تجارب الشعوب
كان لابد من قراءة متأنية للحظة اليمنية الراهنة، والاستعانة في ذلك بشهادتين يمنيتين: الأولى لنقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، والثانية لأمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل.
يقول عبدالباري طاهر في رده على أسئلة «القدس العربي»: «مستقبل الوحدة، بل الكيان اليمني، واليمن كوطن- أصبح مرتبطًا بوضع المنطقة كلها. فالمنطقة يجري استكمال تدميرها وعودة احتلال بعضها. ما يجري في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والسودان وليبيا والعراق- يَعمُّ الأمة العربية كلها، ويشمل حتى التي تعتقد أنَّ دفع الإتاوات والخُوَّة سوف يحميها، وهي واهمة في ذلك. فالمنطقة والأمة العربية كلها وثرواتها مستهدفة، والاستيلاء عليها ليسَ بِخافٍ».
وأضاف: «اليمن في وضعها الراهن صعب، وهو الآن موزع على أكثر من كيان، وتحت الفصل السابع، ويتعرض لعدوان صهيوني متواصل، وتحكمه مليشيات لا تؤمن بالكيان الوطني، وجُلُّهَا معادٍ للوحدة اليمنية، وبعضها الآخر لا يعترف باليمن ككيان حضاري وتاريخي ممتد عبر آلاف السنين، وجواره الخطر لا همَّ له غير التفكيك والتقسيم، واستمرار الحروب وخلق الفتن والاستيلاء. إنَّ ما يجري في اليمن ما هو إلا استمرار للتجزئة، وفرض للكيان الصهيوني وتسيده على المنطقة من الماء إلى الماء».
وأردف: «هذا هو الحال في المنظور المعاش، ولكن هذا ليس نهاية المطاف. فدائمًا في تاريخنا المعاصر، وفي تجارب الأمم والشعوب يكون الرد والتمرد على الاحتلال والاستبداد، وثورات الأمة العربية خير شاهد، والربيع العربي شاهد ليس بالبعيد. إرادة الشعب اليمني والأمة العربية لن تموت، والليل يعقبه النهار. وقد مرت اليمن والأمة العربية بنكبات منذ فجر التاريخ، وكانت القوى الاستعمارية تعتقد أنها قد ماتت، وفي لحظات من التاريخ تنهض الأمة وتنتفض الشعوب ضد هذه المحن، لترد على صُنَّاع الدمار والموت والاستعباد».
وتابع أن «التوحش الأمريكي، والبربرية الصهيونية، وخذلان الحكام الموالين والمتحالفين معها- مآله الخسران والبوار. فالحياة دومًا أقوى من الموت. ولكم نتمنى أن يَقرأَ الحكام العرب تململ الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الصانعة لإسرائيل والحامية لها من سلوك إسرائيل، وعلينا أن نتعلم من الإسرائيليين والشعوب الأوروبية الاحتجاجات والمظاهرات ضد ما يجري في غزة والضفة الغربية. إنَّ تعافي الأمة العربية والشعب اليمني معها ليس مستحيلاً، فما ينقصها سوى غياب الحامل الوطني، وضعف الإرادة، والخوف من حُكَّامِنا أكثر من الأعداء الاستعماريين والصهاينة».
مشروع تنموي
فيما يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل، في قراءته للحظة الراهنة في علاقتها بالوحدة اليمنية: «تهل علينا اليوم الذكرى الخامسة والثلاثين لقيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990 المجيد. وبهذه المناسبة نهني جماهير شعبنا اليمني في الداخل والخارج، ونتمنى أن تتوقف الحرب ويتفق اليمنيون على حل شامل على قاعدة مخرجات الحوار الوطني وما ستفضي إليه الحوارات في المستقبل».
وأضاف لـ«القدس العربي»: «حزب التجمع الوحدوي اليمني، نشأ في سياق نضال وطني لفترة طويلة قاده مؤسسوه الأوائل وعلى رأسهم المناضل الوطني عمر الجاوي. لقد كان الثاني والعشرين من مايو/ تموز يمثل انجازا تاريخيا عظيما في نهاية القرن العشرين. إذ تم إعادة توحيد اليمن ليبدأ مسيرة التنمية، ويؤسس لدولة قوية تجمعت مواردها المادية والبشرية، لتلحق بموكب التطور الحضاري العالمي وتستفيد من منجزات العلم والتكنولوجيا التي تطورت بشكل مذهل مع بداية القرن 21.
وأردف: «للأسف لم يكن طرفي الوحدة في مستوى هذا الحدث العظيم، ولم يكن هناك مشروع تنموي ينظم طاقات المجتمع ويوظفها لتطوره. انتكاس الوحدة بعد انتخابات 1993 كان بسبب خلل في تفكير قيادة الدولة اليمنية، فقد كانت فكرة الإقصاء حاضرة وفكرة الضم والإلحاق أيضا حاضرة. هكذا جاءت حرب 1994 الظالمة لتنسف كل آمال الناس في الشمال والجنوب بدولة قوية تحقق التنمية التي تضمن للمواطن العيش بكرامة وعزة في وطن 22 مايو. تم طرد شريك الوحدة من السلطة ومن البلاد وتسريح الجيش والموظفين مما خلق تعقيدات كبيرة مازالت تتطور إلى الاسوأ إلى اليوم «.
ويرى عوبل أن «الدولة لم تتخذ معالجات لكل ما جرى من تداعيات حرب 1994، واستمر النظام في إهمال دعوات الإصلاح واعادة المسرحين قسرًا إلى وظائفهم ووقف العبث بممتلكات الدولة من قبل المتنفذين، الأمر الذي فاقم المشكلة، وتطورت فكرة الحراك في 2007، وبدأت الاحتجاجات التي قوبلت بالعنف في معظم الأحيان. وفي 2014 تم الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني، ودخلت البلاد في حرب مستمرة منذ عشر سنوات دمرت الأخضر واليابس وأدخلت البلاد في مجاعات وانعدام الخدمات. لكن الأسوأ أن الحوثي دخل مناطق الجنوب في 2015 فاتحًا مما زاد من غضب الجنوبيين وخروجهم للمطالبة بالانفصال. وقد استغلت بعض القوى بعض الأخطاء من الشرعية، وشكلت المجلس الانتقالي بدعم كامل من دولة الامارات العربية المتحدة». وقال: «اليوم أصبح المجلس الانتقالي هو سلطة الأمر الواقع وأخذ نصف مناصب الشرعية، لكنه لم يحقق للمواطن الجنوبي لا خدمات ولا حياة كريمة، بل زاد من الأعباء على المواطنين من خلال الجبايات غير الشرعية والفساد ونهب الأراضي واحتكار الوظيفة الـعامة، فتحول الغضب الجماهيري الجنوبي ضد الشرعية والانتقالي. وخرجت النساء في عدن وأبين ولحج في ظاهرة تستعيد ماضي المرأة العدنية في العهد الاستعماري، حيث كانت تقاوم الاحتلال البريطاني وتساند المقاتلين في عمليات الكفاح المسلح».
ويعتقد عبدالله عوبل، أن «موضوع انفصال الجنوب يحتاج إلى إعادة قراءة خلافًا لما كان عليه الأمر في 2017 عند تأسيس المجلس الانتقالي. أصبح اهتمام الناس هو انهيار العملة وغلاء الاسعار وانعدام الخدمات، وخصوصا الماء والكهرباء. فمن سيقوم بإصلاح هذه المشكلات وإعادة الأمل للناس سيكون الناس معه. وهذا يطرح تحديًا أمام الشرعية إن كانت تريد دولة اتحادية، فعليها وقف الفساد والتوجه لحل المشكلات الخطيرة، التي سببت المجاعات والفقر وانعدام الخدمات في مناطق الشرعية».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news