الدين بين مطرقة الحوثيين وسندان الإخوان: كيف تحوّل الإيمان إلى سلاح قمع سياسي؟

     
العين الثالثة             عدد المشاهدات : 134 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الدين بين مطرقة الحوثيين وسندان الإخوان: كيف تحوّل الإيمان إلى سلاح قمع سياسي؟

في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب العربية لبناء دول مدنية عادلة، تُدار عبر القوانين وتُحكم بالمواطنة، تتوالى النكبات التي تُساق إليها باسم الدين، حيث لم يعد الإيمان مجرد علاقة روحية بين الإنسان وربه، بل أصبح في نظر بعض الجماعات وسيلة للتمكين والسيطرة وتكريس الهيمنة السياسية، كما هو الحال مع جماعتي الحوثيين والإخوان المسلمين، اللتين جعلتا من المقدّس وسيلة لفرض مشروع طائفي أو تنظيمي لا يعترف بالدولة ولا يقيم وزناً للفرد.

الحوثيون: ولاية مغلّفة بالقداسة.. والناس عبيد الفكرة

تتبنى جماعة الحوثي، التي نشأت من بقايا الفكر الزيدي المتشدد، نموذجًا خاصًا للحكم يقوم على عقيدة "الولاية"، وهي صيغة لا تتيح للمجتمع المشاركة في السلطة، بل تفرض عليه الطاعة المطلقة. فالحاكم، وفق منظور الجماعة، ليس مجرد قائد سياسي، بل امتداد لحق إلهي غير قابل للنقاش أو الاعتراض.

وتُظهر وثائق ودراسات أن هذه الجماعة عملت على عسكرة الدين وتحويله إلى منظومة ولاء، تبدأ من السيطرة على المساجد، ولا تنتهي عند فرض دورات عقائدية إجبارية في المدارس ومؤسسات الدولة، حيث يُعاد تشكيل وعي المواطنين بما يتماشى مع سردية "المسيرة القرآنية"، التي تختزل الحقيقة في شخص زعيم الجماعة، وتعتبر أي اعتراض نوعاً من النفاق أو الكفر الضمني.

ولم تكتفِ الجماعة ببسط سلطتها الأمنية والعسكرية، بل سعت إلى إعادة تشكيل الفضاء الديني والاجتماعي، حيث تُستخدم المنابر كأداة تعبئة وتحريض، ويتم تكفير الخصوم، ووصمهم بالخيانة والعمالة والعداء لأهل البيت، في تكرار لنهج النظام الإيراني، وإن بطبعة محلية.

الإخوان المسلمون: تمكين ناعم وشبكات تنظيميّة تحت عباءة الشرعية

على الضفة الأخرى، يسلك تنظيم الإخوان المسلمين – ممثلاً بحزب الإصلاح في اليمن – طريقاً مغايرًا في الشكل، لكنه لا يبتعد كثيرًا في الجوهر. فبينما ترفع الجماعة شعارات الدولة والحرية، فإن واقع الحال يشير إلى استخدام مكثف للدين كوسيلة لتحقيق الغلبة التنظيمية داخل مفاصل الدولة.

فبدلاً من بناء مؤسسات وطنية محايدة، عمل الحزب على زراعة خلاياه في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والتعليمية، ما أفضى إلى "تمكين ناعم" يُغلف بالصلاح الديني، ويُبرر بالشرعية، وقد تجلّى هذا التوظيف الخطير عندما أصبحت معارضة الإخوان تُصوّر في خطابهم وكأنها عداء للإسلام، وخصومهم السياسيون يُصنفون كخارجين على الدين.

تقوم هذه المنظومة على خلط منهجي بين المقدس والسياسي، بحيث تُستدعى الفتاوى لتبرير الخطاب، وتُسخّر المنابر لبث الانقسام، بينما يُمنح التنظيم قداسة لا تختلف كثيرًا عن قداسة الولاية الحوثية، وإن عبر قوالب ديمقراطية مزيّفة.

النتيجة واحدة: استعباد الفكر، وتحطيم الدولة

ما يجمع بين المشروعين الحوثي والإخواني هو استبدال فكرة الدولة بالمقدّس المؤدلج، حيث تصبح الطاعة للزعيم أو المرشد أو الولي الفقيه أعلى من الولاء للوطن. ومع هذا النمط من التديّن السياسي، لا مكان للحرية، ولا مجال للمواطنة، بل يُعاد تقسيم المجتمع وفق الولاءات، وتُصاغ القوانين بما يخدم الجماعة لا المجتمع.

لقد أنتج هذا النهج انهياراً كاملاً في مؤسسات الدولة، وخلق بيئة طاردة للكفاءات، ومواتاً للحوار، إذ أُلغيت الدولة لصالح التنظيم، وسُحقت القيم الأخلاقية لصالح التكتيك السياسي، وتحول الدين من قوة توجيه أخلاقية إلى أداة قمع فكري، يُبرر بها القتل، ويُستخدم فيها الترهيب، وتُحشد الجموع فيها لطاعة "الولي"، لا للمصلحة العامة.

نحو خطاب وطني ينقذ الدين من التسييس

إن التحدي الأخطر الذي تواجهه المجتمعات ليس الإلحاد أو التغريب كما تزعم تلك الجماعات، بل الاختطاف السياسي للدين، فالتديّن المصطنع الذي يُنتج خطاب كراهية، أو يُبرر الاستبداد، يُفقد الدين روحه، ويحوله من قوة للعدل إلى أداة لخلق الطغيان.

إن حماية الدين لا تتم بمحاربته، بل بتحريره من الجماعات التي تبتذله وتستخدمه كذريعة للبقاء في السلطة، وهو ما يتطلب بناء مشروع وطني جامع، قائم على الفصل الحقيقي بين الدين والسياسة، وعلى احترام القيم الإسلامية بوصفها أخلاقًا إنسانية، لا وسيلة للتمكين الحزبي أو الطائفي.

في اليمن، أماكن كثيرة من العالم العربي، لا يمكن فصل أزمة الدولة عن أزمة التديّن المسيس. فحين يصبح الدين مطية للطغيان، تتفكك المجتمعات، وتضيع الدول، ويُقتل الإنسان مرتين: مرة بالرصاص، وأخرى بالفكرة.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مصادر: محافظ حضرموت الجديد يوجه بإخراج القوات القادمة من خارج المحافظة واستعادة المواقع النفطية من قوات حلف القبائل

بران برس | 1239 قراءة 

طارق صالح يحدد موقفه من قوات عمرو بن حبريش

المشهد الدولي | 845 قراءة 

تقرير | مخاوف من تكرار سيناريوهات صنعاء وعدن.. ما تداعيات صمت الرئاسة اليمنية تجاه ما يجري في حضرموت؟

بران برس | 810 قراءة 

“العسكرية الثانية” تعلن حشد عدد من الألوية لاستعادة المواقع النفطية من قوات حلف قبائل حضرموت

بران برس | 768 قراءة 

عاجل:اشتباكات عنيفة الآن وسماع دوي انفجارات

كريتر سكاي | 756 قراءة 

رئيس مجلس النواب وعدد من القيادات السياسية يصلون المخا لإحياء ذكرى ثورة 2 ديسمبر

حشد نت | 754 قراءة 

بن سلمان يعلق على أحداث حضرموت

كريتر سكاي | 535 قراءة 

كشف اخر تطورات الأوضاع والاشتباكات بحضرموت

كريتر سكاي | 467 قراءة 

الخنبشي يخاطب الزبيدي والعليمي:

موقع الجنوب اليمني | 440 قراءة 

محافظ حضرموت يوجه بالهجوم على مواقع حماية الشركات النفطية وطرد قوات بن حبريش

بوابتي | 383 قراءة