شهد مركز الملك فهد الثقافي بالعاصمة السعودية الرياض، مساء الأحد الماضي، حفل الأوركسترا اليمنية، ضمن سلسلة فعاليات السيمفونيات التراثية اليمنية، التي بدأت في العام 2019 من ماليزيا، ولن تنتهي في الرياض.
الحفل الذي أقامته وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية، بالتعاون مع وزارة الاعلام والثقافة والسياحة اليمنية، للفرقة التي يقودها المايسترو محمد القحوم، شهد حضوراً كبيراً من الجانبين اليمني والسعودي، كما شهد حضوراً مكثفاً للوحدة الوطنية التي جسدتها اللوحات السيمفونية المتنوعة التي أمتزج فيها التراث والفن اليمني، راسماً صورة لليمن الكبير من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه.
ويتضح جلياً الجهود المبذولة من الجهات التي نظمت هذا الحفل ليبدو بالصورة الرائعة التي عكست الصورة الثقافية والتراثية والفنية في اليمن، كما إن لمؤسسة حضرموت للثقافة، كان لها دوراً رائداً في هذا الجانب، وهي التي رعت العديد من الاحتفالات لتقديم الأوركسترا اليمنية للعالم، بصورة جديدة، يمتزج فيها التراث مع التحديث.
وفي مركز الملك فهد للثقافة، قدم الفنان اليمني الشاب، القادم من قلب حضرموت الفن والتراث، وصلات فنية متنوعة، تمازحت وكأنها ريشة رسام، تبدت فيها اليمن بتنوعها التراثي والفني المتكامل.
صورة مكتملة
وتلاقت في الحفل ايقاعات الفن اليمني، وموسيقاه المتجذرة من عصور غابرة، وتنوعاته الزاخرة، ورواد الفن اليمني وعمالقته من صناعة الكلمة إلى اللحن والطرب، فكان أبرز الحضور حسين أبو بكر المحضار، ومطهر الارياني، والقمندان، وأبو بكر سالم بلفقيه، والحارثي والآنسي، وكرامة مرسال، والعديد من عمالقة الفن اليمني، كما حضر الفنانون الشباب ليجسدوا الوحدة الوطنية فناً، من على خشبة مسرح مركز الملك فهد.
وكما حضر الفن اليمن بمآثره الزاخرة وتراثه العريق، فقد حضرت على الشاشة الكبيرة، اليمن بمدينها ومعالمها السياحية والحضارية، وتراثه الحضاري وخطوط المسند، والأزياء التي تعكس جماليات لا حدود لها، والرقصات الشعبية المرافقة، والتي تفاعل معها الجمهور سواء داخل المركز، أو خلف الشاشات، كروح وطنية تنبض بالوحدة الوطنية التي رسمها فنانو اليمن.
إن أبرز مظاهر حفل الأوركسترا اليمنية، هو أن ذلك التراث الثقافي اللامادي الإنساني المتمثل في الأغنية اليمنية، ورقي كلماتها وجودة ألحانها وأصوات عمالقتها، جاءت من مكتبة واحدة، هي مكتبة التراث اليمني العريقة، لاسيما وأن عمالقة اليمن قد عبروا عنها كلمة ولحناً تناول مواضيع عدة، وكانت الأغنية الوطنية هي الحاضر الأبرز لهذا التراث الإنساني في كل بيت يمني، من مغناة أبو بكر سالم بلفقيه (أمي اليمن) إلى أيوب طارش عبسي وهو يلهب حماس اليمنيين ويصوغ نشيدهم الوطني، مروراً بالآنسي وهو يهتف (لبيك يا يمن الحضارة والصمود) وكل رواد الفن الذين كانت اليمن عنواناً بارزاً لهم.
وحين اكتملت اللوحة التراثية والفنية اليمنية، بالألحان الحضرمية، والصنعاني (الحميني) واللحجي، والتعزي والتهامي، كانت اللوحة الختامية تجسيداً أوضح للوحدة الوطنية، من خلال سيمفونية النشيد الوطني، ومغناة (أنا يمني) وكأن المايسترو القحوم يستحضر كل من غنوا لليمن، من أحمد بن أحمد قاسم، وحتى الأخفش الذي غنى للجمهورية.
وقبل حفل الأوركسترا اليمنية بأيام، كانت وزارة الثقافة في المملكة، وهيئة الترفيه، قد أحيت أربع ليال يمنية، ضمن مبادرة انسجام عالمية، شهدت حضوراً كثيفاً وواسعاً للجالية اليمنية بالرياض، في حديقة السويدي، جسدت -كما الأوركسترا- وحدة اليمنيين الثقافية والفنية، كما وحدتهم التاريخية، وحضر الفن اليمني والتراثي بكل تنوعاته، وفرق فنية مثلت أنحاء اليمن.
ومن خلال التفاعل الواسع مع هذا الحراك الثقافي، فإن اليمنيون يعبرون بجلاء أن الجائحة التي جرفت الحياة الثقافية والفنية والإبداعية كما جرفت الحياة السياسية وقوضت كل مظاهر الحياة العامة، لا يمكن أن تدوم، وأن اليمني قادر للانتصار لوطنه وهويته ووحدته الوطنية، بكل الطرق، ولا يمكن لمخلفات الماضي أن تأتي على موروثه الحضاري والإنساني.
فنون تجسد عراقة اليمن وأصالة المملكة
وفي كل مرة تحضر اليمن في قلب المملكة، تتجلى صور الترابط الوثيق والأواصر المتينة بين البلدين والشعبين، فقد كانت السعودية حريصة على حضور الثقافة والتراث والفنون اليمنية بعراقتها، والتي تمتزج مع أصالة الثقافة والتراث والفنون السعودية، التي تشكل مزيجاً، وتقف على أرضية صلبة من المشتركات التي تكاد أن تتطابق.
ففي الأوركسترا اليمنية، شارك الأشقاء من المملكة في تجربة فنية مشتركة تمثل رمزية للعلاقات الثقافية التاريخية الوثيقة بين البلدين، وللتاريخ والثقافة والفن المشترك، فقد قدمت الفرقة الأوركسترالية، لوحة موسيقية جسدت عراقة التراث اليمني وأصالة فنون المملكة.
وكما كان الدعم الكريم للأشقاء في المملكة لهذا الحدث الثقافي، تعبيراً عن العلاقات الراسخة والأواصر التاريخية، فقد عكست أيضاً عمق الأخوة والتكامل الثقافي بين البلدين، كما أكد وزير الاعلام والثقافة معمر الارياني.
ومن خلال الفعاليات المصاحبة للفعالية، تبرز التمازج الثقافي والتراثي للبلدين الجارين، ووحدة المكتبة السمعية والمرئية، كما يتضح الدعم السعودي في كثير من الفعاليات والمناشط، وأبرزها دعم جهود المحافظة على التراث والمواقع التاريخية في اليمن، بالتعاون مع مؤسسات يمنية ودولية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news