليوم، 30 أغسطس من العام 1999 رحل شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا وفكريًا حيًا في وجدان اليمنيين، ينبض بالحكمة، ويشع بالثورة، ويقاوم النسيان.
في ذكرى رحيله، نستعيد جانباً من ملامح الرجل الذي كتب عن الثورة قبل أن تُعلن، وعن الشعب قبل أن يصحو، وعن الظلم قبل أن يُدان.
نستعرض جانباً من قصائده التي قارعت الطغيان، أرّخت لتحولات اليمن، وشهادات من قرأوه كما يجب، ليبقى البردوني حاضرًا في الذاكرة الوطنية، كما كان حاضرًا في ساحات النضال، يحمل قصيدة تهز العروش وتوقظ الضمائر.
تعرض “البردوني” للسجن أكثر من مره، أبرزها عام 1948 بتهمة تأييده لثورة الدستور، ومرة أخرى تم اعتقاله بعد عيد الفطر عام 1960 بسبب خطبة ثورية ألقاها في الناس يوم عيد الفطر، وتعرض للمهانة والذل في سجنه فكتب للإمام الكثير من الرسائل الشعرية.
تُبرز قصائد عبدالله البردوني شخصيته كمثقف مقاوم، استخدم الشعر لمواجهة الإمامة، والتعبير عن معاناة الشعب، والدعوة إلى التغيير. فكانت أعماله بمثابة وثائق نضالية، تجسّد ضمير اليمن الحي وتخلّد صوته الثائر.
“فتوى إلى غير مالك”: قصيدة في 1948
تعد قصيدة “فتوى إلى غير مالك” من أبرز أعمال البردوني في مواجهة الإمامة. كتبها عام 1948م، لكنها بقيت طي الكتمان لأكثر من أربعين عامًا، بعد أن تم استبعادها من ديوانه الأول “لعيني أم بلقيس” حرصًا على سلامته، وفقًا لقرار المشرف على الطباعة، الأستاذ علي الجندي ولم تُنشر إلا في ديوان “جوّاب العصور” عام 1991م.
يفتتح البردوني القصيدة بنبرة تهكمية حادة، مخاطبًا السلطة بلغة ساخرة:
“لن ترحم الثوار والهُتافا
هلاّ رحمت السيف والسيافا”
ثم يوجه نقدًا مباشرًا للإمام أحمد حميد الدين، متسائلًا عن عدالة حكمه:
“سأظل أسأل (أحمداً) لا (مالكاً)
كيف استطبتَ بأهلك الإجحافا؟”
ويذهب أبعد من ذلك، متهمًا الإمام ضمنيًا بالرضا بمقتل والده لتثبيت سلطته:
“هل قال قتل أبيك: ترقى بعده
تُفنى وتسجن بإسمه الآلافا؟”
وختم القصيدة بالاعتزاز بنفسه أمام جبروت الامام:
“ما جاء بابك راجياً حتى أتى
عمَّ سيأتي سائلاً ملحافا”
القصيدة كاملة في موقع البردوني عبر الرابط التالي 👇
فتوى إلى غير مالك
“عيد الجلوس”: سخرية في حضرة الإمام
في أحد الاحتفالات الرسمية التي أقيمت في عهد الإمام أحمد بمناسبة ذكرى جلوسه على العرش، ألقى البردوني قصيدة بعنوان “عيد الجلوس” حملت في طياتها نقدًا لاذعًا للواقع السياسي والاجتماعي دون خوف من الإمام يحيى.
من أبرز أبياتها:
“عيد الجلوس أعر بلادك مسمعاً
تسألك أين هناؤها؟ هل يوجد؟
فيم السكوت ونصف شعبك ها هنا
يشقى.. ونصف في الشعوب مشرّد”
القصيدة كاملة في موقع البردوني عبر الرابط التالي 👇
عيد الجلوس
“حين يصحو الشعب”: دعوة للثورة
في قصيدته “حين يصحو الشعب” يوجه البردوني خطابه مباشرة إلى الشعب اليمني، محرضًا إياه على الثورة ضد الإمامة، ومحمّلًا إياه مسؤولية تمكين الظلم:
أعذر الظلم وحملنا الملاما
نحن أرضعناه في المهد احتراما
ويحرض الشعب في القصيدة على أن يثور مناشداً له:
“يا زفير الشعب: حرق دولةً
تحتسي من جرحك القاني مداما
لا تقل: قد سئمت إجرامها
من رأى الحيات قد صارت حماما؟
أنت بانيها فجرب هدمها
هدم ما شيدته أدنى مراما
لا تقل فيها قوى الموت وقل:
ضعفنا صورها موتاً زؤاما”
ويختم القصيدة بالأمل في التغيير:
“إن خلف الليل فجراً نائماً
وغداً يصحو فيجتاح الظلاما
وغداً تخضر أراضي، وترى
في مكان الشوك ورداً وخزامى”.
القصيدة كاملة في موقع البردوني عبر الرابط التالي 👇
حين يصحو الشعب
“وعيد وعتاب”: بشرى سبتمبر المجيد
لم يتوقف الشاعر عبدالله البردوني عن توجيه خطابه الثوري إلى الشعب، داعيًا إياه إلى رفض الظلم والانتصار لقضاياه العادلة. وقد تجلى هذا الموقف بوضوح في قصيدته “وعيد وعتاب” ، التي كتبها عام 1960 بنبرة تهديد واضحة، تعكس شجاعة البردوني في مواجهة الاستبداد، متوعدًا بيوم تنقلب فيه الموازين ويقول في بعض أبيات القصيدة:
“غدًا سوف تعرفني من أنا
ويسلبك النبل من نبّلكْ”
في إشارة إلى أن الشعب سيستعيد كرامته، وأن الزيف الذي تتستر به السلطة لن يدوم وصولاً إلى خاتمة القصيدة التي تنبأ بها بثورة سبتمبر المجيد بقوله:
“غدًا لن أصفّق لفجر الظلام
سأهتف: يا فجر: ما أجملكْ”
القصيدة كامله في موقع البردوني عبر الرابط التالي👇
عتاب ووعيد
مدرسة في الشعر والفلسفة والتاريخ
الشاعر ،عبد الإله الشميري، في حديث مع ”يمن ديلي نيوز“ تناول ملامح شخصية البردوني الفكرية والثقافية، واعتبره نموذجًا متكاملًا للمثقف الموسوعي.
وقال: “إذا نظرنا إلى حياة عبدالله البردوني، الذي وُلد عام 1929 وتوفي عام 1999، نجد أنه عاش سبعين عامًا، منها خمسون عامًا كانت كافية ليقدم خلالها صيغة شاملة للمثقف الحقيقي. ولم يكن بحاجة لأن يْفحص أو يُختبر كي تتضح شموليته، فقد قدم نموذجا متكاملًا للمثقف: السياسي، المؤرخ، المفكر، الفيلسوف، والشاعر وكان يومن بأن الثقافة الشعرية وحدها لا تكفي ليصبح مثقف بارز”.
وأضاف: البردوني لم يكن شيوعيًا بالمعنى الحزبي، ولم يكن شيعيًا كما اتهمه البعض. بل كان موسوعة ثقافية تؤمن بالتاريخ الإسلامي وتفكك الصراعات الطائفية، من يزيد ومعاوية إلى الحسين.
كان زاهدًا في السلطة – كما يقول الأديب الشميري – قريبًا من الناس البسطاء، يعبر عن آلامهم دون أن يطلب شيئًا منهم، ويرتدي القميص المنتف مثلهم كما عكسه في نصه “مصطفى” ويعيش بينهم، ويكتب عن معاناتهم”.
يشير الأديب “الشميري” إلى تأثير البردوني على الأجيال الجديدة، قائل: “بعضهم تأثر بصوته الشعري واتخذه سبيلا للشهرة، دون أن يحملوا روحه الثائرة، أو يقفوا مواقفه الحية، وبعضهم ادعى الثورة، لكنه كان يعمل لصالح النظام، ويقبض من السلطة، بينما يزعم أنه معارض، ومن قدر له المشاركة في السلطة سلب منه قرار التأثير، فظل يدور في فلكه الشخصي ، بينما ظل البردوني صوتًا حرًا في نتاجه الشعري والفكري”.
وتابع: “كان البردوني يرى أن الثورة غيبت الضمير الجمعي، وانصرف الناس للتغني بمنجزاتها، متجاهلين مخاطر الإمامة وإن ذكرت تذكر كقصص خيالية فقط بينما البردوني كان يؤكد على ضرورة استمرار الحديث عن تلك المخاطر، حتى في المناهج الدراسية للتحذير من عودة الإمامة.
وأضاف: البردوني توقع أن تعود الامامة “ولكن بوجوه فارسية أمريكية كما وصفهم في قصيدة ”الهدهد السادس”.
وختم الشميري تصريحه لـ”يمن ديلي نيوز” بالقول: “البردوني لم يكن تابعًا لأحد، ولم يكن ملكًا لأحد. كان صوتًا حرًا متجدداً ومثقفًا موسوعيًا، قدم صورة حقيقية للمثقف اليمني، وظل وفيًا لقضايا الإنسان والوطن اليمني حتى آخر لحظة في حياته.”
مرتبط
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news