الحوثيون بين خرافة الولاية واستغلال الدين لتكريس الحكم السلالي
في مشهد يتكرر كل عام، تستنفر ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران طاقاتها ومواردها للاحتفال بما تسميه "يوم الولاية" أو "عيد الغدير" في الثامن عشر من ذي الحجة، والذي تزعم فيه أن النبي محمد ﷺ أوصى بالإمام علي بن أبي طالب خليفة ووصياً بعده. ولكن ما يثير السخط الشعبي، ليس المناسبة بحد ذاتها، بل الطريقة التي تُستغل بها، وحجم التوظيف السياسي والديني الطائفي الذي تُمارسه الجماعة خدمة لمشروعها العنصري القائم على التمييز السلالي.
احتفالات فوق أنقاض الفقر
وسط الفقر المدقع والأزمات المتفاقمة التي تعصف بالمواطنين في مناطق سيطرتها، تنشغل جماعة الحوثي هذه الأيام بتحضير مهرجاناتها الطائفية، مكرّسة الملايين من الأموال المنهوبة من أقوات اليمنيين لنصب الشعارات واللافتات، وتزيين الشوارع والأزقة بالأعلام الخضراء وصور زعيم الجماعة، في مشهد يثير امتعاض العامة وسخريتهم. وتأتي هذه الفعاليات في وقت يعاني فيه اليمنيون من انقطاع المرتبات وغياب الخدمات الأساسية، في ظل تضييق أمني وفرض جبايات متصاعدة على السكان.
"حديث الولاية" والتوظيف السياسي
تستند الجماعة في إحياء المناسبة إلى رواية مذهبية تقول إن النبي ﷺ قال في خطبة غدير خم: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه"، في إشارة تزعم أنها نصّ على خلافة علي رضي الله عنه. ورغم كون هذه الرواية محل جدل وخلاف ديني وتاريخي عميق، إلا أن الحوثيين يتعاملون معها كقاعدة تأسيسية لمشروع حكم سلالي يمتد من الإمام علي إلى زعيمهم الحالي عبدالملك الحوثي، متجاهلين سياقها ومآلاتها التاريخية التي أفضت إلى انقسامات كبرى وفتن دامية بين المسلمين.
مشروع سلالي مغلف بالدين
يؤكد مراقبون أن جماعة الحوثي لا تُحيي هذه الذكرى حباً في الإمام علي ولا تذكيراً بفضائله، بل من أجل تسويق فكرة "الحق الإلهي" في الحكم، عبر ادعاء الانتساب إلى نسله واحتكار تمثيله. ويهدف هذا التوظيف إلى تبرير استيلائها على السلطة وفرض نموذج الحكم السلالي الذي يعيد إنتاج الإمامة البائدة، حيث تكون السلطة حكراً على "الهاشميين"، في تناقض صارخ مع روح الإسلام الذي جاء به النبي محمد ﷺ ليهدم العصبيات القبلية والعنصرية، ويؤسس لمجتمع قائم على المساواة والتقوى والعمل الصالح.
موقف رسمي واضح من الحكومة اليمنية
في سياق متصل، أصدرت وزارة الأوقاف والإرشاد في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تعميماً إلى خطباء المساجد والعلماء والدعاة، تحذر فيه من الترويج لما وصفته بـ"خرافة الولاية" والأفكار العنصرية السلالية. وأكدت الوزارة أن مثل هذه المزاعم لا علاقة لها بالإسلام، وتتناقض مع الدستور ومبادئ الثورة اليمنية، داعية إلى التصدي لها عبر المنابر والخطب التوعوية، والتأكيد على أن نظام الحكم في الإسلام قائم على الشورى واختيار الأمة، وليس على "الاصطفاء الإلهي" أو الوراثة العرقية.
كما شددت الوزارة على ضرورة تذكير اليمنيين بدورهم التاريخي في نشر الإسلام، والتحذير من مخاطر الفكر الطائفي السلالي الذي يعمّق الانقسامات ويعيد إنتاج الصراعات التي دفعت البلاد أثماناً باهظة بسببها.
الإسلام مشروع تحرير لا تمييز
خلافاً لما تروّج له الجماعة، فإن جوهر الإسلام المحمدي جاء لتحطيم أصنام العصبية والتمييز الطبقي. فقد أعلن النبي ﷺ في حجة الوداع المبدأ الخالد: "أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى". وهو ما يتناقض جوهرياً مع مشروع الحوثيين الذي يفرض التمييز بين الناس على أساس العِرق والنسب، ويكرس الهيمنة باسم "أهل البيت" على حساب مبادئ المواطنة المتساوية.
شعب يرفض خرافات الماضي
لا تزال الغالبية العظمى من اليمنيين، من مختلف الأطياف والمذاهب، ترفض هذه الطقوس التي تُفرض عليهم بالقوة، وترى فيها استدعاءً لصراعات تاريخية تجاوزها الزمن، وخرافات طائفية تُكرّس الانقسام. وفي ظل استمرار هذا النهج، يحذّر محللون من أن المضي في مشروع الحوثي السلالي سيبقي اليمن رهينة للفتنة، ويؤجل فرص السلام والاستقرار التي بات اليمنيون يتطلعون إليها بشدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news