بلغة بسيطة سنتحدث هنا. ونتساءل بداية، من مِنّا في اليمن لا يسمع الأغاني بشكلٍ يومي؟ في البيت، في الشارع، في السيارة، في الباص، في العمل، في المقيل.. ليلًا أو نهارًا.
من مِنا لا يتذكّر أن “المسجّلة” كانت، بالنسبة لنا كيمنيين، من أساسيات البيت؟ إذ لا يخلو منزل من أشرطة فنانينا وأغانيهم الفياضة التي صقلت ثقافة المجتمع وشكلت كينونتنه الإنسانية.
الجميع هنا في الريف أو في المدينة، يسمع أغاني أو يرددها، حبًّا، شوقًا، حزنًا.. عتابًا.. إلخ.
بإرادته أو دونها. إن لم يكن يسمع الآن أغنيته المفضّلة، فحتمًا هو يسمع أخرى تصدح من الجوار، ويطرب بها.
قديمًا، كانت المرأة اليمنية، إن لم تغني، أو تسمع أغنية ما، “تُلالي” لتعبر عن فيض مشاعرها. وموروثنا الشعبي يزخر بملالاتها الجميلة.
في الحقل، كان اليمني “يتمهجل” بكلماتٍ بسيطة. حتى الأطفال كانت لهم أهازيجهم الغنائية الخاصة أثناء اللعب. أيضًا المكونات المجتمعية المختلفة سياسية أو حتى قبلية، قديمًا وحديثًا، أستخدمت الغناء والأهازيج أو (الزوامل)، لغة لمخاطبة الجماهير وتحشيدها عند الحاجة.
وهكذا.. تظل الأغاني خلفية دائمة لفرح اليمني، وحزنه، وكفاحه اليومي في مواجهة الواقع الذي يعيشه.
ومع انتشار الهواتف المحمولة، صار كل فرد يحمل ذاكرته الغنائية في جيبه، يتحكم بها بضغطة زر، في حِلّه وترحاله.
تختلف الذائقة من شخص لآخر تبعًا للتفاوت الثقافي، لكن، تجد الجميع طروبًا، ويغني.. رغم كل شيء. فالأغنية هي ثقافتنا، لغتنا التي لا تحتاج إلى مترجم، بل والوسيلة الأسهل لولوج وعي المجتمع وشد انتباهه.
اليوم، وبمناسبة “يوم الأغنية اليمنية”، لا يسعنا حقيقة، إلا أن نعود ونتساءل مجددًا، في ظل ما نشهده من واقعٍ عبثي يشوّه تفاصيل الحياة وقيمها الجميلة، ويطال مختلف الفنون:
هل يكفينا هذا اليوم، فقط، لنحتفي بالأغنية اليمنية، ثم نلوذ غدًا في مأتم نأيٍ طويل؟.
حسنًا، ماذا نريد من هذا الاحتفاء؟ وماذا يعني لنا التفاخر بتنوّع تراثنا الغنائي؟ هل نحن بحاجة إلى يومٍ نحتفي فيه بالأغنية اليمنية، أم أننا بحاجة ماسّة إلى أغنيةٍ يمنية نحتفي بها كل يوم؟.
ما الذي يمكننا فعله إذن؟
دعونا نتساءل ونجيب، هل نملك شجاعة تحويل “أغانينا” إلى مشروع وطني يحمي ويحمل هويتنا الثقافية؟.
بالتأكيد، نحن مدعوون اليوم إلى مأسسة هذه الرغبة، وامتشاق موروثنا الغنائي، والانطلاق به نحو آفاق جديدة، بكل مسؤولية ووعي يقظ.
باختصار، وبعيدًا عن المزايدات والشعارات الزائفة، دعونا نعمل سويًّا، وبروح مؤسسية واحدة، على جعل الأغنية اليمنية وسيلتنا لتشذيب وعي المجتمع، والحفاظ على قيمه الجمالية، كمرتكزات ثقافية لاستعادة أيامنا المهدرة
والحليم تكفيه أغنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news