تحليل | بوابة الشرق نحو تل أبيب.. هل اقترب الانتقالي من تحقيق حلم دولة الجنوب بالتطبيع مع إسرائيل؟

     
بران برس             عدد المشاهدات : 807 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تحليل | بوابة الشرق نحو تل أبيب.. هل اقترب الانتقالي من تحقيق حلم دولة الجنوب بالتطبيع مع إسرائيل؟

بعد 8 سنوات من الصراع السياسي والعسكري والأمني من داخل الحكومة وخارجها، تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي أخيرًا من فرض سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة، في أوسع تمدد جغرافي له منذ تأسيسه عام 2017 بدعم إماراتي مباشر. 

بهذه الخطوة، استكمل المجلس بسط نفوذه على معظم الجغرافيا التي كانت تمثل حدود “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” قبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. ومع هذا التطور، بدأ بتقديم نفسه كلاعب سياسي يتجاوز القتال الداخلي إلى التأثير في معادلات الأمن الإقليمي، مستندًا إلى الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للمحافظتين وموقعهما الحدودي مع السعودية وسلطنة عُمان.

وبالتزامن، أعادت تقارير صحفية غربية وإسرائيلية الحديث عن اتصالات غير معلنة بين ممثلين عن المجلس ومسؤولين إسرائيليين، تتناول دعم مشروع انفصال جنوب اليمن مقابل التطبيع الكامل مع تل أبيب، وتقديم خدمات أمنية في البحر الأحمر وباب المندب.

تطرح هذه المعطيات سؤالًا جوهريًا: هل اقترب المجلس الانتقالي الجنوبي من تحقيق طموحه الوجودي بالتطبيع مع إسرائيل وتنصيبه حاكمًا مركزيًا لجنوب اليمن أم أنه يغامر فقط بتأجيج الانقسام الداخلي، وفتح جبهات داخلية وإقليمية تتجاوز قدرته على الاحتواء؟. 

تطورات ميدانية متسارعة

في الثالث من ديسمبر الجاري، سيطرت قوات الانتقالي على مدينة سيئون، عاصمة وادي حضرموت، دون مواجهات مع قوات المنطقة العسكرية الأولى التي ظلت متمركزة فيها لعقود. وفي اليوم التالي، أعلن المجلس سيطرته الكاملة على محافظة المهرة، بما فيها المنافذ الحدودية مع سلطنة عُمان.

شكّل هذا التوسع السريع، منعطفًا حادًا أعاد رسم التوازنات داخل معسكر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وأربك علاقات الانتقالي مع الرياض ومسقط، إذ ارتطم طموح التوسع بالخصوصية الأمنية والجغرافية لتلك المناطق، ونقل الصراع إلى أبعاد إقليمية أكثر تعقيدًا.

وتُعد حضرموت عمقًا استراتيجيًا للمملكة العربية السعودية، التي ترتبط معها بحدود برّية طويلة ومفتوحة تصل نحو 800 كم، الأمر الذي يجعلها خطًا أحمر في معادلة الأمن القومي السعودي. فيما ترتبط المهرة بحدود حساسة مع سلطنة عُمان، التي حرصت تاريخيًا على إبقاء حدودها الغربية مستقرة وبعيدة عن نفوذ القوى المتصارعة، وتنظر بريبة لأي حضور إماراتي أو حتى سعودي قرب حدودها، وهو ما يجعل تمدد الانتقالي في هذه المناطق خطوة استفزازية وتهديدًا مباشرًا لمصالح وأمن الدولتين.

وقد أبدت الرياض رفضًا واضحًا لهذا التطوير الجديد، ودفعت بوفد عسكري رفيع المستوى بقيادة اللواء الركن محمد القحطاني، رئيس اللجنة الخاصة المعنية باليمن، في محاولة ميدانية لاحتواء الموقف وإعادة ترتيب المشهد إلى ما كان عليه سابقًا. 

وفي الجانب الآخر، اكتفت مسقط بإيصال موقفها عبر افتتاحية لصحيفة “عُمان” الرسمية، حذّرت فيها من انزلاق اليمن نحو “صراع نفوذ وخطر تقسيم داخلي”، مؤكدة تمسكها بموقفها المحايد والحرص على إبقاء اليمن “واحداً” في إطار مرجعية سلطة الدولة.

التمدد شرقًا كورقة إقليمية

يرى مراقبون أن التحركات الأخيرة بحضرموت والمهرة اللتين ظلتا بمنأى عن المواجهات العسكرية طوال سنوات الحرب، عملية ممنهجة ضمن مشروع سياسي يتجاوز السيطرة الميدانية. ويستند هذا الطرح إلى نمط تعاطي الانتقالي مع الموقف والتحذيرات المحلية والدولية.

فخلافًا للتوقعات، واصل الانتقالي منذ أواخر الشهر الماضي تحركاته الميدانية وتوسيع نطاق سيطرته، متجاهلًا كل التداعيات ودعوات التهدئة، ومضى لاستثمار مكاسبه الجديدة لتكريس نفسه كـ“سلطة أمر واقع” قادرة على التأثير في ملفات الأمن الإقليمي وفي مقدمتها أمن البحر العربي وخليج عدن، والملاحة الدولية، ومكافحة تهريب السلاح، إضافة إلى مواجهة الحوثيين وإيران.

وفي هذا السياق، عاد الحديث عن التواصل مع إسرائيل، بالتوازي مع تحركات سياسية لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، شملت لقاءات مع شخصيات ومحافظين من محافظات شمالية، قُدمت على أنها ضمن ترتيبات لمواجهة الحوثيين. إضافة إلى تحركات شعبية دعا لها المجلس لدعم خطواته التصعيدية، وصولًا إلى توجيه وزرائه ومسؤوليه في الحكومة لإصدار بيانات تؤكد تأييدهم لتحركاته نحو إعلان الانفصال.

استراتيجية التطبيع

لطالما تعامل الانتقالي مع ملف التطبيع باعتباره بوابه استراتيجيته لحشد دعم خارجي لمشروعه الانفصالي، مراهنًا على علاقته الولائية مع الإمارات، أول دولة خليجية طبَّعت مع إسرائيل. وعزز هذا بتوظف عامل العداء المشترك مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

وكشفت صحيفة التايمز البريطانية، مؤخرًا، عن اتصالات بين المجلس وإسرائيل تتضمن تعهدات بالاعتراف بإسرائيل وتقديم خدمات أمنية مقابل دعم مشروع الانفصال.

ورغم أن هذه الاتصالات لا تزال سرّية، ولا يعرف بعد مدى جديتها أو حدودها، إلا أن وتيرة وكثافة تصريحات قيادات الانتقالي، وفي مقدمتهم عيدروس الزبيدي ونائبه هاني بن بريك، رجل الدين المثير للجدل، تجعل من الصعب التعامل معها كمواقف شخصية أو خطاب سياسي عابر.

وفي كل الأحوال، يتجاهل الانتقالي كليًا المخاوف الأمنية للدول المجاورة والمشاطئة للبحر الأحمر؛ والتي ترى في أي نفوذ إسرائيلي محتمل في منطقة باب المندب وخليج عدن تهديدًا مباشرًا لعمقها الاستراتيجي وأمنها القومي، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية.

مسار التطبيع

كان الانتقالي من أوائل الكيانات التي رحبت بإعلان اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب في ١٣ أغسطس ٢٠٢٠، وبرز كأشد المدافعين عن الموقف الإماراتي، وظهر حينها معزولًا عن الموقف العام لليمنيين، بما في ذلك موقف الشارع الجنوبي.

وذهب هاني بن بريك، إلى أبعد مدى في الاحتفاء بالتطبيع الإماراتي، معلنًا نيته زيارة إسرائيل. وقال في تدوينة بحسابه على منصّة “إكس”: “إذا تم فتح زيارة الجنوبيين إلى تل أبيب فسأزور اليهود الجنوبيين في بيوتهم”. وفي تعليق لاحق، وصف اتفاق التطبيع بأنه “قرار شجاع من قائد حكيم” في إشارة إلى رئيس الإمارات محمد بن زايد. مضيفًا أن الاتفاق “وضع خريطة طريق نحو تعاون مشترك مع إسرائيل وصولًا لعلاقات ثنائية”. 

وفي بث سابق على منصة “إكس”، بتاريخ ٢٣ يونيو ٢٠٢٠، أكد “بن بريك” أن السلام مع إسرائيل بالنسبة لهم “مطمع ومطمح”، مؤكداً استعدادهم إقامة العلاقات مع أي دولة ستساعدهم على إعادة تقسيم اليمن. واصفًا انتقاد موقف الانتقالي بأنه “ابتزاز رخيص”.

وبالتزامن مع إعلان التطبيع، كشف موقع “إنتليجينس أونلاين”، عن تحفيز إماراتي تدريجي للحركات التي تدعمها لقيادة وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. مضيفًا أن الانتقالي أبدى استعدادًا لإقامة علاقات مع إسرائيل ويجري معها “محادثات سرية”. موضحًا أن أبوظبي كانت تسير في التطبيع منذ سنوات لأهداف اقتصادية وأمنية، وأن حلفائها باتوا يحذون حذوها.

ومطلع فبراير ٢٠٢١، صرّح الزبيدي، لقناة “روسيا اليوم” بأن المجلس الانتقالي ينوي التطبيع الكامل مع إسرائيل في حال استعادة ما أسماه “دولة الجنوب”، مؤكدًا استعداد المجلس لفتح سفارة إسرائيلية في عدن. وحتى ذلك الحين، نفى أي اتصالات مع إسرائيل، لكنه لم يستبعد حدوثها مستقبلًا قائلًا: “إذا تحدد مصير الجنوب يمكن أن نطبع.. فنحن باركنا التطبيع الذي حصل مع الدول”.

كما أبدى الزبيدي، استعداد المجلس للحوار مع جماعة الحوثي “تحت أي سقف” شريطة اعترافها “بدولة الجنوب”، ولم يستبعد زيارة إيران أو إسرائيل. رابطًا ذلك بموقف السعودية التي قال إنها “تقود المنطقة كاملة”. ويلاحظ أن مواقفه الراهنة مختلفة كليًا، إذ يخوض اليوم مواجهة شاملة ومباشرة مع السعودية، مع الحديث عن قنوات تواصل مع إسرائيل.

رفض شعبي ورسمي

رغم رهان الانتقالي على الدعم الخارجي، إلا أنه يواجه داخليًا رفضًا واسعًا لأي مسار تطبيع مع إسرائيل. وقد قُوبلت تصريحاته حول التطبيع باستنكار شعبي واسع، وشمل ذلك المحافظات الخاضعة لسيطرته، التي شهدت تظاهرات شعبية واسعة للتنديد بموقفه المعلن.

كما أعلنت معظم القوى الجنوبية، بما فيها مكونات تدعم خيار الانفصال، رفضها القاطع لأي علاقة مع إسرائيل، مؤكدة موقفها الثابت المناصر للشعب الفلسطيني وقضيته منذ الاستقلال عام ١٩٦٧، ولن ترضى إلا بما يرضيه، وتعارض ما يعارضه في قضيته.

وعلى المستوى الرسمي، جددت الحكومة اليمنية موقفها الرافض للتطبيع، وطالبت الانتقالي بـ“الالتزام بموقف اليمن الرسمي من كل القضايا الخارجية وعلى رأسها قضية فلسطين العربية” باعتباره “جزءً من الحكومة اليمنية وفق اتفاق الرياض”.

وهذه الفجوة الواسعة تضع الانتقالي أمام معضلة حقيقية، وتجعل مساعيه لكسب الدعم الخارجي عبر بوابة إسرائيل غير مجدية، ومن الواضح أنه لن يحقق أي اختراق على المدى الطويل داخل مجتمع يعتبر “القضية الفلسطينية” جزءًا راسخًا من هويته السياسية والأخلاقية.

دعم إماراتي.. ضوء أخضر أمريكي

وفيما يتصل بالاختراق الذي حققه شرقًا، يرجح مراقبون أن الانتقالي لا يمكنه الإقدام على هذه الخطوة دون غطاء ودعم إماراتي كامل، في إطار صراع نفوذ غير معلن مع الرياض داخل الملف اليمني، وفي سياق التزاماتها السياسية والأمنية بعد توقيع اتفاقيات “أبراهام”.

ويلاحظ أن الإمارات نجحت في الموازنة بين دفع الانتقالي للتوغّل في عمق الأمن القومي للسعودية وعُمان وتجنب كلفة المواجهة المباشرة والعلنية معهما.

وتشير المعطيات إلى أن أبوظبي حصلت على ضوء أخضر أمريكي قبل التحرك نحو حضرموت والمهرة، وتقف إسرائيل ولوبيها في واشنطن خلف هذا الموقف ردًا على رفض السعودية الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية قبل حصول الفلسطينيين على دولة حقيقية.

وقد يفسر هذا موقف الانتقالي المتصلب أمام تحركات السعودية وضغوطاتها لخفض التصعيد شرق اليمن. وأيضًا عدم اكتراثه بتداعيات هذه الخطوة على وحدة مجلس القيادة الرئاسي، والمركز القانوني للدولة، ووحدة الموقف والمعركة ضد جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا.

وكذلك الموقف الإماراتي الذي اتخذ شكل المواجهة لأوّل مرّة، مما يثير تساؤلات حول الغايات التي قد تدفع أبوظبي للمجازفة بعلاقتها مع الرياض ومسقط. فرغم ضغوط السعودية لم يتجاوز دور الإمارات حدود “الوساطة الرمزية”، حيث اقتصر على مرافقة وفد عسكري سعودي إلى عدن، دون أن تمارس أي ضغط فعلي على حليفها الانتقالي يفضي إلى إنهاء وجوده العسكري في المهرة وحضرموت.

مشروع تمرّد

على مدى 8 سنوات، تشكّل المجلس الانتقالي كمشروع تمرّد متكامل على الحكومة اليمنية، بدءًا من ظروف نشأته وصولًا إلى ممارساته على الأرض، وقد مثّل كل تحرك له تصعيدًا وانحرافًا عن الإجماع الوطني، سواء على الصعيد الإداري أو العسكري أو الأمني أو من خلال توسع نفوذه الميداني وتعزيز تواصله مع جهات خارجية.

واستمرّ المجلس في تحدّي الحكومة وتقويض مؤسساتها بدعم إماراتي غير محدود وبضغوط خارجية غضت الطرف عن تداعيات هذا المسار. وكان تمرد أغسطس 2019 المنعطف الأخطر في مسيرته، حين بسط سيطرته على عدن وسقطرى وأجزاء من الضالع ولحج وأبين، معلنًا “إدارة ذاتية” للمحافظات الجنوبية، قبل أن يتراجع عنها لاحقًا بموجب “اتفاق الرياض” برعاية سعودية وحضور إماراتي. 

ومع ذلك، ظل المجلس ممتنعًا عن تنفيذ بنود الاتفاق، خصوصًا دمج قواته ضمن القوات الحكومية، وبدلًا عن ذلك ركز على استثمار مشاركته في “حكومة المناصفة”، التي استغلها كغطاء سياسي لاستنزاف قدرات الدولة، وإضعاف شرعيتها، وإزاحة الحكومة تدريجيًا من المحافظات الجنوبية.

ولقد كان أكثر جرأة على تحدي الحكومة والسعودية بعد هذا الاتفاق، وظهر هذا في تصريحات الزبيدي المتكررة، ومنها لـ“روسيا اليوم”، الذي أعلن رفضه الواضح للشق العسكري من “اتفاق الرياض”، ووصفه بأنه “مرحلة انتقالية” نحو فك الارتباط واستعادة “دولة الجنوب”.

ولهذا يعد التوسع الميداني الذي انتهجه المجلس من سقطرى وأبين وشبوة وصولًا إلى شرق البلاد نتيجة طبيعية لتعثر تنفيذ هذا الاتفاق. إلا أنه هذه المرّة، أظهر إصرارًا على فرض الهيمنة المطلقة على حضرموت والمهرة، متحديًا الموقف المجتمعي الرافض، ومتجاوزًا كافة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية.

ويمكن راءة هذا التمدد شرقًا من خلال ثلاثة أبعاد:

- على المستوى المحلي،

يستغل الانتقالي هشاشة الحكومة، والفراغ السياسي والعسكري في المناطق المحررة، بما فيها المحافظات الشرقية. ويهدف من وراء تحركاته الأخيرة إلى استباق أي تسوية سياسية مستقبلية بفرض “خارطة سيطرة” تجعل من مشروعه واقعاً لا يمكن تجاوزه.

- وإقليميًا،

يمثل اندفاعه نحو حضرموت والمهرة تحديداً محاولة لتعزيز أوراق الضغط الإقليمية في مواجهة السعودية. فوجوده في هذه المناطق الحيوية يمنح المجلس وحلفائه الإقليميين قدرة على المناورة الجيوسياسية. ويرى أنه بالضغط على العمق الاستراتيجي للمملكة، قد يجبر الأطراف الإقليمية على التعامل معه كلاعب إقليمي لا مجرد فصيل محلي، ومنه يعزز أجندات حلفائه.

- ودوليًا،

وهو البُعد الأكثر خطورة، يسعي الانتقالي لتسويق نفسه كـ“شريك أمني” موثوق للولايات المتحدة، ومستعد للتعاون ضمن الترتيبات الإقليمية الجديدة التي تشمل إسرائيل. ومن هذا التموضع كـ“وكيل محلي”، يأمل الحصول على اعتراف دولي تحت لافتة “مكافحة الإرهاب” وحماية الممرات المائية الدولية، مقابل غض الطرف عن طموحاته الانفصالية.

حسابات إسرائيل

رغم وضوح وجرأة عرض المجلس الانتقالي الجنوبي للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنه لم يحظ سابقًا باهتمام إسرائيلي يُذكر. ويعود السبب، على الأرجح، إلى محدودية نفوذه الجغرافي آنذاك، وافتقاره لأوراق قوة كافية تجعله حليفًا ذا جدوى، خصوصًا قبل أحداث 7 أكتوبر. 

لكن توسع سيطرته من عدن وسقطرى حتى حضرموت والمهرة على بحر العرب شرقًا، قد يدفع إسرائيل لإعادة تقييم حسابات الجدوى، خصوصًا مع حاجتها الملحّة لوكلاء محليين لتأمين مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب دون تحمل أعباء مباشرة.

وفي ضوء التطورات الأخيرة، قد يُنظر للانتقالي كخيار محتمل للقيام بدور “وكيل غير معلن” مع تزايد نفوذه عقب تمدده شرق اليمن، إضافة إلى أنه يبدو متحررًا من القيود الأخلاقية السائدة في المنقطة، ومنها الالتزام تجاه المقاومة الفلسطينية. 

وبخلاف محاولاته السابقة التي قوبلت بالتجاهل، لاقى عرض الانتقالي هذه المرّة تفاعلًا ونقاشًا داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية. 

وفي هذا السياق، دعا يوئيل جوزانسكي، الخبير في شؤون دول الخليج بمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إلى إقامة شراكة مع المجلس الانتقالي. 

وقال في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” بعنوان “من الآن فصاعدًا.. قل مرة أخرى: جنوب اليمن وشمال اليمن”، إن محاولة المجلس إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن “تُتيح فُرصًا استراتيجية واعدة”، لافتًا إلى تصريح عيدروس الزبيدي، بأن الدولة الجنوبية قد تنضم إلى اتفاقيات “أبراهام”.

وأضاف جوزانسكي، في ختام مقاله أن تبلور هذه التوجّهات قد يمنح إسرائيل “شريكًا آخر في البحر الأحمر”، وهي منطقة وصفها بالحيوية “لمواجهة النفوذ الإيراني وتأمين الممرات الملاحية”.

وفي السياق ذاته، أفادت إذاعة “كان” الإسرائيلية”، بأن المجلس الانتقالي يسعى للحصول على دعم إسرائيلي لتعزيز أجندته في مواجهة الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين، في ظل تصاعد نفوذه على حساب القوات المدعومة من السعودية في جنوب اليمن.

ونقلت الإذاعة عن مصدر وصفته بـ“الدبلوماسي في إدارة جنوب اليمن”، قوله إن دعم إسرائيل لإقامة دولة في جنوب اليمن عاصمتها عدن من شأنه تعزيز الأجندة المشتركة بين الطرفين، والمتمثلة في حماية طرق الملاحة الدولية في خليج عدن وباب المندب، ومكافحة تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين، وكذلك مواجهة ما وصفه “إرهاب جماعة الإخوان المسلمين التي تتعاون مع الحوثيين”.

وتتقاطع هذه المعطيات مع تصريحات إسرائيلية رسمية غير مباشرة، منها إعلان نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي عن اتصالات أجرتها تل أبيب مع مسؤولين في الصومال لبحث تهديدات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر، وهو أحد جوانب العرض الذي طرحه الانتقالي.

وأشارت تقارير إلى وجود إسرائيلي غير معلن في جزيرة سقطرى الاستراتيجية، برعاية إماراتية وبغطاء من الانتقالي. وقد ذكر موقع “ساوث فرونت” الأمريكي المختص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية، في 28 أغسطس 2020، أن الإمارات وإسرائيل تخططان لإنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في الجزيرة.

كما أكدت تقارير ودراسات بحثية وجود علاقات ميدانية بين إسرائيل والانتقالي عبر الإمارات، ومن بينها دور إسرائيلي غير مباشر في تشكيل وتنظيم الأحزمة الأمنية التابعة للمجلس منذ تأسيسها عام 2016. ووفق هذه التقارير، فقد استأجرت الإمارات ضباطًا إسرائيليين لتدريب قيادات تلك التشكيلات في أبوظبي، إلى جانب التعاقد مع إسرائيليين يعملون في شركات أجنبية مثل شركة “سباير أوبريشن” الأمريكية، ومنهم أبراهام غولان، لتنفيذ عمليات اغتيال استهدفت معارضين للإمارات والانتقالي في مدينة عدن.

استنفار سعودي

أمام هذه التطورات، وجدت السعودية نفسها مطوّقة بـ“أحزمة نارية” يفرضها حلفاء طهران وأبوظبي وتل أبيب على طول حدودها الجنوبية، فبينما يهيمن الحوثيون الموالون لإيران على الجزء الأكبر من الحدود، أحكم الانتقالي المدعوم إماراتيًا قبضته على بقيّتها.

ويلاحظ مؤخرًا استنفار سعودي لمواجهة هذا الخطر المتصاعد، فقد رصدت تحركات دبلوماسية نشطة شملت معظم الدول المشاطئة للبحر الأحمر. وشهدت الرياض خلال الأسبوع الماضي، سلسلة لقاءات منفصلة عقدها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع كلًا من: الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، وأمير قطر تميم بن حمد. كما وقعت الرياض اتفاقًا مع إيران بضمانة صينية. وجميعها تؤكد أن السعودية تحضر لتوازنات جديدة لمواجهة تحركات إسرائيل وأذرعها في المنطقة برمتها. 

السيناريوهات المحتملة

استنادًا إلى المعطيات السابقة، هناك أربعة سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث:

- تطبيع غير معلن:

وهو الأرجح في المدى القريب، عبر تعاون أمني واستخباري بعيد عن الأضواء، دون إعلان سياسي تفاديًا لردود الفعل الداخلية. ورغم استبعاد التطبيع العلني قريبًا، قد يصبح الانتقالي حليفًا غير مباشر لإسرائيل في مناطق سيطرته جنوب اليمن، وسط تحديات الرفض الشعبي وضغوط الحكومة.

- استخدام التطبيع كورقة ضغط سياسي:

من خلال توظيف ملف التطبيع للضغط على السعودية في سياق التوازنات الإقليمية أو لانتزاع اعتراف ودعم سياسي خارجي دون إعلان علاقات رسمية. والتلويح بهذه الورقة على المملكة لدفعها للتنازل عن شروطها بإقامة دولة فلسطينية، بعد أن باتت بين كمّاشة ضغط الحوثيين شمالًا والانتقالي جنوبًا، وكلاهما يضغطان للي ذراعها ودفعها نحو التطبيع.

- انتكاسة داخلية:

قد يقود تصاعد الرفض الشعبي، أو تشدد الموقف السعودي، أو تطورات مفاجئة إلى خلط الأوراق وتقييد حركة الانتقالي وإجباره على التراجع، خاصة إذا نجحت الرياض في حشد مواقف وطنية ودولية معارضة.

الخلاصة

رغم وصول الانتقالي أقصى تمدده السياسي والجغرافي، إلا أن ترجمة هذا النفوذ إلى مشروع دولة معترف بها عبر بوابة التطبيع مع إسرائيل يظل خيارًا بالغ الصعوبة؛ في ظل الفجوة بين الخطاب سياسي والقدرة العملية، وتداخل التحديات الداخلية والإقليمية.

قد يلعب الانتقالي دورًا وظيفيًا لخدمة أجندات الإمارات وإسرائيل في البحر الأحمر، لكن هذا الدور لا يمنحه شرعية دولية ولا يفرض تقسيم اليمن. وفي أحسن الأحوال، قد يحصل على دعم غير مباشر ووعود مؤجلة بدولة جنوبية افتراضية.

وفي المحصلة، يبقى هذا المسار محفوفًا بمخاطر عالية على المجلس الانتقالي واليمن ككل، ولن يزيد غير تعميق ارتهان القرار المحلي لقوى خارجية، ويهدد وحدة اليمن وأمنه في إطار مشهد إقليمي شديد الحساسية تتقاطع فيه المصالح وصراعات النفوذ.

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تحركات سعودية تعزل الزبيدي سياسياً عقب مقاطعة حكومية واسعة لاجتماع معاشيق

عدن نيوز | 1043 قراءة 

انقلاب جديد في عدن

مأرب برس | 954 قراءة 

تحليل | بوابة الشرق نحو تل أبيب.. هل اقترب الانتقالي من تحقيق حلم دولة الجنوب بالتطبيع مع إسرائيل؟

بران برس | 807 قراءة 

مقاطعة حكومية واسعة لاجتماع الزبيدي في عدن بإيعاز سعودي

موقع الجنوب اليمني | 718 قراءة 

«الأمناء» تكشف تفاصيل مقترحات الرئيس الزبيدي العسكرية بشأن حضرموت والمهرة

الأمناء نت | 622 قراءة 

نبوءة السياسي المخضرم ‘‘باصرة’’ بشأن حضرموت تعود للواجهة بعد 16 عامًا .. ماذا قال؟ (فيديو)

المشهد اليمني | 588 قراءة 

يافع تملأ ساحات عدن.. حشد غير مسبوق يهز حسابات الانتقالي ويكشف تصدعات الجنوب

يني يمن | 565 قراءة 

انتشار عسكري سعودي واسع في صحارى حضرموت

موقع الجنوب اليمني | 562 قراءة 

الانتقالي ينقلب مجددا ويعلن التأييد عبر وزاراته في الحكومة لمطالبه الانفصالية (محدث)

الموقع بوست | 543 قراءة 

الأرصاد: أمطار متفرقة وأجواء باردة تضرب عدة مناطق اليوم

حشد نت | 522 قراءة