القاهرة: تقرير – هبة التبعي:
في بلدٍ أنهكته الحرب وكمّمت فوهات البنادق أفواه وأقلام الصحفيين اليمنيين، وجد العشرات منهم في مصر الملاذ الآمن، والوجهة الأقرب والأكثر احتواءً، وتحوّلت العاصمة المصرية القاهرة من محطة عبور إلى حاضنة أولى للصحفيين اليمنيين.
وفق استبيان أعدته نقابة الصحفيين اليمنيين شارك فيه 213 صحفيًا فإن 20 في المائة من الصحفيين المنفيين خارج اليمن يقيمون في مصر، فيما تقول دراسة أخرى لأحد المراكز الإعلامية أن مصر هي الوجهة الأولى للصحفيين اليمنيين المهاجرين منذ 2014.
ووفق الدراسة فإن 32% من إجمالي الصحفيين خارج اليمن يقيمون في مصر، تليها السعودية بنسبة 28%، ثم تركيا بنسبة 10%.
يقول الصحفي “حمزة الجبيحي”: في 29 سبتمبر/أيول 2021 خرجت من صنعاء بعد الإفراج عني بعملية تبادل أسرى بين الحوثيين والحكومة الشرعية في تعز، بعد سنوات من بقائي في معتقلات ليس لها أية صلة بالإنسانية، وتفتقر لأدنى معايير حقوق الإنسان.
يتابع: “تم اعتقالي بسبب نشاطي الإعلامي والصحفي في المواقع الصحفية ووسائل التواصل، وتعرضت في السجن لأبشع أصناف التعذيب أبرزها اللكم والركل والتعليق والصعق الكهربائي والضرب بالكابلات والأسلاك الكهربائية.
ويردف: هذا التعذيب الجسدي فقط، بينما كان يتم تعذيبي نفسيا من خلال ايصال رسائل سلبية كاذبة عن الأهل والسب والشتم بالألفاظ البذيئة والخاصة والعنصرية والطائفية”.
لماذا اختيار مصر؟
يجيب الصحفي الجبيحي في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” عن سبب اختياره لمصر بالقول: “تكاد أن تكون مصر هي البلد الوحيد الذي فتح أبوابه لليمنيين عمومًا وللناشطين والنازحين والفارين من أوضاع الحرب، لكونها مركزًا لكثير من المنظمات الحقوقية وأرض خصبة لبعض الفعاليات ذات العلاقة بالنشاط الإعلامي والصحفي، علاوة على سهولة المعيشة نوعًا ما مقارنة بغيرها من البلدان، ثم وهو الأهم أن هذا البلد لا يشعرنا بالغربة مع إخواننا المصريين كونهم شعب متعايش وبسيط ومرحب للغير.
يواصل: “أنا كصحفي منفي اخترت مصر كمنفى اختياري كونها البلد الذي أشعر فيها وكأنني في بلدي وأيضًا نظرًا؛ لوجود الكثير من وسائل الإعلام التي من خلالها أستطيع ممارسة نشاطي الإعلامي وإيصال رسائلي للعالم”، يواصل الجبيحي”.
مقاومة صامتة
خلال الفترة من 2014 إلى 2024، تم توثيق 1784 انتهاكا ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، 1008 انتهاك من قبل الحوثيين والبقية موزعين على بقية الأطراف، استنادا على تقارير منظمة ” نساء صحفيات بلا قيود”.
بينما سجلت نقابة الصحفيين اليمنيين خلال عام 2024 وحده، 101 حالة انتهاك منها 27 اختطاف، و23 تهديد وتحريض، 19 محاكمة قضائية، 11 إعتداء ملموس على أشخاص أو ممتلكات، الحوثيون مسؤولون عن 45 حالة، أي 44,6% من هذه الانتهاكات.
ووفقا لمكتب مفوضية الأمم السامية لحقوق الإنسان ( OHCHR)، منذ بداية 2025 وثقوا 357 انتهاكا ضد الصحفيين، منها 184 اعتقالا، 28 قتلا، 45 اعتداء، 2 اختفاء قسري 1 اختطاف.
تروي أميرة رزاز، وهو اسم مستعار: مجرد ما تعمل في مهنة الصحافة والإعلام أو الكتابة أو في مجال حقوق الإنسان، تبدأ مليشيا الحوثي بمضايقتك حتى لو لم تكن تهاجمهم سياسيًا، لأنك بنظرهم خطرًا عليهم، فهؤلاء من ينقلون معاناة الناس وهم أيضًا حركة تنوير تبدد أفكارهم التي يحاولون غرسها بقول المواطنين، فلقد وصل بهم الحق لأن يختطفوا إبني ليضغطوا عليَّ نفسيًا”.
أميرة هي صحفية يمنية، كانت تقيم في صنعاء قبل انتقالها إلى مصر، تدير مكتباً إعلامياً، فقامت جماعة الحوثي بخطف ابنها الذي كان يعمل حينها بقناة الغد، وطلبوا منها تسليم المكتب مقابل فك سراح إبنها، ففعلت من أجله ذلك.
تسترسل أميرة:” بعد ثلاثة أشهر من الإغلاق أخبروني أن بإمكاني إعادة فتح المكتب في تعز، بدأت بمكتب جديد وشرعت في العمل فيه، ونقلت ابني الصحفي إلى تعز لمواصلة عمله الصحفي، لكن الحوثيين أدرجوه بالقائمة السوداء، هذا شكل لي رعبًا وضغطًا نفسًا، فنقلت ابني إلى دولة أوروبية بفيزا طالب، ولكنهم بدأوا بممارسة ضغط آخر وهم طلب مني بلغة الأمر والغطرسة أن أرسل ابني الآخر معهم للجبهة”.
اضطرت أميرة أن تغادر اليمن إلى مصر، للحفاظ على سلامتها وسلامة أولادها، تاركة خلفها عملها ووظيفتها ومكتبها، ولم تستطيع في مصر مواصلة عملها الصحفي، بسبب اختلاف القوانين وشحة الفرص في هذا المجال، كما تقول.
وفي هذا السياق، يعلق الجبيحي قائلا: “لم أجد فرصة عمل وانما استطعت متابعة نشاطي وإيصال رسالتي الإعلامية في مصر كونها من أعرق وأقدم وأفضل ميادين الاعلام في الوطن العربي، فقط موضوع تكاليف رسوم الاقامة لي وعائلتي، بالطبع هذه هي قوانين داخلية تخص الدولة المصرية وواجب علينا احترامها وتطبيقها، ولكن نحن كصحفيين نطالب حكومتنا الشرعية ببذل جهود مع المعنيين لمنحنا ميزة معينة توفر علينا هذا العبئ، أما غير ذلك فكل شيء يتم بيسر وسهولة”.
تحديات ما بعد اللجوء
يقول “إسلام الكلحي” صحفي مصري مهتم بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، إن الصحفيين اليمنيين في مصر شأنهم شأن جميع الصحفيين المهاجرين واللاجئين، يواجهون بالتأكيد تحديات مزدوجة؛ أولا بسبب طبيعة عملهم الصحفي، وثانيًا بسبب وضعهم كمهاجرين أو لاجئين، لافتاً إلى أن هؤلاء الصحفيين واجهوا انتهاكات عديدة وتضييقات أمنية في بلادهم دفعتهم للجوء إلى مصر.
ويضيف الكلحي لـ”يمن ديلي نيوز”: الانتهاكات التي تعرض لها هؤلاء الصحفيون في بلدانهم تؤثر بشدة على مساراتهم المهنية والنفسية بعد الهجرة أو اللجوء، مشيرًا إلى أن أبرز ما رصده هو استمرار الشعور بالخوف والقلق والتوتر الذي كان يلازمهم قبل الفرار من بلادهم والمجيء إلى مصر.
أيضًا، أشار الكلحي إلى العزلة المهنية وغياب الشبكات الداعمة، التي قال إنها تصعّب على الكثير من الصحفيين اليمنيين الاندماج في البيئة الإعلامية الجديدة، فضلا عن الأزمات المعيشية مثل غلاء الإيجارات وغياب مصادر دخل مستقرة إذ إن فرص العمل في المؤسسات الصحفية المصرية للصحفيين اليمنيين تكاد تكون منعدمة وكثير منهم يعتمدون على أموال يرسلها لهم الأهل.
وشدد الكلحي على أن الصحفيين اليمنيين في مصر بحاجة إلى دعم قانوني خاص، ومسارات آمنة لممارسة المهنة، بالإضافة إلى دعم نفسي ليتمكنوا من تجاوز ما مروا به من تجارب قاسية في بلدهم.
يقول الكلحي إنه لا يعمل في مؤسسة معنية بالدفاع عن الحريات الإعلامية أو تقدم دعما مباشراً للصحفيين اليمنيين، لكنه يحرص بشكل شخصي على متابعة أوضاع الصحفيين المهاجرين والنازحين، ويُخصص جزءًا من جهوده لتوجيه الصحفيين الذين يتواصلون معه نحو الجهات المناسبة التي تُوفر لهم الدعم القانوني اللازم، أو إلى المؤسسات التي تُنظم برامج تدريبية متخصصة في المهارات الصحفية، بما يُمكنهم من مواصلة العمل في بيئة جديدة غالبًا ما تكون معقدة ومليئة بالتحديات.
مرتبط
الوسوم
هجرة الصحفيين الى مصر
الصحفيين اليمنيين
تضييق الحريات
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news