تواجه الأزمة الإنسانية في اليمن تصعيداً خطيراً، مع تقليص الأمم المتحدة خططها الإغاثية وتراجع مساهمات المانحين الدوليين بشكل غير مسبوق خلال العامين الماضيين، ما يهدد حياة ملايين اليمنيين، خاصة من الفئات الأكثر ضعفاً.
ففي الوقت الذي يواصل فيه الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد الانحدار، انخفضت المخصصات المالية لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة من أكثر من 4 مليارات دولار في 2019 إلى 2.5 مليار دولار فقط في 2025، وسط فجوة تمويلية خانقة لم يتم تغطية سوى 10.7 ملايين دولار منها حتى منتصف العام.
وأكد مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن أن هذا الانخفاض الحاد في التمويل دفع المنظمة إلى وضع خطة طارئة معدلة تركز على الأولويات القصوى لإنقاذ الأرواح، مستهدفةً 8.8 ملايين شخص فقط، مقارنة بالخطة الأصلية التي كانت تهدف للوصول إلى 11.2 مليون.
وفي إحاطة أمام مجلس الأمن، حذرت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون حالياً من الجوع الحاد، وأن ما يقارب 6 ملايين منهم مهددون بالانزلاق إلى مراحل طارئة من انعدام الأمن الغذائي في حال استمرار هذا التراجع في الدعم الإنساني.
كما كشفت مسويا عن أرقام صادمة بشأن سوء التغذية، إذ يعاني منه نحو 1.3 مليون امرأة حامل ومرضع، بالإضافة إلى 2.3 مليون طفل دون الخامسة.
في المقابل، أعلنت 116 منظمة إنسانية -بينها وكالات تابعة للأمم المتحدة- أن عام 2025 قد يكون الأصعب على الإطلاق لليمنيين، في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي والانقسام النقدي، حيث فقد الريال اليمني في مناطق الحكومة أكثر من نصف قيمته خلال عامين ونصف، ما تسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 33%.
وحذرت الأمم المتحدة من تداعيات كارثية حال عدم تلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة، مشيرة إلى أن نحو 400 ألف مزارع معرضون لفقدان مصادر دخلهم وغذائهم، إضافة إلى خطر توقف 771 مرفقاً صحياً عن العمل، مما يترك قرابة 7 ملايين شخص من دون خدمات صحية أساسية.
وأظهرت البيانات أن أكثر من 88 ألف طفل يمني أدخلوا المستشفيات بين يناير وأبريل 2025 بسبب سوء التغذية الحاد، في دلالة واضحة على تفاقم الأزمة وبدء انعكاسها المباشر على الفئات الهشة.
وفي هذا السياق، يرى سليم خالد، مدير مركز “قرار” للدراسات الإنسانية، أن الأزمة الحالية لا تقتصر على التمويل فقط، بل تشمل أيضاً تحديات تشغيلية معقدة، أثرت بشكل واسع على أداء المنظمات الدولية والمحلية، حيث اضطرت العديد من الجمعيات اليمنية لإغلاق أبوابها نتيجة انقطاع التمويل، مما قلص قدرة الاستجابة الإنسانية في كثير من المناطق المتضررة.
وأضاف أن حتى المبادرات الإنسانية التي لا تخضع لإشراف أممي لم تكن بمنأى عن الأزمة، إذ شهدت أيضاً تراجعاً كبيراً نتيجة انخفاض الدعم من المغتربين والجهات الخيرية.
وكانت الخطط الإنسانية للأمم المتحدة تحظى بتمويل مرتفع خلال ذروة الصراع، حيث تم تمويل 87% من خطة عام 2019 البالغة 4.2 مليارات دولار.
غير أن هذا التوجه تغيّر جذرياً، خاصة بعد تعليق بعض الجهات المانحة الكبرى مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) دعمها لليمن، لأسباب مرتبطة بالتحولات السياسية والاقتصادية العالمية، إلى جانب اشتداد الأزمات في مناطق مثل أوكرانيا وجنوب السودان وغزة.
ويُذكر أن الولايات المتحدة كانت الممول الأكبر لخطة الاستجابة لعام 2024، قبل أن يوجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات الخارجية مطلع 2025، مما أدى إلى حرمان اليمن من مساهمات مالية كانت حاسمة.
وتكشف بيانات الأمم المتحدة أن ما يزيد عن نصف التمويل الإنساني في الأعوام الأخيرة خُصص لتأمين الغذاء، بينما تم توجيه 10% للتغذية و9% للقطاع الصحي، وتوزعت بقية المساعدات على التعليم والمأوى والمياه والصرف الصحي والنقد المباشر والمساعدات للنازحين والمهاجرين.
وضمن تداعيات التراجع الحاد في الدعم، أوقفت منظمة “يونيسف” مؤخراً مشروع التحويلات النقدية الطارئة الذي استمر منذ 2017، واستفادت منه أكثر من 1.4 مليون أسرة يمنية، مشيرة إلى أنها بصدد إطلاق مشروع جديد يستهدف 500 ألف أسرة فقيرة على مستوى البلاد.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، تبدو الأزمة الإنسانية في اليمن على مفترق طرق خطير، حيث تزداد الحاجة إلى تحرك دولي عاجل يعيد الاعتبار للعمل الإغاثي ويحول دون كارثة أوسع قد تطال ملايين الأرواح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news