بعد مرور أسبوع على إسقاط نظام بشار الأسد على يد الفصائل السورية، بدا واضحاً أن هذا التغيير ستكون له تداعيات كبيرة لجهة علاقات سورية المستقبلية الخارجية، خصوصاً بعدما جلبت الحرب السورية التي استمرت منذ عام 2011 تدخلاً من أطراف خارجية مختلفة، لا سيما إيران وروسيا، اللتين عملتا على إبقاء النظام ومنع سقوطه حتى 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وعملتا على تعزيز نفوذهما ومصالحهما في البلاد، لتبدوا الخاسرَين الكبيرين من سقوط النظام. في المقابل، تبدو تركيا أبرز الرابحين من سقوط الأسد بعد مسارعتها إلى إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، أول من أمس السبت.
ومن المتوقع أن يكون لأنقرة تأثير مباشر في سورية، كنتيجة لدعمها للمعارضة السورية منذ انطلاق الثورة ربيع عام 2011. ويسمح التغيير الذي حدث في سورية لأنقرة بحل واحدٍ من الملفات الثقيلة وهو ملف ملايين اللاجئين السوريين في أراضيها، إذ بدأت عودة الآلاف منهم إلى بلادهم فور سقوط الأسد في 8 ديسمبر الحالي.
تأثير سقوط الأسد
ستكون سورية سوقاً مفتوحاً أمام رجال الأعمال والشركات التركية، فمن المتوقع أن تشارك بقوة في إعادة الإعمار، والتي تحتاج إلى نحو 300 مليار دولار، وفق أرقام تقديرية. كما أن سقوط الأسد يتيح منع قيام إقليم كردي في شمال شرقي سورية، الذي كان من أكبر الهواجس الأمنية لأنقرة، التي ستسعى إلى تحييد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عن المشهد السوري.
في السياق، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تركيا "حققت مكاسب كبيرة على الصعيدين الإقليمي والاستراتيجي"، مضيفاً: "الحكومة في سورية ستكون على وفاق وتوافق مع أنقرة، وهناك مكاسب اقتصادية وتمدد استراتيجي ونفوذ سياسي ومكاسب تجارية، إذ بات الطريق وصولاً إلى اليمن مفتوحاً أمام الأتراك، وهذا مهم جداً. عندما تكون هناك حكومة في دمشق صديقة لأنقرة يحقق ذلك مصالح الأتراك في شرقي المتوسط".
في المقابل، شكّل سقوط الأسد ضربة موجعة لإيران التي ضخّت المليارات طيلة 13 عاماً من أجل بقائه وفرض نفوذها العسكري والثقافي والأمني على سورية، في إطار مشروعها للهيمنة على جانب كبير في المشرق العربي بدءاً من العراق مروراً بسورية وانتهاء بلبنان. وخسرت طهران نفوذها في سورية، مع خروج مليشياتها من البلاد بعد سنوات وبدأت مليشيا الحوثي الموالية لإيران في اليمن تراجع حساباتها وتحاول أن تلمع صورتها بعدد من الإجراءات الاحترازية والتهديد والافراج عن عدد من معتقلي الرأي.
إلى جانب إيران، تبدو روسيا من الخاسرين أيضاً من سقوط الأسد الذي دعمته عسكرياً بدءاً من عام 2015 وأنقذته من السقوط، وحمته في المحافل الدولية، وعززت من خلاله نفوذها العسكري في شرق المتوسط، حيث أنشأت قواعد في عموم سورية تحاول اليوم التفاوض مع السلطة الجديدة للإبقاء على بعضها، خصوصاً القاعدة الرئيسية في حميميم في غربي البلاد، والميناء البحري في طرطوس. وكان الأسد قد وقّع مع موسكو الكثير من الاتفاقيات التي مكّنته من التصرف بحرية في سورية، وأعطاها جل ثروة البلاد من الفوسفات.
على الصعيد السياسي، تبدو موسكو خاسرة، كونه لم يعد بإمكانها فرض رؤيتها للحل السياسي الدائم، بعد أن ظلت لسنوات تعرقل مساعي الأمم المتحدة لتطبيق القرار الدولي 2254 وتدفع باتجاه تأهيل نظام بشار الأسد. وقتلت روسيا خلال سنوات آلاف السوريين في سياق حملات قصف جوي لمساعدة النظام، ودمرت مرافق حيوية كثيرة، خصوصاً في الشمال السوري، لذا من المتوقع ألا يكون لها دور فعال ومؤثر في المستقبل السوري. من جهتها، استغلت إسرائيل عدم اليقين بعد سقوط الأسد وحالة عدم تمكن السلطة الجديدة من تثبيت نفوذها بشكل كامل على البلاد، لتعمل على تدمير مقدرات سورية العسكرية والتوغل في الأراضي السورية.
لكن المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن موسكو "لم تخسر بسقوط نظام بشار الأسد، بل ربما خرجت رابحة". وتابع: "موسكو تخلصت من جرح متعفن يؤرق سياستها الخارجية، فالأسد رفض الحل السياسي الذي كانت تريده موسكو وتمسّك بالحل العسكري ولم يستفد من التطبيع العربي معه والذي حدث بدفع من الروس، بل إنه رفض التطبيع مع الجانب التركي والذي كان أيضاً بدفع منهم". وأشار إلى أن الأسد "عطّل جميع المساعي الروسية لاستعادة استقرار سورية والذي يلبي المصالح الروسية، ومن ثم بقاء الأسد بات يتعارض مع سياسة ومصالح روسيا، فتم التخلص منه بهذه الطريقة".
ورأى عبد الواحد أن حرص موسكو على نقل الأسد إلى الأراضي الروسية ومنحه لجوءاً "ربما لخشية الروس من اندلاع صراع طائفي في سورية إذا ما قُتل الأسد على يد الفصائل التي سيطرت على دمشق"، مضيفاً: "تعتقد موسكو أن ترك الأسد لينتهي كما انتهى معمر القذافي (في ليبيا) ستكون له تداعيات خطيرة على سورية. في السياسة لا يوجد صديق ولا عدو دائم، لذا من الممكن أن تعمل السلطة الجديدة على تطبيع العلاقات مع روسيا".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news