يرى خبراء ومحللون، أن الهجمات النوعية المتبادلة بين الحوثيين وإسرائيل مؤخرا، تفتح الباب على مرحلة جديدة من التصعيد، تشير إلى تغيّر في قواعد الاشتباك بين الطرفين، بشكل يخدم الحسابات الإيرانية في المنطقة.
والجمعة الماضي، استخدمت ميليشيا الحوثي في إحدى عملياتها الهجومية على أحد الأهداف الإسرائيلية في تل أبيب، تقنية عسكرية حديثة، عبر صاروخ "فرط صوتي" يحمل رأسا حربيا عنقوديا متشظيا، حال دون تمكّن منظومات الدفاع الجوي من اعتراضه، وإعلان الجيش الإسرائيلي فتح تحقيقات في أسباب فشل عمليات التصدي؛ ما أدى إلى سقوط أجزاء منه في فناء أحد المنازل، دون تسجيل إصابات.
جاء تصعيد الحوثيين متزامنا مع تصريحات وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز زاده، الذي أشار فيها إلى إنشاء طهران بُنى تحتية عسكرية ومصانع لإنتاج الأسلحة في بعض الدول.
وعقب يومين من الهجوم الحوثي الذي أثار قلق الإسرائيليين، ردت تل أبيب بعملية جوية واسعة في العاصمة اليمنية صنعاء، طالت أهدافا ومنشآت عسكرية حوثية بصورة مباشرة للمرة الأولى في محيط المجمّع الرئاسي وقاعدة "الحفا" العسكرية، إلى جانب المنشآت النفطية والخدمية التي اعتادت المقاتلات الإسرائيلية استهدافها في صنعاء.
صفحة جديدة
ويرى محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، أن القصف الإسرائيلي الأخير على صنعاء، يفتح صفحة جديدة من المواجهة، ويمثّل رسالة واضحة تُشير إلى أن قواعد الاشتباك قد تغيّرت، وأن الحوثيين لم يعودوا بمنأى عن الاستهداف المباشر، بعد الموجات السابقة التي كانت تطال الموانئ وتكتفي بضربات محدودة في العاصمة.
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن قصف الحوثيين إسرائيل بالصاروخ الانشطاري "يعكس رغبة الجماعة في تثبيت نفسها كجزء من معادلة الردع الإقليمي، لا مجرد فصيل يطلق صواريخ باليستية تقليدية أو طائرات مسيّرة وحسب".
وبحسب المجاهد، فإن حديث وزير الدفاع الإيراني بشأن بناء مصانع أسلحة في الخارج، "يكشف عن استراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى تحويل اليمن وربما ساحات أخرى، إلى مخازن إنتاج وصيانة لسلاح إيراني يُدار بأيد محلية، وإذا ما تحقق ذلك، فنحن أمام جبهة مفتوحة لا تُستنزف بالحصار ولا بالعقوبات، بل تملك القدرة على تجديد نفسها من الداخل".
وأضاف أن المرحلة المقبلة "ستكون أشبه بحرب استنزاف طويلة بين الحوثيين وإسرائيل، قد تفتح بابا لتدويل أكبر للملف اليمني، في ظل عدم قبول إسرائيل لتحوّل اليمن إلى قاعدة صواريخ تهدد أمنها أو أمن ممراتها البحرية، وإصرار الحوثيين على المُضي في هذه المواجهة، باعتبارها وسيلة لتثبيت شرعيته محليا وإقليميا كجزء من ما يسمى بمحور المقاومة".
وذكر أن هذا التصعيد "يُدخِل اليمن في قلب التوتر الإيراني الإسرائيلي بشكل أعمق، ولن يكون السلاح الذي يطلقه الحوثيون هو ما يحدد شكل المرحلة القادمة فقط، بل طبيعة البُنى العسكرية التي تسمح الجماعة ببنائها داخل اليمن بدعم مباشر من طهران".
تعزيز الشكوك
بدوره، يعتقد خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية، الدكتور علي الذهب، أن تصريحات وزير الدفاع الإيراني، عززت شكوك واشنطن وتل أبيب على وجه الخصوص، بشأن مناطق عسكرية معيّنة، استحدثها الحوثيون وأعادوا تأهيل بعضها بإشراف إيراني، سواء كانت في العاصمة صنعاء أو خارجها.
وقال لـ"إرم نيوز"، إن الحوثيين لم يعلنوا عن الغارات التي شملت أهدافا وقواعد عسكرية واجهتها سياسية وسيادية، في الهجوم الإسرائيلي الأخير، خاصة في منطقة دار الرئاسة والنهدين بصنعاء، مشيرين فقط إلى الضربات التي طالت محطة شركة النفط في شارع الستين ومحطة "حزيز" الكهربائية جنوب العاصمة.
وعدّ الذهب هجوم صنعاء، بمنزلة "استنطاق للحوثيين، بهدف جسّ ردود فعلهم تجاه هذه العملية وتجاه تصورات الإسرائيليين وفق تصريح وزير الدفاع الإيراني الأخير، إلى جانب استمرار تل أبيب في تقويض عناصر الدعم اللوجستي العسكرية لدى الحوثيين".
وأضاف أن الهجوم يحمل كذلك رسالة للحوثيين، في حال انخراطهم في أي مواجهة قادمة محتملة ضد إيران، في ظل المؤشرات التي ترجّح قدوم جولة عنف جديدة بين طهران وتل أبيب، قد تشترك فيها واشنطن.
رسائل إيرانية
في المقابل، تساءل المحلل السياسي، حسام ردمان، عن مدى إدراك الحوثيين ومن خلفهم إيران، لحقيقة استفادة إسرائيل الدائمة من تصعيد الميليشيا اليمنية، التي قال إنها "لم تعد اليوم موضع جدال، بعد أن أثبتت نفسها في أكثر من مناسبة".
وذكر ردمان أنه كان يمكن تفسير سلوك الحوثيين خلال الفترة الماضية بـ"العمى الأيديولوجي وسوء التقدير الاستراتيجي، لكن الهجوم الأخير بصاروخ انشطاري محرم دوليا، لا يمكن أبدا إدراجه ضمن طريق الجحيم المعبّد بالنوايا الحسنة، بل هو سلوك مقصود، خصوصا وأنه تزامن مع جملة من التصريحات الإيرانية".
وأشار إلى محاولة إيران إثبات فاعلية الردع وعقيدة "الدفاع المتقدم"، وبحسبه فقد اختارت طهران "توجيه رسائلها من خلال الحوثيين وعبر صاروخ انشطاري، من النوع الذي استخدمته لقصف إسرائيل خلال حرب الـ12 يوما".
وأوضح أن تسخين الجبهة اليمنية هو "فرصة لاستدراج إسرائيل وربما الولايات المتحدة، إلى حرب وكالة في اليمن، بدلا من المواجهة المباشرة، على قاعدة التضحية بالجنين كي تعيش الأم"، حد وصفه.
وقال ردمان، إن طهران نجحت من خلال هجمات الحوثيين، في الحفاظ على آخر رمق رمزي لمفهوم "وحدة الساحات"، إلا أن جبهة الإسناد اليمنية وإن ظلت قائمة تكتيكيا، "فإن وظيفتها الاستراتيجية تغيّرت بشكل عميق على الأقل خلال النصف الثاني من العام المنصرم".
وأضاف: "لم تعد الغاية دعم المقاومة ومنع احتلال غزة، وإنما ممانعة أي صفقة سياسية يتم إبرامها بعيدا عن نفوذ إيران، طبقا لجملة من الشواهد، أهمها التصعيد الإعلامي الحوثي في الأسابيع الماضية، ضد الدول العربية، لا سيما جمهورية مصر، وصولا إلى حدّ التهديد بضرب مصالحها الغازية".
وتابع أن بقاء المعاناة في غزة بالنسبة لطهران، يعني "بقاء السياسة الإقليمية منشغلة بخفض التصعيد واحتواء التمدد الإسرائيلي، وهذا يجعل الموقف العربي يتقارب مع إيران دون حاجة الأخيرة إلى تقديم أي تنازلات بالمقابل".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news