العرب وإيران: غياب المشروع وضرورات اليقظة

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 166 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
العرب وإيران: غياب المشروع وضرورات اليقظة

عزالدين سعيد الأصبحى:

أعلن ترامب انتهاء الحرب وحدد توقيت وقف إطلاق النار بدقة مذهلة. الرجل لا يكف عن مفاجآته، وها هو يغرد: «حفظ الله إيران وإسرائيل!». فنامت طهران على دعوات البيت الأبيض، وصمتت تل أبيب على صلوات المرشد!

ماذا جرى؟ بل ماذا يجري؟ لا محل للسؤال فى حروب تُصنَع فى استوديوهات تليفزيون الواقع، وتُنتَج كما لو أنها سلسلة من إنتاج «نتفليكس». نحن نعيش نزاعات تبدو أقرب لأعمال فانتازيا منها إلى حروب تُدار بغرف عمليات حقيقية.

حروب الجميع تقاسم فيها الهزيمة، فاتفقوا على إعلان نصر مشترك! ولكن الأهم فى كل هذا، أن الحرب الإسرائيلية–الإيرانية الأخيرة جاءت لتكشف مجددا عن حقائق راسخة، أبرزها غياب المشروع العربى، الذى ترك فراغا استراتيجيا تحاول مختلف القوى الإقليمية ملئه.

وهذا الغياب ليس تفصيلا بسيطا؛ فالعرب اليوم يشكّلون أكثر من 430 مليون نسمة، ويمتلكون طاقات بشرية واقتصادية هائلة، لكنهم لا يملكون مشروعا متكاملا يعزز وجود تحالف سياسى أو أمنى موحد، رغم أن الإنفاق العسكرى العربى يتجاوز 110 مليارات دولار سنويا. كل ذلك بلا مشروع جامع، بلا تكامل، وبلا رؤية استراتيجية مشتركة. وبينما العالم يتكتل سياسيا واقتصاديا، لا يزال العرب أسرى مبادرات فردية وردود فعل متقطعة. فى ظل هذا الواقع، تطرح أسئلة ملحة حول كيفية بناء علاقات متوازنة وقابلة للاستمرار مع القوى الإقليمية، وعلى رأسها إيران.

أما فيما يتعلق بإسرائيل، فقد بات أى نقاش حول جدوى العلاقة معها عقيما، فنحن أمام كيان محتل . خاصة فى ظل استمرار حكومة نيتانياهو اليمينية المتطرفة فى فرض رؤى دينية إقصائية، لا تتسامح حتى مع المختلف داخل ديانتها، فكيف بالمخالفين دينيا وعرقيا؟ وهنا تبرز المعضلة الأخلاقية والسياسية التى يجد الغرب نفسه فيها، نتيجة دعمه غير المشروط لإسرائيل، بوصفها الديمقراطية الوحيدة فى محيط عربى «غير ديمقراطي»، كما تقول السردية الغربية السائدة. هذه السردية غذّت خطابا استشراقيا يسوّق العربى ككائن عنيف، رافض للحداثة، بينما تقدَّم إسرائيل كدولة علمانية مسالمة.

لكن الواقع اليوم قلب هذه المعادلة: العربى الذى صُوِّر يوما كامتداد «لجماعة الأفغان العرب»، يظهر اليوم فى كثير من حالاته أكثر عقلانية واعتدالا من الحكومة الإسرائيلية الحالية، التى تبدو أشبه بجماعة لاهوتية متشددة تتبنى رؤى توراتية وتضم أكثر المتشددين عنفا فى التاريخ.

تطلق إسرائيل على عملياتها العسكرية أسماءً توراتية كـ«أسد الرب»، وتتلقى دعما أمريكيا ثابتا بقرابة أربعة مليارات دولار سنويا، وتعويضا مستمرا عن كل خسارة للمال والسلاح، فى حين خلفت حربها الأخيرة على غزة منذ أكتوبر 2023 أكثر من 55 ألف شهيد فلسطينى، بينهم 18 ألف طفل، ودمرت ما يزيد على 80% من البنية التحتية فى القطاع، بحسب تقارير أممية.

لقد أسقطت حكومة نيتانياهو، خلال السنوات الأخيرة، سبعة عقود من التجميل السياسى الذى حاول تسويق إسرائيل كدولة تحترم القيم الديمقراطية والتعدد. ما ظهر هو العكس تماما: عنصرية معلنة، كراهية للآخر، وتمسك بخرافات دينية ترفض المنطق والعقل. لكن صمود الشعب الفلسطينى، ورؤية الثورة الفلسطينية الإنسانية منذ البداية، عزز للقضية الفلسطينية بعدها الحقيقى كرمز للتحرر الإنسانى ورفض العنصرية والاستعمار.

أما فى الجهة الأخرى، فالعلاقة مع إيران تظل جوهر التحولات الإقليمية، إلا أنها علاقة مضطربة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.

إيران تبنّت مشروع تصدير الثورة، مقرونا بخطاب مذهبى وهيمنة إقليمية، ما عمّق من مشاعر الرفض لها سياسيا وشعبيا. وقدّرت تقارير مختلفة أن إيران تنفق سنويا ما بين 16 و20 مليار دولار على دعم أذرعها فى المنطقة، الممتدة فى لبنان، سوريا، العراق، واليمن. خذ مثلا التجربة اليمنية فى العقد الأخير، حيث روّجت ميليشيات الحوثى، المدعومة من طهران، لفكرة أن اليمنيين يعيشون صراعا مذهبيا متجذرا منذ «صفين». وتنشر خطابها القائم على نظرة مذهبية عنصرية معلنة. هذه السردية أسهمت فى خلق تشظٍ مجتمعى غير مسبوق، وعمّقت الشرخ الوطنى. وغذت نفورا مجتمعيا واسعا من إيران.

ما يحدث ليس خلافا سياسيا فحسب، بل انقسام جغرافى وثقافى خطير يتطلب جهدا استراتيجيا لاحتوائه. والحرب الإسرائيلية الأخيرة قد تكون «جرس إنذار» لطهران بأن العلاقة مع العرب لا تُبنى بالهيمنة، بل بالاحترام المتبادل. كما أن اللحظة مناسبة «لعودة الروح» ولـ«يقظة عربية» حقيقية، تعيد إحياء المشروع العربى كصمام أمان لاستقرار المنطقة، وكحائط صد أمام المشاريع الطائفية والعنصرية. المطلوب ليس تفكيك إيران كدولة، بل تفكيك خطابها التوسعى المتعصب.

وفى المقابل، المطلوب مشروع عربى جامع، يقوم على مبادئ المواطنة والدولة المدنية والتكامل الإقليمى، ويستعيد زمام المبادرة، ويوقف الفوضى الاستراتيجية التى جعلت منطقتنا ساحة مفتوحة للتجارب الدينية والسياسية. حتى لا نبقى جمهورا فى مباريات دموية، يُعلن فيها الطرفان فوزهما، بينما الخسارة الوحيدة هى من نصيب الجمهور .


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل:تعميم هام من جمعية الصرافين بشان بيع وشراء العملات بعدن الليلة

كريتر سكاي | 547 قراءة 

القائد عيدروس الزبيدي يرفع شعار النصر أو الشهادة.. ماذا قال لرئيس الأركان بن عزيز عن المعركة القادمة؟

صوت العاصمة | 436 قراءة 

هبوط ناري في سعر الصرف وخبير اقتصادي يرسم خارطة وصول السعودي إلى 400 ريال

نافذة اليمن | 411 قراءة 

كشف هوية الحارس الذي قضى حياته دفاعًا عن رئيسه "صالح" في صنعاء

نيوز لاين | 405 قراءة 

اللغز ينكشف: من يقف وراء اغتيال علي عبدالله صالح؟

المرصد برس | 393 قراءة 

عاجل:شركات الصرافة بعدن تتخذ قرار مفاجئ عقب التحسن الكبير في سعر الصرف

جهينة يمن | 385 قراءة 

ترنح متواصل للريال اليمني أمام العملات الأجنبية في تداولات هذا المساء

بيس هورايزونس | 320 قراءة 

تعميم جديد من البنك المركزي يحدد سعر الشراء والبيع العملات الأجنبية

العاصفة نيوز | 307 قراءة 

جمعية الصرافين تصدر تعميمًا بتحديد سقف بيع وشراء الريال السعودي بناءً على توجيهات البنك المركزي

عدن تايم | 294 قراءة 

تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الأربعاء بالعاصمة عدن

الأمناء نت | 288 قراءة