قصة صحفية | رضية شمسان.. يمنية تستعيد حقها في التعليم بعد نصف قرن من الانتظار

     
بران برس             عدد المشاهدات : 43 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
قصة صحفية | رضية شمسان.. يمنية تستعيد حقها في التعليم بعد نصف قرن من الانتظار

رضية شمسان - بران برس

أعد القصة لـ"برّان برس" - ماجد الطيار:

“كان التعليم حلمي من وأنا صغيرة... كنت أشوف إخوتي يروحوا المدرسة وأتمنى أروح معاهم، بس كانوا يقولوا لي: إيش بتسوي بالدراسة؟ أنتِ بنت، مكانك البيت والمزرعة”. بهذه العبارة البسيطة، المشبعة بالألم والمكبوتة لسنوات، تستعيد رضية شمسان طاهر (53 عامًا)، تفاصيل حرمانها من التعليم، حين طُوِيَ دفترها قبل أن يُفتح، لا لأي سبب سوى أنها وُلدت في بيئة ترى في الإناث مشروع زوجة أو عاملة مزرعة، لا أكثر. 

رضية، المنحدرة من مديرية المعافر– منطقة النشمة– محافظة تعز، عاشت طفولتها في قرية تحتكر المدرسة على الذكور فقط، بينما تُوجّه الفتيات نحو أدوات الزراعة والمطبخ. في ذلك الريف، كان التعليم للأنثى رفاهية لا تليق بها، وربما نوعاً من “الخروج عن العرف”، وبينما كان إخوتها الذكور يرتدون زي المدرسة، ويحملون حقائبهم كل صباح، كانت هي تُدفع نحو الزراعة والعمل المنزلي، بحجة أن هذا هو “مكانها الطبيعي”.

مرّت الطفولة، وجاء الزواج مبكرًا كما هو معتاد في مجتمعات الريف. أنجبت رضية 9 أبناء (6 أولاد و3 بنات)، حياة مليئة بالمسؤوليات المتراكمة، والأدوار التي فرضها الواقع. كان يمكن لقصة رضية أن تنتهي هنا؛ كأم، وزوجة، وربما جدّة في الخمسين من عمرها، تحكي قصصها لأحفادها دون أن يكون في سيرتها رحلة تعليم أو شهادة.

لكن الحياة، كما تقول رضية، كانت أقسى من هذا السيناريو “المألوف”. لم يتوقف الأمر عند الإنجاب وتربية الأبناء، أصيب زوجها لاحقًا بحالة نفسية، جعلته عاجزًا عن العمل أو العطاء، فحملت رضية عبء الحياة كاملًا على كتفيها. تقول لـ“بران برس”: “بعد ما تزوجت، وجدت صعوبة في دخول المدرسة؛ لأن أولادي كانوا لِسّه صغار، وكنت أعمل على الاهتمام بهم. أبوهم أُصيب بحالة نفسية، واضطررت لتحمّل المسؤولية الكاملة.”

لم تكن رضيّة، مجرد معيلة، بل أمًا عاملة، وممرضة نفسية لزوجها، وسيدة تُسَيّر بيتًا يضج بأطفال من أعمار مختلفة. لجأت إلى الخياطة والتفصيل كمصدر دخل وحيد، ففتحت مشغلًا صغيرًا داخل منزلها، تعمل فيه لساعات طويلة لتكسب ما يُمكّنها من إطعام أبنائها وتعليمهم.

رغم هذا العطاء، كان هناك عجز داخلي ينهشها بصمت.. شعور بالخذلان كلما طلب منها أحد أطفالها أن تساعده في واجباته المدرسية تقول: “أيام ما كانوا أولادي في المدرسة، كانوا يأتوا لعندي يقولوا: يا أمي، ذاكري لنا. كنت أزعل وأبكي، لأني ما أقدر أقرأ أو أكتب، وما أقدر أساعدهم في دروسهم.” ذاك الشعور بالعجز أمام دفتر طفل، كان أبلغ من ألف حرمان لكنه في الوقت ذاته، صار الشعلة التي أبقت حلمها مؤجلاً.

لأكثر من عقدين، انهمكت رضية في الخياطة والتفصيل. هذا المشروع الصغير ساعدها على إعالة أسرتها، وتأمين رسوم المدارس لأبنائها، ومستلزماتهم 6 أولاد و3 بنات كبروا معها، أكبرهم اليوم في الثلاثين، وأصغرهم في الرابعة عشرة.

لكن ما لم يكبر معها كان ذاك الحلم المعلق في رقبتها كأمنية قديمة، تنتظر فقط لحظة التحوّل إلى قرار. لم تمت الرغبة، بل بقيت حيّة في انتظار الوقت المناسب، حتى جاء ذلك اليوم الذي تجاوزت فيه الأربعين، ونظرت في المرآة، وقالت لنفسها: “لماذا لا أبدأ الآن؟” قررت أن تعيد تعريف نفسها، لا كأم أو خيّاطة فقط، بل كطالبة أيضًا.

الخطوة الأولى كانت بسيطة في ظاهرها، عميقة في مضمونها: الالتحاق بمركز لمحو الأمية.. في ذلك الفصل الصغير، كتبت أول كلمة في حياتها وكانت لحظة ولادة جديدة، تصفها رضية بانفعال طفلة: “كانوا أولادي يعلموني القراءة والكتابة وعندما بدأت أقرأ وأكتب أول الكلمات كنت أصرخ من الفرحة... امتلأ البيت بصوتي، وهم يفرحوا بي كأني طفلة صغيرة نطقت أول مرة.”

لم تكن تلك مجرد كلمات، بل كانت بوابة فتحت لها أفقًا جديدًا حصلت على شهادة تكريم، ومنحتها المؤسسة التعليمية التي طالما أقصتها منها، أول اعتراف رسمي بها كـ“متعلّمة”. 

هذا النجاح الرمزي شجّعها على المزيد التحقت بالمدرسة النظامية، رغم أنها كانت في الـ42 من عمرها. ولم يكن الطريق ممهّدًا، بل مليئًا بالشكوك والتوجسات “كنت أقول لنفسي: إذا دخلت المدرسة بهذا العمر، كيف بيكون شكلي وسط جيل صغير؟ كنت أستحي جدًا لكني أرغمت نفسي، وكتمت الخجل.”

ما كانت تخشاه رضية حدث بالفعل واجهت سخرية وتنمرًا من بعض الطلاب، بل ونظرات استغراب خفية من الكبار في المجتمع لكنها لم تسمح لذلك بأن يحبطها، تقول بثقة: “واجهت سخرية وتنمّر في بداية دخولي المدرسة، لكني تجاهلت كل شيء كان يقال لي إدارة المدرسة ساعدتني، عملت توعية للطلاب، والحمدلله، بدأوا يتقبلوني، وصرت وحدة منهم.”

لم يكن الاندماج في صفوف المدرسة التحدي الوحيد، فالعمر له ضريبته. تتحدث رضية بصراحة مؤلمة عن ضعف النظر، وصعوبة الحفظ، وتأثير ذلك على أدائها: “كنت أنسى المعلومات أثناء الامتحانات ومع ضعف نظري، ما كنت أقدر أشوف الصبورة بوضوح، خاصة أني كنت أجلس في آخر الفصل لأني كنت الكبيرة في السن.”

ورغم الدراسة، لم تتوقف عن العمل في الخياطة. يومها يبدأ صباحًا في المدرسة، ويُستكمل بعد الظهر بأربع ساعات عمل، ثم تحاول أن تجد وقتًا للمذاكرة، وأداء مهام البيت. لم تكن وحدها في هذه الرحلة؛ أبناؤها وقفوا بجانبها، يشرحون، ويساعدون، ويؤمنون بها “كنت أعود من المدرسة، أعمل في الخياطة لأربع ساعات، ثم أفرغ وقتي للمذاكرة والبيت.”

مع دخول المرحلة الثانوية، بدأت التحديات تتضاعف المواد العلمية صارت أكثر تعقيدًا، والمسؤوليات الحياتية أكثر ثقلاً، ثم جاءت الضربة المؤلمة اعتقال اثنين من أبنائها في منطقة البُقع، بتهم سياسية حتى اللحظة، لا يزالان رهن الاحتجاز.

مع ذلك، لم تنهزم اجتازت الثانوية العامة بمعدل 77%، رغم كل ما مرّت به، ورغم أنها كانت تتوقع معدلًا أعلى، كما تقول: "تحملت كل شيء، حتى وصلت إلى هذا النجاح المتواضع الذي حلمت به منذ كنت طفلة. توقعت معدلًا أعلى، وكنت مصدومة عندما أخبرني عبدالعزيز، ابني، بالنتيجة" رغم ذلك تصر على مواصلة الطريق وهدفها الآن دارسة الجامعة تخصص مساعد طبيب. 

اليوم، تُكرَّم رضية من قبل أبنائها، لا كمجرد أم، بل كمُلهمة ينشرون صورها، ويكتبون عنها، ويحتفلون بتخرجها أكثر مما احتفلوا بتخرجهم يرون فيها النموذج، ويُرددون قولها: “الطموح لا يتقاعد”.

وفي رسالتها الأخيرة، تتوجه رضية بنداء مباشر إلى كل أم وأب، إلى كل أسرة تُفرّق بين تعليم الولد والبنت: "لا تحرموا بناتكم من التعليم، لا تجعلوا العادات تسرق أحلامهن مهما كانت الظروف."

في بلدٍ تتقاذفه الأزمات والحروب، وتُحاصر فيه النساء بقيود المجتمع، تقفت رضية كواحدة من النساء القلائل اللاتي قلن لأنفسهن: “أنا أستطيع”.

رضية شمسان

قصص صحفية

تعز


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مصادر: اتجاه لإغلاق شامل لمحلات الصرافة في اليمن

الأمناء نت | 808 قراءة 

اقالة عدد من المستشارين بسبب بيان هائل سعيد الاخير

كريتر سكاي | 608 قراءة 

تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الاثنين بالعاصمة عدن

الأمناء نت | 591 قراءة 

عضو المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثي سلطان السامعي يشكر السعودية ويشيد بها من وسط صنعاء

الأمناء نت | 496 قراءة 

هجوم غير متوقع في عدن.. شاهد ما فعله جهاز مكافحة الإرهاب بـ30 شركة صرافة (صور)

جنوب العرب | 476 قراءة 

في استجابة لتعافي الريال اليمني.. مجموعة هائل سعيد  تطلق حملة تخفيضات غير مسبوقة على السلع الأساسية تصل إلى 40%

اليمن الاتحادي | 400 قراءة 

الريال اليمني ينتصر أخيرًا.. الخزائن تنتعش والمضاربون تحت المجهر الدولي

وطن نيوز | 396 قراءة 

عمار يكشف اللعبة الكبرى: واشنطن ولندن تخنقان الحوثي عبر بوابة البنك المركزي ومرحلة قادمة أشد

نافذة اليمن | 361 قراءة 

شركة وطنية تفاجئ الأسواق بأسعار دقيق مذهلة وتربك كبار التجار.. 50 كيلو بسعر زهيد

نافذة اليمن | 335 قراءة 

تطور جديد في سعر الصرف مساء الاثنين في عدن والمحافظات المحررة

صوت العاصمة | 280 قراءة