كريتر.. المدينة التي تسكنك قبل أن تسكنها

     
أنباء عدن             عدد المشاهدات : 123 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
كريتر.. المدينة التي تسكنك قبل أن تسكنها

 

أ.د مهدي دبان 

 

كريتر... مدينة لا تشبه إلا نفسها، ليس لها مثيل، فريدة بتشكيلها، رائعة بخليطها المتجانس من ألوان زاهية وملامح مختلفة. ثقافات متعددة استوطنتها، تعايشت فيها، وتحولت بين أحيائها وحواريها إلى رواية ساحرة، لا يشعر بلذة العيش فيها إلا من سكنها وسكنته، من انصهر في نسيجها وأزقتها الضيقة، واختلط بروحها النابضة بالحياة.

 

كريتر... المدينة التي احتضنت المساجد والكنائس والمعابد، والجنسيات المختلفة، حتى باتت قلوب ساكنيها لا تقوى على مغادرتها. ولحسن حظي، أنني سكنتها صبياً صغيراً قادماً من الريف، أحمل في جوفي وعقلي أحلاماً كبيرة، ساقني القدر إلى هذه المدينة المغلقة جغرافياً كعلبة سردين، لكنها أوسع من الكون بآفاقها وعالمها ومعالمها وتاريخها.

 

تجول الفتى الريفي البسيط في أزقتها وشوارعها من الطويل إلى الزعفران إلى الملكة أروى، وعانق كل معالمها التاريخية كصيرة القلعة وصهاريج الطويلة. ذاب شوقاً في أسواقها كسوق الاتحاد، البز، الحدادين، والبهرة وغيرها . وقع في غرام شواطئها كحقات، وأبو وادي، حيث تتعانق الطبيعة والروح معا...

 

تعلمت في مدارسها الثرية بالعطاء كخالد هندي والبادري والمدراسي على أيدي معلمين إجلاء كخليل العيناعي، وحسن يوسف خان، منيرة مرتع، سعيد الرديني، سليمان باقعر ومحمود مدي  وغيرهم ممن تأثرنا بأخلاقهم قبل علمهم، وبعطائهم قبل دروسهم.

 

كريتر... مدينة حالمة حالفة بالجمال، حيثما تولي وجهك ترى التاريخ ناطقاً، حاضراً، حياً. 

مساجدها كأبان، والعسقلاني، والعيدروس، والشنقيطي، والشيخ عبدالله، تصدح بأصوات التوحيد والإيمان منذ قرون دون غلو أو تفريط، في توازن فريد يُشبه المدينة نفسها.

 

وفي قلبها اللحن الجميل والكلمة المؤثرة تنسج لتصير أغنية خالدة في رحاب معهد الفنون الجميلة، عبر عمالقة الفن الذين عاشوا بيننا حتى بعد رحيلهم: محمد سعد، أحمد قاسم، الزيدي، المرشدي، خليل محمد خليل، السكاريب، وشكيب جمن وغيرهم ...

 

وكانت السينمات المنتشرة بين أحيائها، من هريكن، وأروى، والأهلية، وبلقيس، تصنع وعينا وتفتح أبوابنا نحو العالم، تنير عقولنا وتنقلنا إلى آفاق بعيدة. وبعد انتهاء العرض، كنا نهرع إلى مطعم هاشم لنتذوق وجبة البيض والروتي والسلطة وشراب الكندا... يا إلهي! ما أجملها من لحظات، بسيطة وعميقة في آنٍ واحد.

 

أما ملعب "المجمع البلدي" (الحبيشي لاحقاً)، فكان أشبه بمسرح روماني قديم، يشهد المنافسات الحامية، وفنون كرة القدم الراقية، والنقاشات الساخنة التي لا تقل حرارة عن مدرجاته الإسمنتية في عز الصيف. كان ميداناً للأبطال، منارة لجيل ذهبي سُطر في صفحات التاريخ، جيل لا هدف له إلا إسعاد الناس، في مجتمع يقبل بالتنوع ويحتفي به.

 

أن ترمي بنفسك في أحضان سواحل صيرة وخليج "معجلين"، أن تشم هواء الجمال الرباني والنسيم الإلهي العليل، وتنظر إلى الأفق لترى أحلامك تتحقق على صفحة البحر، وترقب الصيادين يرمون شباكهم في بحر الخير والحب، ثم تعود لتتعشى على ألحان الصيادين العائدين إلى مرافئهم، مرددين: "على الله، هيا لي الله، على الله... باربان قود السفينة إلى بر الأمان... لا تبالي بارتفاع الموج والطوفان".

 

كريتر... ما أجملك، وما أجمل لياليك وأيامك في زمنٍ يبدو وكأنه حلم مر وانقضى.

باختصار: كريتر هي عدن.

 

.

//

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

أول ضربة جوية على مواقع الانتقالي بوادي حضرموت… الناطق العسكري يكشف التفاصيل

نيوز لاين | 1096 قراءة 

هجوم على قوات الانتقالي

كريتر سكاي | 821 قراءة 

قيادات حزب الإصلاح تستعد لمغادرة الحياة السياسية.. وإعلان رسمي يكشف ما يحدث خلف الكواليس

المشهد اليمني | 516 قراءة 

ناشط موالٍ للحوثيين يحذّر من انفجار مؤجّل

نافذة اليمن | 495 قراءة 

أنباء عن تعيين القائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية قائداً للفرقة الثانية بـ«درع الوطن» وبدء إعادة هيكلة القوات في صحراء العبر

يني يمن | 480 قراءة 

خيانات وزراء الدفاع: كيف مهد محمد ناصر أحمد ومحسن الداعري لدخول الميليشيات؟

إيجاز برس | 456 قراءة 

لحج قرارات لهاشم السيد بفصل جنود من أبناء المحافظة داخل ألوية الحماية الرئاسية واستبدالهم

موقع الجنوب اليمني | 433 قراءة 

بلا علم ولا صورة ولا دولة ..الزبيدي يترأس اجتماعاً رفيعاً لقيادة الانتقالي في قصر معاشيق

يني يمن | 310 قراءة 

حضرموت.. الانتقالي يبدأ تحركات للاستيلاء على منازل عسكريين ومدنيين

قناة المهرية | 295 قراءة 

باحث سعودي: المفاوضات تتسارع والانتقالي يقع في فخ حساباته

نيوز لاين | 286 قراءة