شروين المهرة: محمد الفتاحي
في ارخبيل جزر سقطرى، لا توجد حيوانات مفترسة، ولا حتى كلاب. ولا توجد طيور جارحة ولا حتى غربان. أنها جزيرة الطمأنينة والأمان. لا توجد فيها وحوش لا حيوانية ولا بشرية. وكان سكان سقطرى قبل العصر الحديث منذ مئات السنين لا يملكون ولا يصنعون أسلحة، كانت جزيرتهم جزيرة السلام والسكينة. والكائن الوحيد في الجزيرة الذي كان يسبب الموت كان هو البعوض الذي تعايش معه سكان الجزيرة عبر قرون من الزمن، ثم صارت جحافل البعوض قوة دفاع طبيعية بجيوشه الخفية على طول سواحل الجزيرة يحرسها من الاعداء الأجانب الغزاة.
وهكذا يحكي التاريخ ان جيوش البعوض السقطري هاجمت كتائب من الغزاة البرتغاليين في القرن السادس عشر على طول سواحل الجزيرة والذين عانوا من إبادة بسبب الملاريا التي شنها عليهم البعوض السقطري المقاتل العظيم جنبا إلى جنب مع مقاومة أبناء سقطرى على الساحل الشمالي. وكذلك اباد البعوض كتيبة كاملة من الغزاة الإنجليز عام 1834 الذين حاولوا احتلال الجزيرة واضطروا بعدها بقيادة القرصان الانجليزي هينس إلى الفرار إلى عدن، لاحتلالها عام 1839.
وكما عانى الغزو الاوربي الانجلوسكسوني من صعوبة في احتلال سقطرى فقد عانى كذلك من احتلال افريقيا وجنوب آسيا وكثير من بلدان الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية بسبب مرض الملاريا الذي تشنه عليهم جيوش البعوض المرابطة والمدافعة على سواحل تلك البلدان.
وقد كان الهنود الحمر حين يصابون بالملاريا يأكلون من قشر سيقان شجرة باسقة اسمها سنكونا Cinchona وقد سىرق الغربيون الغزاة تلال من قشر السنكونا وارسلوها إلى هولندا حيث اكتشفوا صحة وفعالية قشر السنكونا في علاج الملاريا .. وعزلوا من قشر السنكونا دواء الكينين quinine الذي تم عمله على شكل اقراص وحقن لعلاج فعال ضد الملاريا. وبذلك كتب أحد الباحثين الغربيين في كتاب “الطب الاستعماري الإمبريالي”: (عندما اكتشف الغرب الامبريالي الكينين امتلك بذلك مفتاح أفريقيا وآسيا).
وهكذا عادت جيوش الإنجليز لاحتلال سقطرى وجنوب الجزيرة العربية والخليج وشرق افريقيا، مدججين بالأسلحة والمؤن وادوية اقراص وحقن الكينين quinine في مواجهة جيوش البعوض العظيمة.
تلك البعوض التي دافعت عن أراضي البسطاء وعن سقطرى منذ فجر التاريخ وكانت من العوامل المهمة لبقاء الجزيرة منعزلة عن التلوث الخارجي فظلت بذلك نقية في الطبيعة والروح الإنسانية.. قبل أن يصلها تلوث الغرب الذي اصاب طبيعة الأرض والإنسان بضرر بليغ.
تابعوا شروين المهرة على
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news