د. علي العسلي
القرآن الكريم يكرر قاعدة ربانية ثابتة في قوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾، لتكون إنذارًا وتنبيهًا واضحًا بأن من يتجبر في الظلم، أياً كان نوعه، سيجد نفسه في النهاية بلا نصير ولا معين، لا في الدنيا وقت القصاص، ولا في الآخرة عند الحساب.
والظلم في المفهوم القرآني أوسع من مجرد الاعتداء على الحقوق المادية، فهو يشمل:
• الشرك بالله، وهو أعظم أنواع الظلم لأنه اعتداء على حق الله في العبادة.
• الطغيان السياسي والفساد، وهو قهر الناس وسلب إرادتهم.
• الاعتداء على حقوق العباد في الأموال والأعراض والأنفس، وهو ظلم اجتماعي واقتصادي.
• ليّ الحقائق وتشويه الدين، وهو ظلم فكري وأخلاقي يضلل الناس عن الحق.
هذه المعاني مجتمعة تجعل ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ قاعدة تحذيرية صارمة: فالظالمون محرومون من النصرة الحقيقية، ولا ينسبهم الله إلى أنصاره، لأن نصرة الله لا تكون إلا بالحق والعدل.
وقد وردت هذه القاعدة في مواضع عديدة من القرآن، منها:
• في آل عمران: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾.
• وفي نفس السورة: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾.
• وفي الحج: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَّصِيرٍ﴾.
• وفي الشورى: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
• وفي غافر: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾.
هذه النصوص تفضح كل من يرفع راية “نصرة الله” وهو غارق في الظلم، لأن الله يتبرأ منهم ويجعلهم منبوذين حتى في ميدان النصرة.
فكيف لجماعة تمارس كل أشكال الظلم أن تدّعي أنها “أنصار الله”؟
إن هذه الدعوى أشبه بقاتل يدّعي أنه نصير للحياة، أو لص يدّعي حماية الأمانة!
جماعة “أنصار الله” الحوثية، التي نصّبت نفسها بهذا الاسم، هي في الواقع أنصار أنفسهم فقط، وممارساتهم تثبت أنهم لا ينصرون إلا مشروعهم الخاص:
• ادعوا الحق الإلهي واحتكروا السلطة، مخالفين مبدأ الشورى والاختيار الشعبي.
• ظلموا الناس بالقتل والقمع والاعتقالات التعسفية.
• نهبوا المال العام، وقيّدوا الحريات، وأفقّروا المجتمع بسياسات جباية مجحفة.
• استحوذوا على مؤسسات الدولة وثرواتها لصالح مجهودهم الحربي وفئة محدودة منهم، متجاهلين حقوق الشعب.
يزعم الحوثيون أنهم ينتسبون لآل بيت النبي ﷺ ويرفعون شعار “النصرة”، لكن أفعالهم تكشف عكس ذلك:
– النبي ﷺ نهج العدل والرحمة، وهم ينتهجون القتل والقمع حتى مع أبناء وطنهم.
– النبي ﷺ دعا بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم يفرضون فكرهم بالقوة والسلاح.
– النبي ﷺ حفظ أموال الناس وأعراضهم، وهم ينتهكون الأعراض وينهبون المال العام.
– النبي ﷺ وحد الأمة ونبذ العصبية، وهم قسموا الوطن وأثاروا الانقسامات والطائفية.
– النبي ﷺ تواضع وخدم الناس، وهم يستعلون ويدّعون حقًا إلهيًا في الحكم.
بهذا، لا ينتسبون للنبي ﷺ ولا لآله الأطهار، ولو كانوا منتسبين “نطفة”، فإن اتباعهم وسلوكهم بعيد كل البعد عنه. لو كانوا صادقين في نصرة الرسول وآله لاقتدوا بأخلاقهم، لا أن يتحولوا إلى أنصار الظلم، والله لا يقبل نصرة الظالمين.
إن الآيات التي تختم بـ ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ليست خبرًا عن الماضي فقط، بل هي قانون رباني يسري في كل زمان ومكان، وينطبق على واقعنا اليوم.
الظالمون المتزينون بشعارات الدين زورًا وسلبًا، سيسقطون كما سقط كل طاغية قبلهم، ولن يجدوا نصيرًا حين تحين ساعة الحق.
اليوم، ونحن نشهد جرائم جماعة الحوثي بحق اليمنيين، ندرك أن ادعاءهم “أنصار الله” كذب بيّن، لأن الله لا يقبل نصرة الظالمين، ولا ينسبهم إليه، ولا هم أنصار رسوله وآله، بل أنصار أنفسهم ومصالحهم.
الله سبحانه لا تُخدعه الشعارات، ولا تنطلي عليه الألقاب، وهو القائل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.
وكما سجّل التاريخ سقوط فرعون وعاد وثمود، ستكتب صفحات الغد عن سقوط كل من سار في طريقهم، ولو بعد حين.
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227]
يومئذ، لن تنفعهم أسماء اخترعوها، ولا رايات رفعوها، ولا أكاذيب رددوها، وسيعلم العالم أنهم لم يكونوا يومًا أنصار الله، بل أنصار ظلمهم، وخصومًا لكل عدل ورحمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news