حملة حوثية ممنهجة تستهدف التربويين في إب وتعز: تصعيد قمعي يعكس ذعر الجماعة من الوعي المجتمعي
تشهد محافظتا إب وتعز، منذ أسابيع، موجة اعتقالات غير مسبوقة تنفذها ميليشيات الحوثي، استهدفت بشكل رئيسي التربويين والعاملين في قطاع التعليم، في سياق حملة قمعية موسعة تُعدّ الأوسع من نوعها خلال السنوات الأخيرة.
ففي محافظة إب، بدأت الجماعة حملة اختطافات شملت موظفين في القطاعين الحكومي والخاص، بينهم أطباء، أكاديميون، محامون، خطباء مساجد، طلاب، ووجهاء، إلا أن الاستهداف تركّز بوجه خاص على معلمي القرآن الكريم ومديري المدارس.
وترافقت هذه الحملة مع قرارات بإغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وفرض شعارات طائفية في المدارس، ضمن مسعى حوثي لتطويع التعليم وخطابه بما يتماشى مع الفكر الطائفي الذي تتبناه الجماعة.
أكثر من 100 مختطف خلال أشهر
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وثّقت الشبكة اليمنية للحقوق أكثر من 83 حالة اعتقال واختطاف في محافظة إب وحدها، بينها 9 حالات إخفاء قسري، إضافة إلى 342 حالة مداهمة لمنازل المواطنين، و18 واقعة نهب لممتلكات خاصة. وأشارت الشبكة إلى أن الجماعة استحدثت 12 سجناً سرياً في المحافظة، يُمارَس فيها التعذيب النفسي والجسدي بحق المعتقلين.
وفي محافظة تعز، وخصوصًا في مديريتي ماوية ودمنة خدير، رُصدت اعتقالات مماثلة طالت معلمين وأطباء وأئمة مساجد، فيما داهمت الميليشيا عدداً من المنازل والمساجد التي تحتضن حلقات تحفيظ القرآن.
الناشطة الحقوقية إشراق المقطري قالت عبر منصة "إكس" إن الميليشيا كثّفت مداهماتها في ماوية، واستهدفت شخصيات مجتمعية ووجاهات محلية دون أي تهم واضحة، مؤكدة أن المنطقة تشهد منذ سنوات حملة قمع ممنهجة، تضاعفت وتيرتها مؤخراً.
حالة قلق متصاعدة داخل الجماعة
تعكس هذه الحملة الشعور المتزايد بالقلق داخل الجماعة، في ظل تصاعد الرفض الشعبي، وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتراجع قدرة الحوثيين على احتواء الاحتقان المجتمعي، لا سيما في إب، التي تُعد واحدة من أكثر المحافظات مناهضة لسياسات الجماعة.
الناشط السياسي إبراهيم عسقين رأى أن استهداف التربويين يعكس إدراك الحوثيين أن هذه الشريحة تمثّل خط الدفاع الأول عن الوعي المجتمعي والتنوير، مشيراً إلى أن محافظة إب تُعد خزّاناً بشرياً في مواجهة الجماعة، وقد شهدت في مناسبات عديدة تمزيقاً علنياً لشعارات الحوثيين، كما حدث مؤخراً في تشييع الشهيد حمدي المكحل.
حملة ذات أبعاد طائفية ومناطقية
تُظهر طبيعة الحملة دوافع طائفية واضحة، إذ تعمل الميليشيا على فرض هوية مذهبية أحادية على المجتمع، ولا تتسامح مع وجود أي شخص لا ينخرط في مشروعها أو يلتزم بمناهجها الفكرية.
وفي هذا السياق، أكّد الصحفي سامي نعمان أن حملة الاعتقالات التي طالت التربويين في ماوية تُنفذ بدوافع طائفية عنصرية، مستهدفة كرامة اليمنيين وهويتهم دون مسوغ قانوني أو أمني. وقال إن "جميع المختطفين يعملون في مهن شريفة، ولم يُعرف عنهم أي نشاط سياسي"، محذراً من أن صمت المتعاونين المحليين مع الحوثيين يُعد تواطؤاً مباشراً.
فرض شعارات مذهبية في المدارس
في ظل هذه الأجواء القمعية، تسعى الميليشيا لفرض طابع مذهبي على التعليم، عبر إلزام المدارس بترديد "الصرخة الحوثية" بشكل يومي، وتوثيق ذلك عبر مقاطع فيديو تُرفع إلى الجهات الإشرافية، مرفقة بتقارير يومية.
كما تُجبر الميليشيا المدارس على تدريس "ملازم" مؤسس الجماعة حسين الحوثي ضمن المناهج التعليمية، مهددة بإجراءات عقابية صارمة ضد المعلمين والإدارات التي ترفض الامتثال لهذه التوجيهات. وقد أظهرت وثيقة صادرة عن مكتب التربية في تعز الخاضع للحوثيين، تعليمات واضحة بفرض هذه الشعارات، مع تحذير صريح للمدارس المتخلفة.
مشهد يفضح المشروع الحوثي
ما يحدث اليوم في إب وتعز يعكس الوجه الحقيقي لمشروع الحوثي، الذي لا يحتمل وجود عقل ناقد أو صوت مستقل. فالمعلمون الذين يُختطفون ويُعذَّبون اليوم لم يرتكبوا جرماً سوى أنهم رفضوا الخضوع لمشروع طائفي دخيل على الهوية اليمنية.
هذه الحملة لا يمكن فصلها عن النهج الحوثي القائم على تكميم الأفواه وإعادة صياغة المجتمع بالقوة، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل الحريات والتعليم والمجتمع المدني في اليمن، إذا ما استمر هذا المشروع دون ردع.
خاتمة
إن اختطاف التربويين وإغلاق مراكز التحفيظ وفرض شعارات مذهبية في المدارس، ليست مجرد انتهاكات فردية، بل جزء من مشروع قمعي يستهدف هوية اليمنيين ومستقبلهم.
وإذا كان المعلم اليوم بات يُعتقل لأنه يُعلّم القرآن أو يرفض ترديد شعار، فإن ذلك إنذار بالغ الخطورة، يوجب على كل القوى الوطنية والحقوقية توثيق هذه الجرائم والضغط من أجل محاسبة مرتكبيها، وحماية ما تبقى من النسيج المجتمعي والتعليمي في اليمن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news