في غضون أقل من ثلاثة أسابيع، تجاوزت التكلفة الإجمالية للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الأمريكي ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن ما يقارب المليار دولار، إلا أن التقارير تشير إلى أن الضربات الجوية حتى الآن لم تحقق سوى تأثير محدود في إضعاف القدرات العسكرية للمليشيات الحوثية.
وأكد تقرير نشرته شبكة “سي ان ان” انه على الرغم من استمرار الضربات الجوية الأمريكية المكثفة ضد مواقع مليشيا الحوثي الإرهابية، والتي استهدفت مصافي النفط والمطارات ومنصات إطلاق الصواريخ على مدى أسابيع، فإن التقييمات تشير إلى أن هذه العمليات لم تنجح بشكل كامل في شل البنية التحتية الصاروخية للميليشيات أو التأثير جوهريًا على قيادتها.
ووفقا للتقرير بينما أعلنت الولايات المتحدة عن نجاح الحملة، مشيرة إلى مقتل عدد من قادة الحوثيين حسب تصريح مستشار الأمن القومي مايك والتز، يرى محللون أن الخسائر اقتصرت بشكل أساسي على ما يصل إلى 80 ضابطًا عسكريًا، في حين يبدو أن القيادات العليا للمليشيات ومواقع إطلاق الصواريخ الرئيسية بقيت بمنأى عن الاستهداف.
وقال التقرير أنه في ظل تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام “القوة الساحقة” لتحقيق هدف منع الحوثيين من استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر، يتصاعد الحديث عن الخيار العسكري البري والذي ظل مؤجلًا لسنوات.
وأضاف التقرير أن هذا الخيار، الذي ينطوي على تحديات ومخاطر كبيرة، قد يمثل في نظر البعض السبيل الوحيد لفرض معادلة ردع فعالة من خلال استعادة السيطرة على الأرض بدلًا من مجرد استهدافها جوًا.
ومنذ منتصف مارس/آذار، كثف الحوثيون من هجماتهم بإطلاق عشرات الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل، بالإضافة إلى موجات من الطائرات المسيرة والصواريخ التي استهدفت سفن البحرية الأمريكية، ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن أضرار جسيمة، إلا أن التهديد الذي تمثله لا يزال قائمًا ومستمرًا.
وقد أعرب أحد المسؤولين الأمريكيين عن قلقه بشأن استنزاف الاستعدادات العسكرية من ذخائر ووقود نتيجة لهذه العمليات المكثفة.
وفي تقييم لفاعلية الحملة الأمريكية، نقلت شبكة السي ان ان في تقريرها عن مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن، قوله أن قدرات الحوثيين قد تضررت إلى حد ما، مشيرًا إلى خسارة الميليشيات “الكثير من قدرات تصنيع الطائرات المسيرة” وإلى وجود “قيود أكثر فاعلية على شحنات الإمداد القادمة عبر المنافذ البحرية وعبر الأراضي العُمانية”، مما أدى إلى شعور الحوثيين ب”عدم الارتياح”.
ويضيف “انه ومع ذلك، يشير التاريخ إلى قدرة الحوثيين على تحمل الضغوط لفترات طويلة، وهو ما قد يستدعي، لتحقيق هدف إدارة ترامب بالقضاء على التهديد الذي يشكلونه، النظر في خيار الهجوم البري في نهاية المطاف.
ويؤكد نايتس أن “الحوثيين معتادون على القتال ضد جيوش حديثة التجهيز وأنهم يتمتعون بإيديولوجية قوية”.
وأشار التقرير إلى أن ما يعزز من صمود الحوثيين هو وجود شبكة تهريب معقدة تعمل على إدخال مكونات الصواريخ والمعدات العسكرية الأخرى حيث كشف تحقيق أجرته منظمة أبحاث التسلح في النزاعات (CAR) عن ضبط هياكل وأجزاء صواريخ ومدفعية، ومحركات نفاثة صغيرة، وخلايا وقود هيدروجينية، مخبأة ضمن شحنات سفينة تم اعتراضها في العام الماضي.
هذه المعدات يمكن أن تساهم في زيادة قدرة طائرات الحوثيين المسيرة على حمل أوزان أكبر والوصول إلى مدى أبعد، مما قد “يزيد بشكل ملحوظ من التهديد المحتمل الذي يشكله الحوثيون”، حسب تقرير صادر عن مركز أبحاث الصراعات.
وترى مصادر دبلوماسية إقليمية ومحللون لشبكة سي ان ان أن الهجوم البري قد يكون الخيار الوحيد القادر في نهاية المطاف على إخراج الحوثيين من المناطق التي يسيطرون عليها، بما في ذلك العاصمة اليمنية صنعاء ومينائها الحيوي الحديدة ومعظم المناطق الشمالية في اليمن.
وفي هذا السياق يؤكد أحمد ناجي، كبير المحللين في شؤون اليمن بمجموعة الأزمات الدولية،في حديثه لشبكة السي ان ان أن الولايات المتحدة تتبنى مقاربة خاطئة بالاعتقاد أن الغارات الجوية وحدها قادرة على إجبار الحوثيين على التراجع، مشيرًا إلى فشل هذا النهج في عهد الإدارة السابقة وعدم توقع نجاحه في ظل الإدارة الحالية، حيث أن منطق الحوثيين يتشكل من خلال سنوات الصراع وهم يعتبرون المرونة شكلًا من أشكال القوة ويسعون لإثبات صعوبة إخضاعهم.
ويضيف نايتس أن “المرات الوحيدة التي شهدت فيها توجه الحوثيين إلى طاولة المفاوضات أو تقديم تنازلات كانت عندما واجهوا تهديدًا حقيقيًا بالهزيمة على الأرض، بما في ذلك خسارة مناطق نفوذهم، وفقدان السيطرة على السكان، وتعطيل وصولهم إلى ساحل البحر الأحمر”، وهو ما حدث لفترة وجيزة في عام 2017 عندما هدد الجيش اليمني خطوط إمداد الحوثيين إلى البحر الأحمر، الذي يمثل أهمية بالغة لإيراداتهم وإمداداتهم العسكرية.
وفيما يتعلق بالتحركات المستقبلية، لا يتوقع المحللون قيام الولايات المتحدة بنشر قوات برية كبيرة، باستثناء عدد محدود من القوات الخاصة للمساعدة في توجيه الضربات الجوية.
ومع ذلك، يشير نايتس إلى إمكانية تقديم الولايات المتحدة “بعض الدعم اللوجستي وبعض الذخائر الأساسية” للجيش اليمني.
وقد أفادت مصادر دبلوماسية وإقليمية ل “سي إن إن” بوجود استعدادات لشن عملية برية من الجنوب والشرق وعلى طول الساحل، وقد يشمل الهجوم المنسق دعمًا بحريًا أمريكيًا بهدف استعادة السيطرة على ميناء الحديدة.
لكن أحمد ناجي يرى أنه “لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه العملية قابلة للتنفيذ، نظرًا للنتائج المتباينة التي شهدها العقد الماضي، حيث تحققت نجاحات في بعض الجوانب وإخفاقات في جوانب أخرى”.
ومنذ بداية الحملة، ربط الرئيس ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون تحركاتهم ضد الحوثيين بإيران بشكل مباشر، حيث صرح ترامب بتحميل إيران مسؤولية “كل طلقة” يطلقها الحوثيون، متوعدًا بعواقب “وخيمة” على أي هجمات تنفذها المليشيات.
ويواصل ترامب تحذير إيران من مواجهة حملة قصف مكثفة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من برامجها النووية والصاروخية الباليستية.
ويبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لتوسيع نطاق عملياتها، حيث وصلت قاذفات بي-2 وطائرات تزويد بالوقود من طراز كيه سي-135 إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهو ما قد يشير إلى استعداد لشن ضربات على أهداف محصنة في اليمن، ولكنه قد يمثل أيضًا رسالة تحذيرية لإيران، وفقًا لشبكة “سي إن إن”، التي ترى أن الأسابيع القليلة المقبلة قد تكون بمثابة اختبار حاسم لقدرة الحوثيين على الصمود في وجه هذه الضغوط المتزايدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news