سياحة في طرق الذاكرة (5)

الصيرات، وادي حمنه، حيد الرِكَابْ، مشرفه، أصابح والخليج

المنطلق

الشباب أغلقوا تلفوناتهم، طريقان أمامنا هذا الصباح السياحي الرمضاني، أجلنا خضبان الصريمي ليوم قادم، انطلقت بنا الطريق صوب الخليج عبر الصَيْرَاتْ أصابح..

وادي حمنه

دلفنا الوادي القريب منها، حدق فينا الوادي ونحن ناخذ صورا له، هل سبق لكما أن مررتما في طريقي، ربما ذات ليل مضى كدت اقول له، في طريق العودة من زيارات ما.

كان عليكما  أن تستعينا بصديق ما، لسبر اغواري صعودًا للذرى وتوغلًا في الأعماق.

أسرار الأسئلة

كانت أسرار هذا الوادي، تصب على مسامعنا زخات من الأسئلة: ماذا تعملان؟

أحدنا طبيب والآخر أستاذ جامعي

ما الذي تبحثان عنه؟

نستكشف أغوار الخفاء وأبعاد الصورة قي الذكرى والذاكرة.

وكيف تستكشفان ما آلت إليه ذكرياتي؟

كما نستعيد وديان طفولتنا، تكونين انت حاضرة الرائي الذي هو (نحن) وشاهدة المرآة.

لماذا لا تنامان؟

لنوقظ الاشجار من غفوة الجدب والخصوبة من منام السكون.

قبل أن ينفذ صبر إجابتنا، قالت لنا بأن هذا  الوادي  يسمي وادي حمنه.

صعدنا بذات الإتجاه، إلى وادِِ آخر بذات الإمتداد.

وادي الركاب وحِيْدْ الركاب

في هذا الوادي أستوقفتنا أسرار أخرى، وحكايا من التهاب الجفاف، والأسى الشاحب في نظرات الأغصان، وفجأة قالت لنا هذه الأغصان، حدقًا هناك في الجانب الأيسر، ستريان حيدًا تاريخيًا، نقشت على سقفه حروفًا من لغة قديمة. إذهبا إليه، فربما تجدان من يدلكما على مفاتيح تلك الحروف..

ههممت بالقول سمعت بهكذا حيد، إنما لا أتذكر من اسمائه، اسمًا.

أقتربنا منه، أخذنا صورًا من أسرار حروفه، وآهات من ذكريات من مروا وقوفًا به أو مقيلًا في جوفه.

قلت ماتزال الاسماء تشكل لنا عائقًا وجوديًا لهذا الوادي،  بأسراره المغرقة بأسئلتها. والحيد المنطوي بأسرار حروفه، فجأة لمحنا اشارة من الأسرار قائلة لنا، يبدو الأسماء مشرفة على الظهور

الأسماء والأستاذ خليل

مررنا أمام منزله، لم نلحظه، ولكنه ما أن لمحنا، حتى دعانا بالقابنا، تحررنا جزئيًا من هيمنة الأسرار، لتاتينا الأسماء واحدة بعد أخرى، من الأستاذ خليل ساردًا، هذه قرية (مشرفه اصابح)، وهذا الوادي الذي أسفلها وادي (الركاب) وذاك الحَيْدْ (حيد الركاب) وذلك الوادي الذي صعدتما منه (وادي حمنه)، وهذي التي امامنا الكُهِيْفْ.

مزار المقري الذي كان

بانضمام الأستاذ خليل صالح الاصبحي، إلينا، تذكرت عبارة طوفوا بأهل مكة، وها نحن نسير مع أشعة الشمس ادغال هذه السياحة في الذاكرة والذكرى، سألناه أين طريق الخليج؟ في الطرف المقابل هناك، وقبل أن نواصل سيرنا قال لنا، هذي (الكهيف)، كانت هنا في هذه المنطقة قبة لقبر المقري وسرد لنا روائح شتى من مزارات المعتقدات التي كانت تحيط بهذه القبة وبصاحبها التي كانت تأتيه من هذه روائح السمن والنذور من شرجب وذبحان والمناطق المجاورة، وطرائق هذا المعتقد من (كرامات القبر) لعلاج بعض الأمراض التي كانت سائدة، احدى طرق هذا العلاج إبتلاع حفنة من التراب المتكدس داخل الفتحة التي توجد وسط القبةْ.

أخذنا صورة للمسجد الذي أقيم أمام الضريح والقُبَة على بعد أمتار، وماتزال بعضًا من معالم القبر شاهدة الذكرى التي يحاول أن يتفلت من ذاكرتها اليوم.

الخليج

صعودًا عبر أراض صخرية كان حادي سياحة يومنا يمضي بنا، وكانت الهياج المطلة على الوادي …، تترى أمامنا (هيجه تبدي وهيجه تغدي وهيجة تصلي على النبي الفَردِ كما يقال).. حتي وصلنا إلى وادي الخليج.

فضلت الإبتعاد عن المكان الذي يشرف على الوادي، كانت الصورة الطبيعية للوادي تأخذنا إلى أعماق جذور الاشجار التي تحجب الرؤية لخصوبة الوادي سبرنا ادغال هذه الأعماق بعد وداعنا للأستاذ خليل.

بوصولنا لهذا العمق بدت لنا شيخوخة هذه الأشجار باسقة الفضاء، وهنا كنا وجها لوجه مع هذه الشيخوخة بعمرها الذي يفوق مئات السنين، وبأعمارنا كأحفاد بشهبون الاقزام أمام نظراتها.

قرية الحفر ..

عبر قرية الحفر بعثنا وردة من هذه الذكرى والذاكرة على روح عبدالجبار الهندي.