من المتوقع ان يشكل نجاح تصحيح وتوحيد سعر صرف الريال اليمني اختراقا مهما في جدار الأزمة اليمنية المركبة التي تزداد استعصاء على التفكيك والحل بمرور الوقت.
الارتفاع الذي شهده سعر صرف الريال الجديد خلال الايام القلية التي اعقبت بدء العملية التصحيحية لسعر الصرف التي ينفذها البنك المركزي في عدن من المتوقع ان يستمر في الحركة ولكن بصورة ابطاء كثيرا ولفترة زمنية اطول حتى يستوفي شروط الاستقرار، هذه الفترة هي التي يحتاجها السوق لاستيعاب تاثير كافة العوامل المؤثرة على تحديد سعر الصرف والتي يتعلق العديد منها بالتقدم المحرز فيما يتصل بحزمة الاصلاحات المصاحبة التي تنفذها الحكومة المعترف بها دوليا بما يحقق التناغم والتناسق بين السياستين النقدية والمالية، واهم هذه الاصلاحات اعادة الحياة لدورة المالية العامة ايرادا وانفاقا بمقتضى القانون المالي ونظام الموازنة العامة السنوي وضبط وتنظيم تدفقات النقد الاجنبي من والى الدولة وحصرها عبر القنوات المصرفية المعتمدة، جميع هذه المقدمات ضرورية للتخلص من الاضطراب والتذبذب المفرط الذي عانى منه سعر الصرف في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا ولبلوغ سعر الصرف الاقتصادي المستقر للريال الجديد، بما يؤدي الى استقرار المستوى العام للاسعار ويشيع جو من الثقة بين المتعاملين في الاسواق ويعيد خلق وتشكيل حوافز الاستثمار وتمويل التوسع في بناء القدرات الانتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية المحلية بعد سنوات من التراجع والانكماش.
لأغراض تحديد سعر الصرف الاقتصادي العادل للريال الجديد ضمن عملية التصحيح الجارية، ينبغي النظر الى ما كان عليه قبل بدء العملية التصحيحية والبالغ 2900 ريال/دولار و 750 ريال/ ريال سعودي باعتباره سعر مركب من جزئين، الجزء الاول، يمثل سعر الصرف الاقتصادي الذي يدور حول السعر الذي تحدده عادة قوى السوق في ضوء العلاقة التفاعلية بين عرض النقد الاجنبي والطلب عليه لاغراض تمويل الاستيرادات المشروعة من السلع والخدمات والوفاء بباقي المدفوعات للخارج عبر القنوات المصرفية المعتمدة، بينما الجزء الثاني المضاف الى سعر الصرف الاقتصادي يمثل الجزء الذي تولد عن عمليات المضاربة بسعر صرف العملة المحلية والتلاعب به صعودا وهبوطا لغرض الاستيلاء على المعروض المحدود من النقد الأجنبي واحتكاره من قبل المضاربين ومن يقف وراءهم، وينظر الى “نشاط المضاربة” في فترات الحروب والنزاعات والازمات الاقتصادية والانسانية كما هو حال اليمن بكونه نشاط تخريبي تجرمه الشرائع السماوية والقوانين الانسانية الوطنية والدولية، ويضع كل من يزاوله تحت طائلة المسألة والمحاسبة القضائية.
يكتسب تقدير قيمة كل جزء من الجزئين المشار اليهما اعلاه أهمية عملية حيث يسترشد به لتصويب وترشيد الاجراءات التنفيذية والادوات المستخدمة في اتمام العملية التصحيحية لسعر الصرف، فالجزء الناشئ عن عمليات المضاربة يستوجب لتصحيحة استخدام اجراءات وادوات ادارية وقانونية وضبطية صارمة باعتباره نشاط تخريبي ينتج عنه في ظل الظروف الراهنة الاضرار بقوت المواطنيين وافقارهم وتجويعهم وحرمانهم من تلبية احتياجاتهم باسعار عادلة ومنصفة لكل من المستهلك والتاجر على حدا سواء، بينما هذه الاجراءات والادوات ينبغي ان تنحى جانبا عندما يتعلق الأمر باية معالجات تصحيحية واصلاحات تختص بتنظيم وادارة سعر الصرف الاقتصادي بعد ازالة الجزء الناتج عن عمليات المضاربة.
تظهر ردود افعال السوق التلقائية حتى الان ان الارتفاع السريع في سعر صرف الريال الذي حدث خلال الايام القليلة الاولى من بدء العملية التصحيحية والبالغ 1632ريال/دولار و 428ريال/ريال سعودي، واستعادة الريال لحوالي 45% من قيمته أمام العملة الاجنبية انما ينتمي الى الجزء الناتج عن المضاربات ولم يلامس بعد السعر الاقتصادي العادل للريال.
لكي تكتمل هذه العملية التصحيحة لسعر الصرف وتتحقق الغاية النهائية منها على المستوى الوطني والمتمثلة بتوحيد سعر صرف الريال اليمني حتى يستعيد مكانته كعملة وطنية لايشوبها اي ازدواج او انقسام، فلابد ان يعقب استكمال تصحيح سعر صرف الريال الجديد واستقراره، عملية تصحيح معاكسة بغرض تخفيض سعر صرف الريال القديم الى سعره الاقتصادي العادل، هذه العملية يمكن ان تتم بيسر وسهولة من خلال رفع الحظر عن تداول الاوراق النقدية الجديدة في مناطق سيطرة سلطة صنعاء، حيث سيتحدد سعر الاستبدال العادل للريال القديم مقابل الريال الجديد بصورة تلقائية ولن يتطلب اتمام هذه العملية سوى بعض التدخلات المساعدة ذات الطابع التنظيمي الفني.
أما في حال تعذر رفع الحظر المشار اليه، وفي حال بقاء جميع العوامل الاخرى كما هي، فان السيناريو المرجح حدوثه هو تضاؤل مضطرد لتدفقات النقد الاجنبي الى مناطق نفوذ مركزي صنعاء خلال الفترة القادمة، ماسيدفع باعادة توجيه ضغوطات الطلب على النقد الاجنبي وتبعا لذلك عمليات المضاربة على العملة المحلية من مناطق سيطرة الحكومة في عدن الى هذه المناطق، وسينتج عن التحول المشار اليه انخفاضات متتالية في قيمة سعر صرف الريال القديم، هذا الانخفاض، سيكون بمثابة اتجاه اجباري اكان من فوق الطاولة في حال رفع اليد عن سعر الصرف وانهاء تجميده عند السعر الحالي منذ سنوات، أو من تحت الطاولة كسوق سوداء في حال تمسك مركزي صنعاء بثبات السعر الحالي.
سيفسح النجاح في توحيد سعر صرف الريال اليمني على اسس اقتصادية عادلة المجال بشكل واقعي وعملي ولأول مرة منذ سنوات لما يليه من الخطوات الاجرائية لاستعادة وحدة النظام النقدي والمالي المصرفي الوطني وهي النتيجة التي تصب – قولا واحدا – في خدمة المصالح العلياء لعموم الشعب اليمني، الذي سيمهد بدوره الارضية للتوافق على مصفوفة معالجات متكاملة مزمنة لانها كافة أوجه الانقسام الاقتصادي باعتباره الوضع الذي يمكن من الحفاظ على ماتبقى من المقدرات الاقتصادية الوطنية ويصون كرامة الشعب من ذل الحاجة الناجم عن تفشي “اوبئة” الفقر والجوع والنزوح في ظل العبث والانهاك والتراجع الذي تعرض له الاقتصاد اليمني طوال سنوات الحرب المديدة.
سيكون لانهاء الانقسام الاقتصادي ونزع فتيل الحرب الاقتصادية اثر مباشر وكبير في اعادة بناء جسور الثقة بين جميع الاطراف وفي استعادة المواطنين في كافة ارجاء البلاد للوضع الطبيعي الصحي لاجزاء مهمة من حياتهم وحركتهم ونشاطهم اليومي وسيمتد الاثر الايجابي الى تهيئة مناخ مشجع لاحراز تقدم ملموس في مختلف محاور التسوية السياسية الشاملة على طريق الخروج من اوحال النزاع والحرب وارساء دعائم السلام والاستقرار الدائم ليتمكن اليمنيون اخيرا من الاستدارة الكاملة نحو المستقبل بالشروع في اعادة بناء دولتهم المنشودة والعودة مجددا الى مسار الاعمار
والتنمية المستدامة الشاملة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news