في مشهد يعكس الانقسام العميق الذي يعيشه اليمن، تتباين حياة النساء على ضفتي النزاع بين مناطق سيطرة مليشيا الحوثي ومناطق الحكومة الشرعية. ففي حين تُمنح النساء فرصاً جديدة في سوق العمل ويتم تمكينهن عبر برامج دولية، تعيش أخريات في قرى وبلدات واقعة تحت سلطة الجماعة، خاضعات لقيود صارمة تطال حرياتهن الشخصية، وأبسط حقوقهن في الحركة والتواصل والمعرفة.
أحدث هذه القيود ظهرت في وثيقة صادرة عن مشايخ وقيادات حوثية في منطقة العسادي بمديرية وصاب (محافظة ذمار)، تكشف عن إجراءات غير مسبوقة شملت:
منع النساء والفتيات من امتلاك الهواتف الذكية، وفرض غرامة تصل إلى مليون ريال يمني (نحو 1900 دولار) على عائلاتهن أو من يبيع لهن الخدمة.
حظر الإنترنت في المنازل، ومصادرة معدات “واي فاي”، وتغريم أي أسرة تخرق هذا الحظر.
منع النساء من السفر دون “محرم”، مع فرض غرامات قاسية تصل إلى 900 دولار، ومصادرة الممتلكات، وطرد الأسر من المنطقة.
منع الأطفال من امتلاك الهواتف، وتغريم ذويهم بنحو 380 دولاراً في حال المخالفة.
حظر تشغيل الأغاني والموسيقى في المناسبات، بما فيها حفلات الزفاف، وفرض العقوبات على من يستخدم مكبرات الصوت.
الوثيقة أثارت غضباً واسعاً بين سكان المنطقة الذين قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنهم فُرض عليهم الالتزام بهذه الإجراءات دون أي مشاورة أو رأي، وهددوا بعقوبات تصل إلى الاعتقال والطرد في حال الاعتراض.
الناشطة وداد عبده وصفت في تصريح لـ”الشرق الأوسط” ما ورد في الوثيقة بأنه «أقرب إلى سجن جماعي للنساء»، معتبرة أن حظر الهاتف والتنقل يقطع عنهن فرص العلاج والتعليم والمعرفة، ويضعهن في عزلة قسرية شبيهة بعهود تاريخية مظلمة.
أما المواطن نبيل الوصابي، المقيم في مأرب، فاعتبر هذه السياسات مقدمة لتوسيع “منظومة السيطرة” على المجتمع، حيث تتحوّل الأعراف المفروضة إلى أدوات هيمنة وتبعية دائمة، وتُستخدم الغرامات كوسيلة للجباية.
على الجهة المقابلة: دعم وتمكين اقتصادي للنساء
وفي تناقض صارخ مع ما يحدث في ذمار، تعمل السلطات المحلية في مأرب ومحافظات أخرى خاضعة للحكومة الشرعية على تعزيز دور المرأة في الاقتصاد، بدعم من منظمات أممية.
ففي مأرب، نفّذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروعاً لتدريب عشرات النساء على تصنيع منتجات السمسم ذات القيمة المضافة، شمل استخراج الزيوت، وصناعة الصابون، والتغليف والتسويق. وقد نُظم بازار مجتمعي لعرض هذه المنتجات، وتوفير فرصة حقيقية للربح والدخول إلى السوق المحلية.
وفي لحج وحضرموت، تنفّذ مبادرة مشتركة بين البرنامج الأممي ومركز الملك سلمان للإغاثة مشروعاً خاصاً بـتمكين المرأة في قطاع الطاقة المتجددة، حيث تتلقى النساء تدريبات على إنتاج وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية، وإطلاق مشاريع صغيرة تدعم أسرهن، لا سيما في المجتمعات التي تقودها نساء.
المشاريع، بحسب القائمين عليها، لا تكتفي بالتدريب، بل تسعى إلى تحفيز وعي المجتمع بدور المرأة، وتحويل الدعم المؤسسي إلى نتائج مستدامة تعزز الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
مفترق طرق
يقف اليمن اليوم عند مفترق طرق فيما يخص وضع المرأة:
في الشمال، تحت سيطرة الحوثيين، تُفرض قيود تشبه الحبس المنزلي وتُستخدم النساء كأدوات للضبط الاجتماعي.
وفي الجنوب والمناطق المحررة، تُمنح النساء فرصاً جديدة للمشاركة والتأثير في عملية التعافي الاقتصادي.
وبين هذين النموذجين، تبقى المرأة اليمنية رهينة الواقع السياسي، لكن الفرق يكمن في من يمنحها المساحة للنهوض، ومن يكرّس عزلتها باسم الأعراف.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news