المستشرقون واليمن.. الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات (الحلقة الأولى)

أعد الحلقة لـ”واي دي” محمد العياشي:

في سلسلتنا الجديدة لشهر رمضان 1446 “المستشرقون واليمن” يستعرض “واي دي” يوميًا حلقة جديدة تتناول انطباعات المستشرقين الذين زاروا اليمن وأسهموا في توثيق تاريخها وثقافتها.

اليوم نسلط الضوء على المستشرق الألماني “كارستن نيبور” الذي يُعتبر أحد أبرز المستكشفين الذين زاروا اليمن في القرن الثامن عشر، وترك وراءه إرثًا غنيًا من الملاحظات الإيجابية عن هذه الأرض العريقة.

كارستن نيبور (1733–1815) كان مستشرقًا ومستكشفًا دنماركيًا، اشتهر برحلته الاستكشافية إلى الجزيرة العربية واليمن بين عامي 1761 و1767.

كانت رحلته جزءًا من بعثة علمية دنماركية تهدف إلى دراسة الجغرافيا والثقافة والتاريخ في المنطقة.

نيبور كان الوحيد من فريق البعثة الذي عاد حيًا، وقد ترك وراءه سجلات مفصلة عن رحلته، بما في ذلك انطباعاته الإيجابية عن اليمن.

في عام 1763، زار نيبور اليمن وقضى عدة أشهر في دراسة جغرافيتها وتاريخها وثقافتها.

زار مدنًا مثل صنعاء وعدن وتعز، ولاحظ العديد من الجوانب الإيجابية في المجتمع اليمني والحضارة اليمنية. كانت رحلته مليئة بالاكتشافات التي سجلها بدقة في مذكراته.

أعجب نيبور بالثراء الثقافي لليمن، حيث لاحظ أن اليمنيين يحافظون على تقاليدهم ولغتهم وهويتهم بشكل قوي.

ووصف اليمن بأنها أرض ذات تاريخ عريق وحضارة مزدهرة. كما أشاد بالتنوع الجغرافي لليمن، حيث لاحظ أن البلاد تضم سهولًا خصبة وجبالًا شاهقة وصحاري واسعة. ووصف مناظرها الطبيعية بأنها خلابة ومتنوعة.

وصف نيبور اليمن بأنها من أغنى مناطق الجزيرة العربية، بسبب وفرة الأراضي الزراعية الخصبة والمناخ المناسب للزراعة، وخصوصًا زراعة البن، الذي كان اليمن أحد أكبر مصدريه عالميًا آنذاك.

وأشار إلى أن اليمن كان مركزًا تجاريًا مهمًا في المنطقة، خاصة ميناء عدن الذي كان يُعتبر بوابة تجارية بين الشرق والغرب.

وقال إن اليمن كانت تحتل مكانة استراتيجية في التجارة بين الهند والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ما جعلها منطقة تجارية مهمة، خصوصًا عبر ميناء المخا، الذي كان مركزًا عالميًا لتصدير البن اليمني.

نظام الحكم

عندما زار المستشرق الألماني “كارستن نيبور” اليمن كانت اليمن تحت حكم الدولة القاسمية في عهد الإمام المهدي عباس بن المنصور الحسين الذي حكم من 1748 إلى 1775.

ومع أن المصادر التاريخية تتحدث عن أن حكم الدولة القاسمية كان حينها يمتد إلى حضرموت وعدن، إلا أن الخارطة التي رسمها المستشرق الألماني لليمن تظهر أن لاوجود للإمامة في البيضاء ومأرب والجوف وشبوة وأبين والضالع ولحج.

وطبقا للخارطة فإن أقصى حدود لليمن (الدولة القاسمية) حينها كان في نهم من الجهة الشمالية الشرقية والمخا جنوب غرب، واللحية شمال غرب والحجرية في تعز جنوب شرق اليمن.

خارطة اليمن التي رسمها المستشرق الألماني نيبور

في حديثه عن نظام الحكم يقول “نيبور” إنه كان تحت حكم الأئمة الزيديين، وكانوا يجمعون بين السلطة الدينية والسياسية.

وأضاف: كان نظام الحكم الزيدي يعتمد بشكل كبير على نفوذ العلماء ورجال الدين، حيث كان الامام يُعتبر زعيماً دينياً وسياسياً في آن واحد.

وكانت شرعية الحكم تعتمد على الانتماء إلى سلالة (آل البيت)، بالإضافة إلى القدرة على إدارة الشؤون الدينية والسياسية.

ولفت النظام القبلي في اليمن انتباه “نيبور” حيث لاحظ قوة القبائل ونفوذها، وطبيعة الحكم المحلي الذي يعتمد على زعماء القبائل بجانب الحكام الرسميين، مشيرا إلى التوازنات التي كانت تحكم البلاد حينها بين الامام والقبائل.

يقول “نيبور” إن القبائل كانت القوة العسكرية، وكانت تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على سلطة الأئمة، وكانت العلاقات بين الائمة والقبائل تعتمد على التحالفات والتفاوض، مما جعل النظام السياسي في اليمن يعتمد على التوازنات الدقيقة بين السلطة الدينية والعسكرية.

أعجب “نيبور” بالعمارة اليمنية، خاصة في مدن مثل صنعاء وتعز، ووصف المباني اليمنية بأنها فريدة من نوعها، مع استخدام الحجر والطين في البناء بشكل يتناسب مع المناخ المحلي.

وقال إن صنعاء مدينة جميلة ذات هندسة معمارية متميزة، وذكر أن الأسواق فيها تعج بالحركة والتجارة.

تحدث عن اللباس التقليدي لليمنيين، وذكر أن اليمنيين كانوا يتميزون بحفاظهم على عاداتهم وتقاليدهم، حيث لاحظ أن الرجال يرتدون الجنابي (الخناجر اليمنية) كرمز للشرف والمكانة الاجتماعية.

أشاد “نيبور” بكرم اليمنيين وضيافتهم، حيث لاحظ أن السكان كانوا ودودين ومستعدين لمساعدة الغرباء.

ووصف المجتمع اليمني بأنه مجتمع متماسك ومتعاون. كما أعجب بتاريخ اليمن العريق، حيث أشار إلى أن اليمن كانت موطنًا لممالك قوية مثل سبأ وحمير. ووصف سد مأرب بأنه إنجاز هندسي عظيم يعكس مهارة اليمنيين القدماء.

من أبرز أقواله عن اليمن: 

– “اليمن أرض تحتفظ بتراثها العريق وتاريخها المجيد، حيث يعيش شعبها بتقاليد أصيلة تعكس عمق حضارتها.”

– “من السهول الخصبة إلى الجبال الشاهقة، اليمن هي لوحة طبيعية خلابة تتنوع فيها المناظر بشكل مدهش.”

– “اليمن بلد زراعي غني، حيث تُزرع فيه محاصيل ثمينة مثل البن، الذي يُعتبر من أفضل أنواع البن في العالم.”

– “المباني اليمنية فريدة من نوعها، حيث تُبنى من الحجر والطين بطريقة تتكيف مع المناخ وتُظهر براعة هندسية فائقة.”

– “الشعب اليمني شعب كريم ومضياف، حيث يُرحب بالغرباء بكل ترحاب ويعاملهم كأصدقاء.”

– “اليمن هي موطن ممالك عظيمة مثل سبأ وحمير، التي تركت إرثًا حضاريًا لا يزال يُلهم العالم.”

الطريق التي اتبعها المستشرق الألماني “نيبور”

سجل نيبور ملاحظات مفصلة عن تاريخ اليمن وجغرافيتها، مما ساعد في زيادة المعرفة الأوروبية عن هذه المنطقة. كما قام برسم خرائط دقيقة لليمن، مما ساعد في فهم جغرافية البلاد بشكل أفضل.

وصف الطبيعة الجغرافية لليمن بأنها شديدة الوعورة، ما يجعل التنقل والسفر بين المدن أمرًا صعبًا، لكنه أشار إلى أن اليمنيين تكيفوا مع هذه التضاريس عبر بناء الطرق الجبلية والمسارات الوعرة.

بعد عودته إلى أوروبا، نشر نيبور كتابًا بعنوان “وصف الجزيرة العربية”، الذي أصبح مرجعًا مهمًا لفهم تاريخ وثقافة اليمن.

كارستن نيبور يُعتبر أحد أهم المستشرقين الذين زاروا اليمن وتركوا انطباعات إيجابية عنها.

أشاد بثقافتها وتاريخها وطبيعتها، وسجل ملاحظات قيمة ساعدت في فهم هذه المنطقة بشكل أفضل.

تُعد أعماله مرجعًا مهمًا لفهم اليمن في القرن الثامن عشر، وتُظهر الجوانب الإيجابية التي لاحظها في حضارتها ومجتمعها.

تابعونا غدًا في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن” نستعرض فيها انطباعات مستشرق آخر عن هذه الأرض العريقة.

مرتبط

الوسوم

القبيلة اليمنية

المستشرق الألماني كارتسين نيبور

المستشرقون واليمن

الدولة القاسمية

الزيدية

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط