بين احتمالات الحرب وتسويات السياسة، تقف القوات الجنوبية اليوم على أعتاب محطة فارقة في مسار الصراع اليمني، حيث لم تعد مجرّد رقم عسكري في المعادلة، بل طرفًا سياسيًا وشعبيًا يملك مشروعًا وهوية وقضية عادلة، تستدعي التعامل معها بجدية ومسؤولية ضمن أي مخطط قادم لإعادة تشكيل الدولة اليمنية.
المحلل السياسي والكاتب الجنوبي خالد سلمان، تناول في تصريح خاص أبرز التحولات الجارية، مؤكدًا أن معركة اليمن القادمة لن تكون مجرّد حملة عسكرية ضد الحوثي، بل مشروع سياسي متكامل، تتوقف فعاليته على فهم شكل النظام البديل وضمان حقوق الأطراف الشريكة، لا على مبدأ الغلبة أو توزيع الغنائم.
معركة الحوثي.. ليست وحدها في الواجهة
قال سلمان: "في كل تغيير أو مشروع تغيير، يبرز سؤال الممنوعات: ماذا بعد الإطاحة؟ وماذا عن البديل؟"، وهو سؤال مفصلي يُحيل إلى أن القتال في حد ذاته ليس كافيًا، مالم تُسبق العمليات العسكرية بمصفوفة تفاهمات سياسية تضع تصورًا مشتركًا للدولة القادمة، وشكل الحكم، وضمانات الاستقرار، بما يُجنّب اليمن والجنوب والمنطقة ككل تكرار دوامة الفوضى والانهيار.
الانتقالي: من طرف عسكري إلى شريك في صناعة التغيير
أوضح سلمان أن قرارات القوى المحلية "منقوصة السيادة" بفعل تدخلات الخارج، إلا أن وصول القوات الجنوبية إلى مواقع متقدمة في مشهد القوة يُعد تطورًا نوعيًا، يُحيل إلى واقع جديد فرضته التضحيات، ويستدعي شراكة حقيقية قائمة على الحقوق لا المجاملة.
وأضاف أن المجلس الانتقالي لن يكون طرفًا في أي تسوية مستقبلية ما لم يتم تظهير وضمان حقوق الجنوب بشكل واضح ومُلزم، محذرًا من أن تجاهل هذه الحقيقة سيجعل مشاركة الجنوب في أي معركة سياسية أو عسكرية "محل شك، إن لم تكن استحالة".
خارطة تفاهمات جديدة تضغط على قوى الهيمنة
يرى الكاتب أن شوطًا كبيرًا قُطع بضغط خارجي لرأب الصدع السياسي، وتقريب وجهات النظر، وتكثير نقاط الالتقاء، مشيرًا إلى أن كثيرًا من القضايا الخلافية بين الأطراف اليمنية قد تم تجاوزها "بعيدًا عن الغلبة والقوة"، وتم إسقاط عقليات "الفيد وغنائم الحرب" التي طغت على ما قبل وما بعد انقلاب الحوثي.
قال سلمان إن المشهد القادم ليس مجرد إسقاط للحوثيين، بل بناء لخطاب سياسي جديد يقوم على الشراكة لا الإقصاء، وعلى الحوارات لا الإملاءات، وعلى التمثيل الحقيقي لا التعيينات الوظيفية.
دولة ما بعد الحرب: شراكة تعاقدية لا حكم استئثاري
أشار المحلل السياسي إلى أن مشروع الدولة القادمة يجب أن يضمن حقوق الشركاء في النصر، ويغلق أبواب الصراع، ويجفف منابع التصادم، مشددًا على ضرورة أن يكون هذا المشروع "تعدديًا، مدنيًا، لا مركزيًا"، قائمًا على الاعتراف بتنوع الواقع اليمني، وخصوصية الجنوب كقضية وهوية.
وأكد أن أي مشروع سياسي لا يضمن العدالة والحقوق سيُعيد إنتاج ذات أسباب الصراع، داعيًا إلى صياغة نموذج حوكمة يضمن توزيع السلطة والثروة بشكل عادل، ولا يكرّس الاستبداد والفساد باسم الوطنية.
الحسم العسكري مشروط بتفاهمات سياسية
ختم خالد سلمان حديثه بالقول إن الحرب البرية القادمة "ستكون مسبوقة بتفاهمات سياسية حول ملء الفراغ"، مؤكدًا أن وحدة القرار العسكري، وجبهات موحدة الأداء، وبندقية واحدة، لن تكون ممكنة إلا إذا ضُمنت الحقوق، واتسقت الرؤى، وتجاوزت القوى اليمنية عقلية الماضي.
وأضاف أن المجلس الانتقالي بات اليوم شريكًا رئيسيًا لا يمكن تجاوزه، وأن أي مقاربة تجاهله أو التقليل من قضيته سيكون خطأً سياسيًا واستراتيجيًا فادحًا، يُعيد اليمن إلى مربع النزاع والصراع المفتوح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news