بشرى العامري :
لا يزال ملف ما يُسمى بـ”الإعاشة” والمرتبات يشكل لغزا معقدا يستحق التفكيك بمنهجية وعقلانية، وصولاً إلى حلول واقعية وعملية. وفي هذا السياق، سنسلط الضوء على نقطة محددة تمثل أحد أوجه الخلل في إدارة الموارد، وهي ازدواجية استلام المرتبات من قبل المعيّنين بقرارات رسمية في وظائف حكومية كمدراء عموم أو وكلاء مساعدين أو وكلاء وزارات أو مستشارين بينما يقيمون ويعملون أو يتسكعون خارج البلاد.
هؤلاء يشغلون درجات وظيفية محددة وفق قرارات رسمية، سواء في وزارات أو محافظات، لكنهم كما نعرف جميعاً في الواقع أنهم لا يزاولون أي مهام فعلية.
ورغم ذلك، يستمر صرف مرتباتهم وبالعملات الصعبة، في مفارقة صارخة مع وضع الموظفين العاملين في الداخل.
وإذا أردنا معالجة هذا الخلل فلا بد من العودة إلى منطق القانون والانضباط الإداري، خاصة مع توجه الحكومة الحالية ومجلس القيادة الرئاسي لإصلاح الأوضاع المالية والإدارية. ويمكن أن تبدأ الخطوات العملية على النحو الآتي:
1. إلغاء الازدواجية في صرف المرتبات بين الريال اليمني والعملات الأجنبية على جميع الموظفين، مهما كانت مناصبهم، واستلام رواتبهم بالعملة الوطنية فقط، شأنهم شأن بقية موظفي الدولة. هذه الخطوة تمثل دعما مباشرا لمسار تعزيز العملة الوطنية الذي يقوده مجلس القيادة والحكومة ولجنة الموارد، بجدية حقيقية وتضع حدا للفوارق غير المبررة.
2. توحيد المرتبات وفق قانون الخدمة المدنية.
فليس من المنطقي أن يتقاضى مدير عام أو وكيل وزارة يقيم في الخارج، أضعاف ما يتقاضاه نظيره الذي يؤدي مهامه في الداخل، وليس فقط نظيره ولكن الفئات الأخرى التي تقوم بالخدمة داخل البلد في مواقع هامة جداً.
مثال على ذلك: هناك من يتسلم 5000 دولار شهرياً وهو في القاهرة أو إسطنبول أو عمّان، وهو مبلغ يعادل رواتب نحو 20 ضابطاً يخاطرون بحياتهم يوميا في الجبهات وغيرها.
ويستلم ضابط برتبة عقيد أو عميد أقل من 10% مما يستلمها وكيل مساعد أو وكيل وزارة في الخارج الآن.
والأسوأ أن رواتب إثنين أو ثلاثة من هؤلاء تساوي ما يتقاضاه جميع أعضاء مجلس القضاء أو رؤساء المحاكم والنيابات في الداخل، رغم أنهم يواجهون قضايا كبرى وتهديدات مباشرة لحياتهم بما فيها قضايا فيها فساد بالمليارات أو فيها قضايا الدم والثارات ثم لايجدون ما يسد رمقهم.
قد يُقال إن بعض هؤلاء لا يستطيعون العودة إلى الداخل لأسباب أمنية أو إدارية، وهذا أمر يمكن تفهمه، لكن حتى في هذه الحالة، احتراماً للقرار السياسي والقرار الاداري الذي تحصلوا عليه بمسمى وظيفي أن يتقاضوا رواتبهم بالعملة الوطنية وبما يوازي رواتب من هم في نفس درجتهم الوظيفية داخل الوطن، لا أكثر.
أما من منظور القانون، فإن بقاءهم خارج الوطن بلا عمل فعلي يسقط حقهم في الراتب، حتى يعودوا ويمارسوا مهامهم ويداوموا كنظرائهم.
لكننا في هذه المرحلة نكتفي بالمطالبة بتوحيد العملة وإلغاء الامتيازات المبالغ فيها.
والكرة اليوم في ملعب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ولجنة الموارد وغيرها والأهم من ذلك مجلس القضاء، لاتخاذ قرارات جادة في وقف ازدواجية الصرف وضبط الانضباط الوظيفي كخطوة أولى نحو الإصلاح الاداري والوظيفي.
وهي خطوة هامة وليست رفاهية، بل ضرورة لوقف الهدر المالي وإعادة هيبة الوظيفة العامة.
نعم مجلس القضاء احد المتضررين فعلا والقضاء بحاجة لدعمنا جميعا كدعامة للإستقرار.
وعليه أن يتخذ قرار في حالة كهذه كونها فساد إداري يجب وقفه فورا قضائيا ،مادام لم يتم وقفه من الجهات المختصة .
وعلينا جميعا أن نشد من أزر القيادة والحكومة في الخطوات التي تقوم بها لأن المركب تشملنا أجمعين، إن غرقت غرقنا جميعاً، وإن نجت نجونا معها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news