شهدت سنوات الحرب في اليمن ظاهرةً متزايدة لهجرةِ الكثير من اليمنيين إلى دول مختلفة، أبرزها السعودية، في سبيل الحصول على العيش الكريم، الذي يضمن حياة أسرهم بعيدًا عن الفقر والحاجة.
هجرات غير منظمة ، مليئة بالأحلام، محفوفة بالمخاطر، يبحث فيها الكثير من أبناء الوطن عن الأمن المالي، بين رمال الصحاري وأشواك الجبال، وقد تتحول تلك الطرق إلى مقبرة صامتة لشباب كانوا يتوقون لحياة أفضل من التي كانوا يعيشونها؛ إذْ تتلاشى أحلامهم مع كل خطوة في الصحراء القاحلة، ويتحول البحث عن الرزق، إلى لقاء أليم مع الموت الحتمي.
وراء كل قصة نجاح في هذا الجانب تكمن مئاتٌ من المآسي التي لم تروى، عن أجساد أنهكتها المسافات الطويلة، وأحلام انتهت بسمِّ عقرب في ليلة مظلمة، وعن شباب ابتلعتهم الرمال المتحركة، تاركين خلفهم عائلاتٍ تنتظر عودتهم التي لن تحدث أبدًا.
مؤخرًا توالت أخبار المفقودين الذين عُثر على جثثهم في الصحراء بعد أشهر من الفقد آخرهم، جثمان اللاعب خالد الجبري، الذي انقطعت أخباره منذ نحو ثلاثة أشهر، إلى جانب سبعة أشخاص آخرين في إحدى المناطق الصحراوية على الحدود اليمنية السعودية.
البحث عن العيش بكرامة
استياءٌ شعبيٌّ كبير تجاه المعاناة والموت عبر الحدود، الذي يتعرض له الباحثون عن العيش الكريم، الذين عاشوا مرارة الغربة في وطنهم، فغادروه بحثًا عن الكرامة المفقودة.
بهذا الشأن يقول الصحفي، إبراهيم الجحدبي" في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن، أصبحت الهجرة غير الشرعية إلى المملكة العربية السعودية ملاذا للعديد من اليمنيين الذين يبحثون عن فرص للعيش بكرامة، بعيدا عن وطن مزقته الحرب والفقر وانعدام الأمن".
وأضاف الجحدبي لـ" المهرية نت" لم يعد اليمن ذلك البلد الآمن الذي يوفر لمواطنيه الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع استمرار الصراع وتدهور الخدمات الأساسية، تحولت الحياة إلى كابوس يومي، انهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار وتوقف الرواتب جعل حتى لقمة العيش حلمًا بعيد المنال، ولهذا فالأسر اليمنية تُجبر على اختيارات صعبة: إما الموت جوعًا أو المخاطرة بحياتهم في رحلات غير شرعية محفوفة بالمخاطر".
وأردف" تحولت الحدود بين اليمن والسعودية إلى مقبرة للكثير من الشباب اليمني، الطرق الصحراوية الشاقة، التعرض للاعتقال أو إطلاق النار، خطر العصابات، والظروف القاسية - كلها مخاطر يواجهها المهاجرون غير الشرعيين، ومع ذلك، يظل الأمل في العمل وكسب الرزق الحلال دافعًا أقوى من الخوف من الموت.
وتابع" نحن هنا لا نتحدث عن أرقام، بل عن بشر تُجبرهم الظروف على المخاطرة بأرواحهم، وهذه القضية تحتاج إلى وقفة جادة من المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية لتوفير حلول عاجلة، سواء عبر فتح قنوات هجرة شرعية آمنة أو دعم برامج إغاثة تُعيد إعمار اليمن وتوفر فرص عمل لشبابه".
وشدد على أن اليمنيين لا يريدون أن يكونوا عبئا على أحد، لكنهم يريدون العيش بكرامة في وطنهم أو في مكان يوفر لهم الأمان عندما يصبح الوطن غير قادر على حمايتهم.
وواصل" الحديث عن الهجرة غير الشرعية ليس تشجيعًا لها، بل كشف عن معاناة يجب أن تدفع الجميع إلى العمل الجاد لإيجاد حلول مستدامة، لأن الإنسان اليمني يستحق الحياة مثل أي إنسان آخر".
بحثٌ عن الحياة في طريق الموت
في السياق يقول الناشط الحقوقي والمجتمعي، محمد العامري" لقد أصبح اليمني اليوم يبحث عن الحياة في طرق الموت، والهجرة غير الشرعية عبر الحدود اليمنية السعودية، فقد تحولت إلى ظاهرة مؤلمة؛ إذ يقطع آلاف الشباب والرجال والأطفال الصحاري والجبال في ظروف بالغة القسوة معرضين حياتهم للموت عطشًا أو برصاص المهربين أو بدوريات الحدود".
وأضاف العامري لـ" المهرية نت" تقديرات المنظمات الدولية تشير إلى أن أكثر من 100 ألف مهاجر ولاجئ معظمهم من اليمنيين والإثيوبيين يعبرون طرق الهجرة غير النظامية سنويًا فيما يتعرض اليمنيون تحديدًا لمخاطر أشد، نتيجة الحرب والفقر وانعدام فرص العمل داخل البلاد".
وأردف" اليمن البلد الذي كان في الماضي مقصدًا للهجرة والعمل أصبح اليوم طاردًا لأبنائه، أكثر من 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية وأكثر من 17 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي بحسب تقارير الأمم المتحدة للعام 2024م وهذا ما يدفع الناس إلى المخاطرة بحياتهم من أجل لقمة العيش".
وتابع" المؤلم أن هذه الهجرات القسرية ليست خيار رفاهية بل نتيجة مباشرة للفساد وسوء الإدارة والحرب التي أوصلت البلد إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر؛ إذْ يعيش أكثر من 70% من اليمنيين تحت خط الفقر".
ومضى قائلا " اليمنيون اليوم بين نارين، إما الموت جوعًا داخل الوطن أو الموت عطشًا ورصاصًا على الحدود، وهذه مسؤولية مباشرة على القوى السياسية، التي حولت اليمن إلى جحيم لا يطاق وأجبرت شبابه على طرق الهجرة غير الشرعية كسبيل وحيد للبقاء بكرامة".
وطالب العامري أطراف الصراع بوقف الحرب والبدء بإصلاحات حقيقية تعيد الأمل والكرامة لليمنيين داخل بلدهم بدلًا من أن تظل طرق الموت هي طريقهم الوحيد نحو الحياة.
هروبٌ من تكاليفِ الهجرة
من جهته يقول الناشط الإعلامي، عارف المليكي:" الحرب والصراع المستمر منذ 10 سنوات، دفع باليمنيين إلى محاولة مغادرتهم اليمن إلى دول المهجر والاغتراب ومنها السعودية بحثًا عن توفير لقمة العيش لأسرهم، في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي وفشل الحكومة في معالجة الأوضاع".
وأضاف المليكي لـ" المهرية نت" ارتفاع تكاليف المعيشة، و غياب فرص العمل وخسارة البعض وظائفهم، وانقطاع الرواتب وانهيار سعر الريال أمام العملات الأجنبية والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية والخدمات، وتوقف عجلة التنمية، أزمات كارثية أثقلت كواهل الشعب اليمني وفاقمت من معاناتهم، ودمرت النسيج المجتعي الثقافي، ومزقت الروابط المجتمعية والأسرية، الأمر الذي دفع بالكثيرين الى البحث عن وسائل جديدة للنجاة وفرص أخرى للعيش".
وتابع" عندما أضحى المواطن اليمني مغتربا في وطنه وبات العيش غير مأمون فيه، أصبحت طرق الموت وركوب الأخطار هي السبيل الوحيد أمام الكثير من اليمنين للحفاظ على حياة أسرهم والعيش بكرامة، في ظل فشل الحكومة الذريع في معالجة الأوضاع الاقتصادية وتوفير الاستقرار المعيشي للمواطن".
وواصل" تكاليف الهجرة المرتفعة والموافقة والاغتراب إلى الجارة السعودية دفع البعض إلى التفكير بالهجرة غير الشرعية والهروب عبر طرق محفوفة بالمخاطر، ومنها خطر الموت هروبا من الجوع والفقر وأزمات المعيشة الطاحنة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news