الدعم السريع في الرمق الأخير

     
العين الثالثة             عدد المشاهدات : 280 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الدعم السريع في الرمق الأخير

ركابي حسن يعقوب

صحفي وكاتب سوداني

ما يقرب من 28 شهرا مرت على إطلاق مليشيا الدعم السريع الرصاصة الأولى بهدف الاستيلاء على مقاليد الحكم في السودان، على خلفية الخلاف بين قيادة الجيش والقوى السياسية المساندة له من جهة، وبين قيادة المليشيا وحليفها السياسي المعروف اختصارا وقتها بـ"قحت" حول ما أطلق عليه حينئذ الاتفاق الإطاري، في نسخته التي أعدتها المليشيا وجناحها السياسي "قحت"، وطالبت قيادة الجيش والقوى السياسية الأخرى بالتوقيع عليه دون إجراء تعديلات عليه كأمر حتمي ولازم، وأشارت بشكل صريح وواضح إلى أن البديل له هو الحرب.

وقد أتبعت مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي القول بالفعل، عندما رفضت قيادة الجيش والقوى المدنية المناوئة للمليشيا التوقيع على الاتفاق الإطاري، فنفذت وعيدها وتهديدها بالحرب فجر الخامس عشر من شهر أبريل/ نيسان 2023، حيث هاجمت المليشيا مقرات القيادة العامة للجيش مستهدفة بشكل أساسي مقر قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لاعتقاله أو قتله حسب ما صرح به في ذلك الوقت قائد مليشيا الدعم السريع حميدتي.

ولم يعد خافيا بعد دخول الحرب عامها الثالث في أبريل/ نيسان الماضي أنها كانت محاولة انقلابية من قبل مليشيا الدعم السريع للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ومن ثم تطبيق مشروع سياسي متعدد الأبعاد يتضمن مشاريع سياسية فرعية ترمي إلى تحقيق عدة أهداف أبرزها، إجراء تغيير ديمغرافي شامل في السودان، بإزاحة المكونات الإثنية التاريخية الأصيلة، وإحلال مكونات إثنية بديلة من خارج الحدود الجغرافية للسودان، هي في حقيقة الأمر امتداد للمكونات الإثنية الداخلية التي تشكل لحمة وقوام مليشيا الدعم السريع، ومن ثم إخضاع الدولة السودانية كلها لهيمنة وسيطرة هذه المكونات.

هدف آخر أكثر أهمية ويمثل مرتكزا أساسيا لمشروع مليشيا الدعم السريع لحكم السودان وهو هدف اقتصادي يتمثل في السيطرة على الموارد الطبيعية المعدنية والزراعية والحيوانية التي يزخر بها السودان، بالإضافة إلى المنفذ البحري المميز على البحر الأحمر الذي يمتد على حوالي 750 كيلو مترا في موقع إستراتيجي جيوسياسي شديد الأهمية إقليميا ودوليا.

حيث يشكل هذا الموقع أهمية خاصة في أجندة القوى الإقليمية الداعمة للمليشيا ولمشروعها السياسي، بما يمكن وصفه أنه أحد أهم أطماع هذه القوى في السودان.

وهدف ثالث ذو طبيعة مزدوجة، فهو هدف وفي نفس الوقت وسيلة توطد بها مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي أركان ودعائم مشروعها لحكم السودان، وهو السيطرة على طرق ومنافذ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتجارة البشر والتهريب بكافة أنواعه.

فهذه السيطرة تعتبر هدفا يمكنها من السيطرة على الحدود، ووسيلة في نفس الوقت لتمتين العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تمثل الهجرة غير الشرعية لها واحدة من أمهات قضايا أمنها القومي.

وتمتين علاقات التعاون في هذا المجال مع الاتحاد الأوروبي، يوفر شرعية للدولة الجديدة واعترافا بها، وبالتالي يمحو إلى حد كبير تلك المآخذ والآثار السالبة التي رانت على العلاقة بين الجانبين؛ بسبب الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في وقت سابق في دارفور قبل أكثر من عقدين من الزمان.

كانت هذه هي أهم معالم وأهداف وملامح مشروع دولة آل دقلو لحكم السودان، حيث رجحت أنها يمكن إقامتها عن طريق الحرب وقوة السلاح.

لكن، وكما تابع العالم كله، فقد فشلت مليشيا الدعم السريع في الوصول إلى الحكم عن طريق القوة العسكرية، حيث أعدت له العدة والعتاد اللازمين، وخططت لذلك بطريقة محكمة، لكن رغم ذلك كان الفشل هو الحصاد، والنتيجة التي أصبحت واقعا ملموسا لا يحتمل الإنكار.

فبعد أن كانت المليشيا تسيطر على العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وأجزاء واسعة من ولايات سنار والنيل الأبيض واقتربت من حدود ولاية القضارف بشرق السودان وتخوم ولايتي نهر النيل والشمالية بشمال السودان، تراجعت بفعل الحملات العسكرية المتتابعة التي شنها عليها الجيش السوداني والقوات المساندة له والمقاومة الشعبية، حيث استطاعت هذه القوات تحرير كل تلك المناطق المذكورة، واضطرت مليشيا الدعم السريع إلى الهروب إلى دارفور وغرب كردفان.

وفي خضم هذه الحملات التي يشنها الجيش فقدت المليشيا الكثير من قواتها وعتادها وتعرضت لهزائم كبيرة، وانكسرت قوتها الصلبة المتمثلة في القوة المحترفة والمدربة، ولجأت لتعويض هذا الفقد بالاستعانة بمقاتلين مرتزقة من عدد من الدول المجاورة وغير المجاورة، وكذلك لجأت المليشيا إلى التجنيد القسري للأطفال والشباب في وقت وجيز والدفع بهم إلى أتون المعارك.

ونتيجة لذلك ولأسباب أخرى تتعلق بخلافات حول المستحقات المالية، للجنود والضباط، وشح الموارد المالية للمليشيا، وغياب الرعاية الطبية والعلاجية للجرحى والمصابين والتمييز فيها بين المكونات المختلفة للمليشيا، والتعامل الفظ الذي تنتهجه المليشيا إزاء المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها، والحصار الذي تفرضه على الفاشر، وهجماتها المتكررة على مخيمات النازحين، وقصف الأحياء والقرى في شمال دارفور، ورفضها التعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية؛ لفتح مسارات لإيصال المساعدات والأغذية للمدنيين المحاصرين، تصاعدت أصوات السخط والاحتجاج من داخل هذه المكونات، وبالتالي أصبحت المليشيا عبئا ثقيلا ومصدرا للمعاناة لمواطني وأهالي دارفور.

وأمام هذا الواقع المأزوم، مضافا إليه التجهيزات الضخمة للجيش والقوات المساندة له لمعركة فك الحصار عن الفاشر، وتحرير بقية مدن دارفور والتي يعتبرها الجيش (أم المعارك)، وخاتمة حملاته العسكرية الناجحة ضد المليشيا، فقد جعل هذا الوضع مليشيا الدعم السريع على المحك، وأمام خيارات صعبة للغاية عليها الاختيار من بينها في نطاق زمني ضيق.

فإما أن تصمد وتخوض المعركة ببقايا قوات فارة من ميادين القتال وقابعة في آخر معاقلها، ومثخنة بالجراح والهزائم والخلافات وبمعنويات متدنية، في مواجهة قوات مجهزة بصورة احترافية، وأعدت للمعركة عدتها وعتادها بكافة التشكيلات العسكرية بما فيها الطيران، وبالتالي فالنتيجة الراجحة هي الخسارة والهزيمة، وهذا هو الخيار الأول، وهو خيار يتسم بالمغامرة غير المحسوبة، بل هو خيار انتحاري.

والخيار الثاني أمام مليشيا الدعم السريع، هو الاستسلام حفاظا على ما تبقى من قواتها وتفاديا لمصير قاتم محتوم، غير أن هذا الخيار يضع النهاية لها ويقضي على مستقبلها ويضعها تحت طائلة القانون الداخلي والدولي؛ بسبب جرائمها وانتهاكاتها طوال فترة الحرب.

والخيار الثالث ذو طبيعة سياسية، وهو خيار لا يقل صعوبة ومرارة عن سابقيه، رغم كونه يمثل مخرجا نظريا للمليشيا من مأزقها ووضعها المأزوم، إلا أنه في جوهره يلامس المستحيل، لكنه يظل نافذة الأمل الوحيدة، ونقطة الضوء الخافتة التي تُرى بالكاد في نهاية نفق أزمة المليشيا، وهو خيار عقد تحالف مع خصومها من القوى الدارفورية التي تناصبها العداء تاريخيا والتي تقاتل ضدها في صف الجيش.

وهو خيار تحفه عقبات كبيرة وكثيرة وشائكة، فالجرائم البشعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في حق هذه القوى وحواضنها المجتمعية والأهلية لا يمكن غفرانها وتناسيها بسهولة، ذلك أن القبول بمثل هذا الخيار من قبل هذه القوى يمثل خسارة كبيرة واستسلاما غير مبرر وهي في أوج قوتها، وعلى مقربة من تحقيق نصر كبير على خصم يعيش أضعف حالاته، وعلى مرمى حجر من هزيمة محققة.

غير أن هذا الخيار الأخير هو الآن في موضع بحث ونظر لدى جهات إقليمية ساندت مليشيا الدعم السريع، وأخرى دولية، لا تريد للجيش السوداني أن ينهي الحرب لصالحه بنصر مشهود وأداء احترافي كان محل ثناء الرئيس ترامب نفسه، فالقوى الإقليمية المساندة للمليشيا ترى في انتصار الجيش على هذا النحو هزيمة لها، ونهاية لأطماعها في السودان، وخروجها من المعادلة كلية.

ومن ناحية أخرى، فإن القوى الدولية وتحديدا القوى الغربية، ورغم أنها حليفة للقوى الإقليمية المنحازة للمليشيا ولديها مصالح مشتركة معها، إلا أنها تقع تحت وطأة ضغوط أخلاقية وإنسانية، وأيديولوجية والتزامات سياسية تتعلق بإستراتيجياتها ومصالحها المرتبطة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تجعلها غير راغبة في مسايرة حلفائها الإقليميين، والتوغل معهم داخل نفق الأزمة السودانية إلى ما لا نهاية.

أضف إلى ذلك أن السياسة الغربية تجاه المنطقة العربية ظلت وما تزال تقوم على دعم ومساندة وتمكين ما تعتبرهم أقليات مستضعفة داخل دول هذه المنطقة، وأنه من مسلمات هذه السياسة الغربية في حالة وجود نزاع داخلي في هذه الدول، مناصرة الطرف الذي يمثل بنظرها أقلية، ويأتي هذا تقوية لدعائم ما يعتبرونه حفظا لأمنهم القومي في إطاره الشامل.

وبالنظر إلى هذه الحقيقة المعلومة وإذا أنزلناها على الوضع في السودان بصورة عامة، ودارفور بصورة خاصة، نجد أنه من المرجح أن تميل القوى الغربية لترجيح كفة من تعتبرهم أقليات يتوجب عليها نصرتهم ومساندتهم.

وبناء على ما تقدم من حيثيات وفرضيات، مضافا إليها الفشل العسكري للمليشيا على الأرض وهزائمها المتكررة، والفشل السياسي للجناح السياسي لها المسمى حاليا تحالف "صمود"، وآخرها عجزها عن استقطاب الاعتراف والدعم الدولي والإقليمي لحكومتها الموازية التي أعلنت عنها مؤخرا، فإن مصير مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي سيكون إلى فناء وتلاشٍ في الأجل القريب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للعين الثالثة 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

وفاة الفنان الشعبي علي عنبه

قناة المهرية | 1084 قراءة 

عاجل : الإعلان عن وفاة الفنان علي عنبه

المشهد اليمني | 480 قراءة 

عدن…اشتباكات مسلحة بين ميليشيات المجلس الانتقالي في التواهي

موقع الجنوب اليمني | 480 قراءة 

ظهور خوف ورعب على وجه عبدالملك الحوثي في خطبته الأخيرة من القادم

نافذة اليمن | 443 قراءة 

"سنسحبكم في الشوارع".. اتهامات ونُذر تصعيد بين المقدشي وقبيلة آنس في ذمار

الموقع بوست | 385 قراءة 

وفاة الفنان الشعبي اليمني علي عنبة

يمن ديلي نيوز | 370 قراءة 

الكشف عن مكان و سبب وفاة الفنان الشعبي ”علي عنبه”

المشهد اليمني | 369 قراءة 

رحيل الفنان اليمني الشعبي علي عنبه في القاهرة إثر نوبة سكر

بيس هورايزونس | 344 قراءة 

البيضاء تكسر الصمت وتطالب الزبيدي بإعادتها إلى الجنوب رسميًا

نيوز لاين | 278 قراءة 

تصرف غير مألوف: لواء سعودي يستذكر حوثياً ويطلب له الرحمة

نيوز لاين | 266 قراءة