أرغمت الجماعة الحوثية جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» في صنعاء على إلغاء الاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس الحزب، بعد أيام من حملات تخوين وتهديدات أطلقها قادة الجماعة، بذريعة وجود «مؤامرة» للانتفاض ضدها.
وبحسب مصادر سياسية في صنعاء، لم يقتصر ضغط الجماعة على إلغاء الفعالية، بل تعداه إلى محاولة فرض قرارات بفصل عدد من القيادات في الحزب، يتصدرهم أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس الراحل ومؤسس الحزب، في خطوة يرى مراقبون أنها تستهدف إضعاف ما تبقى من نفوذ أسرة صالح داخل بنية الحزب.
وأصدر جناح «المؤتمر» في صنعاء بياناً، أعلن فيه أن عدم إقامته أي احتفالات بهذه المناسبة يعود إلى الظروف التي تمر بها غزة، مؤكداً أن «جهود قياداته وأعضائه ستوجَّه لحضور فعاليات المساندة للشعب الفلسطيني».
وحرص البيان على تأكيد أن الحزب ما زال ملتزماً بتحالفه مع الحوثيين في مواجهة ما وصفه بـ«العدوان والحصار»، مجدداً موقفه الداعم لقوات الجماعة بقيادة زعيمها عبد الملك الحوثي.
كما شدّد البيان على أن دعم غزة سيظل «مبدأ ثابتاً» من مبادئ الحزب، متوعداً بعدم الانجرار وراء «حملات التخوين والاتهامات الباطلة».
ورغم أن البيان تبنى خطاباً حوثياً صريحاً، فقد قرأه سياسيون على أنه انعكاس لضغوط شديدة مورست على قيادات الحزب في صنعاء، بعدما حشدت الجماعة قواتها في الشوارع، وضيّقت على تحركات المدنيين، في مشهد وصفه مراقبون بأنه «حالة طوارئ غير معلنة».
وسخر الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من المبررات التي ساقها البيان، إذ تقيم الجماعة الحوثية احتفالاتها على مدار العام في كل مناسباتها ذات الصبغة الطائفية، منفقة مليارات الريالات اليمنية.
ودأب الحزب على الاحتفال في 24 أغسطس (آب) من كل عام لمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الذي تعرض لهزات قوية خلال السنوات التي أعقبت انقلاب الحوثيين، بما في ذلك مقتل مؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح على يد الجماعة في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2017، وصولاً إلى تفككه إلى أكثر من جناح مع التنازع على قيادته في خارج مناطق سيطرة الجماعة.
استنفار أمني
خلال الأيام الماضية، صعّدت الجماعة انتشارها العسكري والأمني في صنعاء ومحيطها، حيث شوهدت أعداد كبيرة من عناصرها على متن دوريات ومدرعات عند مداخل ومخارج المدينة، وفي الشوارع الرئيسية والأحياء السكنية. كما كثّفت عناصر ما يسمى «الأمن الوقائي» حملات التفتيش على هوية المدنيين، خصوصاً الشباب الآتيين من المحافظات الأخرى.
وقال شهود إن الحوثيين نفذوا عمليات تدقيق واستجواب موسعة لركاب الحافلات، وسألوهم عن أسباب دخولهم العاصمة وأماكن إقامتهم، في مؤشر على حالة القلق المسيطرة على قيادة الجماعة.
وجاءت هذه الإجراءات عقب خطاب متلفز لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، حذّر فيه من «مؤامرة خارجية» تستهدف حركته، داعياً أنصاره إلى «اليقظة والحيطة».
وإلى جانب الاستنفار الأمني، لجأت الجماعة إلى أسلوب الاستعراض العسكري لترهيب خصومها، إذ نفذت عرضاً أمام منزل الزعيم القبلي الراحل عبد الله بن حسين الأحمر في منطقة الحصبة شمال صنعاء، ترافق مع ترديد شعارات طائفية وهتافات «الصرخة الخمينية».
وعدّ ناشطون هذه الخطوة «رسالة تهديد واضحة» للشيخ حمير الأحمر، أحد قيادات «المؤتمر»، الذي اتهمته الجماعة بالتآمر مع أطراف خارجية، وعرقلة ما تزعم أنه «دعم جبهة غزة».
سلوك قمعي
يرى محللون يمنيون أن تزامن هذه التطورات مع الذكرى السنوية لتأسيس «المؤتمر الشعبي العام» يعكس سعي الحوثيين إلى منع أي مظهر من مظاهر الحشد الشعبي المناهض لهم، سواء من داخل الحزب أو من خارجه، في وقت تتصاعد فيه حالة الاحتقان الشعبي نتيجة الفقر والجوع، وغياب الخدمات الأساسية.
ويجمع مراقبون على أن إلغاء الاحتفالية، وصياغة بيان يتماهى مع خطاب الجماعة، وانتشارها الأمني الكثيف، كلها مؤشرات على أن الحوثيين يتعاملون مع أي تحرك سياسي مستقل على أنه تهديد مباشر، ما يضعف ما تبقى من الحياة الحزبية والسياسية في مناطق سيطرتهم.
وكانت محكمة خاضعة للحوثيين في صنعاء أصدرت قبل ثلاثة أسابيع حكماً بإعدام أحمد علي عبد الله صالح، نائب رئيس الحزب والمقيم في أبوظبي، مع مصادرة أمواله وممتلكاته كافة، بعد إدانته بتهم «الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو».
ويُعد هذا الحكم الأحدث في سلسلة أحكام أصدرتها الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء عام 2014، واستهدفت فيها قيادات سياسية وعسكرية ومدنية مناوئة لها. ويصف مراقبون هذه الأحكام بأنها «حملة انتقامية ممنهجة» تهدف إلى تصفية الخصوم سياسياً ومالياً، وتعزيز قبضة الجماعة على مؤسسات الدولة المختطفة.
وبحسب مصادر سياسية، فإن توقيت الحكم يعكس خشية الحوثيين من تصاعد الدور السياسي والإعلامي لنجل صالح بعد رفع العقوبات الدولية عنه، خصوصاً مع ازدياد مؤشرات تململ قواعد الحزب من تبعية جناحه في صنعاء للجماعة الانقلابية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news