المثقفون – في الغالب –هم من أهم قوى التغيير في المجتمع، وهم حملة مشعل التنوير، والمقاومة للاستبداد الداخلي، والاستعمار الخارجي، وهم لذلك أبداً في صف المقاومة والتحرر الوطني، بالضرورة في كل الأحوال، بصرف النظر عن موازين القوة والقوى لصالح المستعمر على الأرض، لا يبنون رؤاهم وخياراتهم الفكرية ولا يحددون مواقفهم السياسية العملية والكفاحية على أساس من هذه الخلفية العسكرية في موازين القوة لوحدها كأساس وحيد، لأن هناك، حسب قول ديفيد هيرست “اختلال مزدوج في التوازن”، اختلال لا يتوقف عن إعادة إنتاج نفسه لصالح المقاومة صاحبة الأرض، “لأن نقطة الضعف الأساسية في مشروع فرض دولة يهودية واحدة من النهر إلى البحر تكمن في الجغرافيا فضلاً عن الديمغرافيا. فهذه التجربة لا تجري في نقطة نائية من العالم، بل وفي قلب العالم الإسلامي والعربي، وبالتالي فإنها لن تنجح”، والكلام لديفيد هيرست. ذلك أن مثل هذا الصراع وفي هذا العصر لا تحسمه موازين القوة العسكرية الوحشية، هذا لمن يفهم!!، ولا مكان هنا للكتبة المعادين للمقاومة، ولحركة التحرر الوطني، أقصد الكتبة الذين انحصر همُّهم في الكتابة المكرسة في نقد المقاومة، وتشويه صورتها قصداً أمام عدوان وحشي نازي، يقف خلفه كل الغرب الرأسمالي الاستعماري، عدوان وصل حد تهديد قائمة طويلة من أعضاء الكونجوس، وهو أعلى مؤسسة تشريعية ودستورية وقانونية في أمريكا، في رسالة مكتوبة ضد أعضاء محكمة الجنايات الدولية، إن هي حاولت الاستمرار في إصدار قرار جلب لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، وغيره من مجرمي حرب الإبادة، قائلين بلغة تهديد فاضحة: “إذا استهدفتم إسرائيل فسوف نستهدفكم”، وسنوجه لكم عقوبات قاسية !! إلى هذه الدرجة وصلت مشاركة أمريكا في حرب الإبادة في فلسطين، حد تكميم أفواه أعضاء محكمة الجنايات الدولية، وترهيبهم، والتي لم تتمكن حتى اللحظة من إصدار قرار جلب تنفيذي لمجرمي الحرب المدانين بقرار من محكمة العدل الدولية، ومن غيرها من المؤسسات الحقوقية والقانونية الدولية، بتهم ارتكاربهم جرائم حرب إبادة وجرائم ضد الإنسانية، في غزة!!
ومع هذا، يصر بعض الكتاب والسياسيين العرب جرياً على منوال بعض الفضائيات العربية، على تحويل المقاومة إلى خرافة وإلى وهم، ومن أنها هي سبب كل الجرائم الواقعة على الشعب الفلسطيني!!
وفي هذا السعي الأيديولوجي والسياسي والإعلامي لإدانة المقاومة والتحريض عليها، يلجأ الإعلام الغربي الاستعماري، ومعه أو ملحق به الإعلام العربي المتصهين، ومعهم جوقة الإعلام الأيديولوجي/ السياسي من الكتبة العرب، إلى تجريد المقاومة والمقاومين من أي معنى للبطولة والفروسية، على طريق نيل الاستقلال وتقرير المصير.
لقد راكمت المقاومة الفلسطينية بالدم الحي، وطيلة ستة وسبعين عاماً – هذا، ناهيك عن تاريخ المقاومة قبل ما يسمى بـ”النكبة” – تاريخاً من التضحية والفداء والبطولة، تذكرنا بتاريخ الفعل الأسطوري في بعض سياقاتها الذاتية والإنسانية، تاريخ صنعه ويصنعه مجد مقاومتهم ضد أبشع استعمار استيطاني في التاريخ العالمي، حتى تحولت بعض هذه المواقف واللحظات في تاريخ المقاومة إلى حالة/ حالات بطولية أسطورية في بنية التاريخ السياسي والاجتماعي والوطني الفلسطيني.
وبهذا المعنى فقد تحول عبدالقادر الجزائري وعمر المختار الليبي، وعبدالناصر في مصر ، وعز الدين القسام، وعبدالنبي مدرم، وعبود، وبدر في جنوب اليمن، إلى رموز وطنية تحررية بطولية بعد رحيلهم بدون شغل البروبجندا الإعلامية الحكومية الرسمية، بطولة صنعها مجدهم المقاوم فقط.
إن الأسطورة، بعيداً عن مفهومها وتعريفها النظري، هي اليوم فعل بطولة، فعل مقاومة، في مواجهة المحتل، وفي مواجهة من يعادون فعل المقاومة ضد المحتل بذرائع وحجج واهية، منها عدم الموازنة في العدة والعتاد بين المقاوم وبين المحتل، ومنها أنه بإمكانية الحلول التفاوضية السلمية مع المحتل – كما سبقت الإشارة – أن تصلنا للغاية بدون المقاومة المسلحة “وعسكرة الانتفاضة”، حسب تعبير البعض، ومنها أن “العين لا تقاوم المخرز”، فالاختلال الجذري في موازين القوة والقوى بين الفلسطينيين، والكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا والدول الغربية الاستعمارية: “حلف الاطلسي” و”الاتحاد الأوروبي”، تجعل من الانتصار عبر المقاومة البدائية خرافة وعملاً عسكرياً مليشاوياً يغامر بالإنسان وبالأرض الفلسطينية، لصالح إيران كما يقولون!!
وفي هذا السياق أقول لبعض القيادات المحسوبة على اليسار، والإتجاه القومي اليساري، وهم هنا قلة قليلة، ومعهم الكتبة الملحقون بالآلة الأيديولوجية والإعلامية التطبيعية مع دولة الكيان الصهيوني، إنه حتى لو انكسرت وانهزمت المقاومة الفلسطينية واللبنانية أمام وحشية وهمجية ونازية العدوان، في صورة حرب الإبادة القائمة المؤقت، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن هذا عدوان وحرب إبادة وجرائم إبادة ضد الإنسانية! هكذا سيتكلم العقل القانوني والحقوقي والتاريخي الإنساني.
قطعاً، الإنتكاسة والإنكسار في الفعل المقاوم أمام نازية ووحشية القوة الاستعمارية لن تكون فحسب انتكاسة للقضية القومية العربية، بل ولكل ما تبقي من قيم اخلاقية وقانونية وإنسانية، يتعذر معها على أي إنسان سوي وطبيعي، ويمتلك ذرة من القيم الاخلاقية والقومية والإنسانية أن يقف في صف هكذا خيار وانتصار، كحالنا مع البعض من المحسوبين على اليسار هنا أو هناك، الذين – مع الأسف – وكأنهم يراهنون على إعادة إنتاج التجربة المأساوية الأمريكية الشمالية مع السكان الأصليين فيها، في فلسطين المحتلة اليوم.
أعرف وأرى وأشاهد بالملموس أن النظام العربي المتصهين قد حدد خياره ليس بعدم دعم المقاومة عسكرياً ومالياً، بل وبالعداء الفاضح لها كفكرة وقضية وخيار، وهذا أمر مفهوم بالنسبة للأنظمة التابعة؛ على أن غير المفهوم وغير المبرر، أن قيادات أحزاب محسوبة على الحركة الوطنية اليمنية تصطف مع الخيار المضاد للمقاومة بحجة العداء لإيران، ومن أن بعض هذه القوى المقاومة مدعومة من إيران، أو هي أدوات للمشروع الإيراني. وقد أتفق جزئياً وحتى كليا على المستوى النظري، مع بعض من هذا القول، ويبقى السؤال: هل المطلوب أن ندين ونعادي المقاومة؟!, والسوأل : مرة ثانية؛ أين صوتك ضد النظام السياسي العربي الرسمي المتصهين والذي يبيع ويشتري بالقضية الفلسطينية من عقود طويلة؟!
أين خيارك السياسي القومي في مواجهة التطبيع ومن التوجه السياسي الجدي لتصفية القضية الفلسطينية عربياً؟!
التي يحكي عنها العالم، وتسرب الوثائق الرسمية في هذا الاتجاه على الأقل موقف نقدي مزدوج ذات ما نراه في الموقف من التدخل الإيراني في القضية القومية العربية، نقد فكري وسياسي واضح للدور التدميري والمتواطئ للنظام السياسي العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية الذي لولاه لما كان التوحش الصهيوني والحضور الإيراني والتركي في منطقتنا!!
إن النظام السياسي العربي المتصهين يمنع ويقمع قيام أي تظاهرات أو احتجاجات جماهيرية داعمة للشعب الفلسطيني بل وبعضهم، حسب قول د. عزمي بشارة، في مقابلة مع تلفزيون ” العربي”, يمنع حتى رفع العلم الفلسطيني!!
هل بعد كل ذلك انحطاط سياسي، وعداء علني رسمي للقضية الفلسطينية ولمقاومته التي يحاصرها بالتآمر عليها، وهي الوثائق التي كشفها الكاتب الأمريكي (وودورد) في كتابه “الحرب”، أي الحرب على فلسطين / غزة.
ليس مطلوباً منك المقاومة العسكرية، كما هو ليس مطلوباً ذلك من النظام السياسي العربي التابع، لأن المطلب الوحيد صار هو مطلب الصمت الإيجابي بأن لا تحرض ضد المقاومة، وكما يبدو أن ذلك ليس ممكناً!!
ليس مطلوباً من النظام السياسي العربي التابع المقاومة العسكرية على ضخامة الجيوش العربية عدة وعتاد، لأنها مخصصة إما للاستعراض في المناسبات المختلفة، أو القمع وتدمير إرادة شعوبها التواقة للحرية والاستقلال والتنمية.
هذه الجيوش والأجهزة الأمنية والاستخبارية التي تستهلك أكثر من 40 % من ميزانيات هذه الدول أكثر من ميزانية: التعليم، والصحة، والعمران، والخدمات الاجتماعية العامة!! وغالبيتها تذهب لصالح جماعات الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي. والسؤال: لماذا تصرف هذه الميزانيات الخيالية على الجيش/ الجيوش، وعلى أجهزة الأمن، إن لم يكن الدفاع عن القضية الفلسطينية على رأس أوليات هذه المهام؟!
ورسالتي هنا للذين يتحدثون عن الاختلال الجذري في موازين القوة والقوى العسكرية، بين المقاومة، وبين الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه، أن عليهم أن يمعنوا النظر، ويتركوا جانباً تنظيرهم البائس والفارغ من المعنى عن الاختلال في موازين القوة، ويفسروا ويشرحوا للناس، كيف أن فصائل مقاومة فلسطينية ولبنانية وبعدة وعتاداً بسيطين يقاومون ويواجهون ولأكثر من سنة، خامس جيش في العالم، وبمشاركة أمريكية أوروبية، جيش يمارس أعمال قتل وحشية وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، مخالفة لكل القوانين الدولية، وأكدت هذه المقاومة المحاصرة والوحيدة بقدراتها المحدودة جداً، أن تقول إن هذا الجيش الصهيوني يقهر في القتال كل يوم، وينتصر فقط في القتل والتدمير وحرب الإبادة.. هذا وحده يجعلنا نعيد النظر في موقفنا من المقاومة المخذولة حتى من قول كلمة حق فيها وفي كفاحها الأسطوري، ممن يفترض أنهم محسوبون على اليسار!!
البطولة الأسطورية الفلسطينية تحديداُ، ومعها المقاومة اللبنانية اليوم لا تصنعها المختبرات الإعلامية الرسمية ولا كتابات المثقفين قليلي الحيلة اليوم، بل يصنعها فعل المقاومة الأسطورية على الأرض، الذي حول البطل المقاوم إلى أسطورة دون قصد أيديولوجي، بطولة مضمخة بفعل الفداء والتضحية.. بطولة يصنعها الدم القاني الذي يعيد رسم خريطة فلسطين والمنطقة بما يتوافق وحقائق التاريخ والجغرافية والديمغرافية، الدم الحي في صورة الصمود الأسطوري الذي أذهل العالم كله، طيلة أكثر من سنة، مؤكدين أن العين تقاوم المخرز، وتنتصر، وهي من حولت السردية الفلسطينية إلى قضية عالمية إنسانية، وإلى فعل بطولة وإلى أسطورة، سيعاد تدريسها في المدارس والجامعات، وإعادة إنتاجها في الأدب السياسي والفني والجمالي كأروع ما تكون القصيدة والرواية واللوحة التشكيلية، والمسرحية.
إن الكتابات المنحازة للمقاومة والداعمة لها، ليس بإمكانها صناعة فعل بطولة أسطوري كما ليس بإمكان الكتابة المنحازة ضد المقاومة، وتصب في خدمة الطرف الآخر، الصهيو/ أمريكي أن تلغي فعل البطولة والأسطورة الفلسطينية، باعتبارها نتاج الفعل المقاوم ولا حتى التقليل من ذلك الفعل البطولي. حاولوا أخيراً، كما تقوله الصورة مع البطل الشهيد، يحيى السنوار، فجعلوا منه من خلال صورتهم / صورته التي سربت عنه، ليس إلى بطل بل وإلى أيقونة مقاومة ستحكي عنها الأجيال، وليس كما تقول الكتابة المأجورة، إن الصورة أظهرته مذلاً ومهاناً، وكلما أمعنوا في تشويه صورة البطل في المقاومة، ورمزيته كلما ضاعفوا من حضورها ورصيدها في الواقع وفي الوجدان وفي المخيال الوطني والقومي والإنساني. اليوم تظهر صور السنوار في معظم ساحات التظاهرات العالمية، إلى جانب صور “جيفارا”، وكذلك غيره من الشهداء الأبطال إسماعيل هنية، وحسن نصر الله.
البطولة والأسطورة الفلسطينية اليوم هي فعل مقاومة من لحم ودم، بطولة وأسطورة ساهم في صناعتها وترويجها وتعميم حضورها دون قصد واعٍ، إعلام الإجرام الصهيو/ أمريكي. بطولة وأسطورة هي اليوم بصدد التحول إلى سرديات في الأدب السياسي والفني، في الشعر وفي القصة وفي المسرحية وفي الرواية، رغماً عن الخطاب الأيديولوجي المضاد والمعادي للمقاومة.
الرواية التي كتب بداية خاتمتها بالدم الشهداء الأبطال جميعاً وسيواصلون كتابتها، وقد كان الشهيد يحيى السنوار قد بدأ بكتابة سرديته الروائية وهو في السجن، في روايته التي أتمنى أن تنشر قريباً، إلى جانب بعض ما أنتجه كتابياً في قلب تجربته مع السجن النازي، بعد أن حول السنوار وغيره، السجن الصهيوني الكابوسي إلى مدرسة وكتابة، تعلم خلالها اللغة العبرية، واطلع سراً على مئات الكتب، طيلة (23 سنة)، هي عمر اعتقاله الأخيرة، وهذا بحد ذاته فعل مقاومة، فعل أسطورة، فعل مقاومة لمن لا يعرف معنى الأسطورة الفلسطينية.
إن يحيى السنوار الذي يقلل البعض منه، ويسعى إلى تشويه صورته نيابة عن المستعمر، بعد أن أعفى المستعمر من جرائمه، لم يسعَ يوماً لسلطة، إنسان فقير صنعته تشردات النزوح في المخيمات ومناطق اللجوء المختلفة داخل الأرض الفلسطينية، إنسان بسيط من قاع المجتمع، غير مهووس بالنظريات ولا يجيد تعريف معنى “البطولة”، ولا المفاهيم النظرية المركبة والمعقدة لمعنى الأسطورة، ومع ذلك تحول الواقع الفلسطيني الصلب على يديه، ومن كفاحه ومقاومته ورفاقه، إلى بطولة وأسطورة.
يوم 24 أكتوبر 2024م، كتب الباحث الفلسطيني الإشتراكي/ واليساري د. عزمي بشارة مقالة قصيرة عنوانها: “الصورة والأسطورة في مواجهة الموت”، ومما جاء فيها التالي: “وظهرت صورة السنوار يرمي الطائرة المسيرة بعصا، بعد أن استخدم ما في جعبته من رصاص وقنابل يدوية في اشتباك مع جنود لم يخطر ببالهم أنهم يواجهون من يخيفون باسمه أطفالهم. كانت هذه صورة الملثم المنهك والجريح الذي يواجه مع رفيقيه مصيره المعروف سلفا، مقاتلاً في منزل هجَّر الاحتلال أصحابه مثل جيرانهم وأهل مدينتهم. نسف ما نقلته الصورة كلَّ ما دأب الاحتلال على ترويجه عن القيادي الذي يمضي الحرب مختبئاً في الأنفاق، راهناً حياته بحياة الرهائن. وأطلقت المواجهة الأخيرة واستقبال الموت برباطة جأش، العنان لخيال الناس وربما سوف يركِّبون على الأسطورة أساطير”.
وهكذا هي البطولة والأسطورة في التاريخ: تبدأ من حكاية فعل عادية نبيلة واستثنائية/ فوق العادة، لتتحول في المخيال الشعبي، وعبر تراكم الفعل المقاوم إلى فعل بطولة وإلى أسطورة.
إن البطولة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر 2023م، هي من أسقطت أسطورة “شعب الله المختار”، والخرافة التوراتية، وهي من كسرت هيبة ومكانة “الجيش الذي لا يقهر”، ومن جعلت الرحلات المكوكية لرؤساء الدول الغربية لا تتوقف إلى دولة الكيان الصهيوني، خوفاً عليها، ولمدها ليس بالدعم السياسي والاستخباراتي بل والعسكري والمالي والدبلوماسي وتغطية سماء غزة، بالطائرات الأمنية والاستخبارية عالية التقنية بحثاً عن المقاومين واستكشافاً للأنفاق!!
في تقديري، لا يحتاج الفلسطيني واللبناني المقاوم إلى من يتحدث عنهم كأبطال، هم بذواتهم ومواقفهم وأفكارهم المقاومة فعل البطولة المتحدي للمحتل، وهم من حولتهم مقاوماتهم في وعي الناس ووجدانهم وفي الواقع إلى أبطال ونماذج كفاحية خالدة.
مقاومون لم يدر في خلدهم أنهم أبطال، بل ولم يفكروا بذلك، كل همهم وفعلهم انصب على فعل المقاومة المجرد من أي حديث أو كلام، أو تمنيات ذاتية، هم أبطال لأنهم يكافحون في شروط مستحيلة، كان مطلوباً من هذه الشروط المستحيلة أن توصلهم إلى الاستسلام الخائب، عفواً، الخائن، والمذل، لهم ولشعوبهم فأبوا إلا أن يكونوا هم أنفسهم حتى استشهادهم النبيل، الذي تحول في وعي الشعب إلى رمز للبطولة، وفي عقل كتبة مروجي الاستسلام الخائن إلى فعل مرضى نفسيين، وخرافة قادهم إليها جنون المقاوم الحالم بالتحرير والتحرر بدون عتاد يوازي عتاد المستعمر/ المحتل، وهم يعلمون أن الجيوش العربية مجتمعة أجبن وليس أضعف من حيث القوة، والسبب ارتهانها وتبعيتها للاستعمار الأمريكي الجديد، من خلال الأنظمة العربية المتصهينة.
الأنظمة التي تسمح اليوم في ظل جرائم حرب الإبادة، وقرارات المحاكم الدولية بإدانةالكيان الصهيوني، ومن يتعاون معه، تسمح بمرور الغداء والدواء، بل وتسمح أكثر بمرور السفن المحملة بالسلاح لدولة الكيان الصهيوني، لاستكمال جرائم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، في الوقت الذي ترفض ذلك دول أجنبية!!
ما يمكنني قوله إن استشهاد يحيى السنوار وهو يقاتل في معركة غير متكافئة وجريح، بعد أن لم يتبق أمامه لمواجهة الطائرة المسيرة سوى العصا التي توسلها وسيلة مقاومة في مواجهة مسيرة حربية، تلاحقه، هذه الصورة الرمزية هي التي جعلت من استشهاده فعل بطولة أسطورية، فعل البطولة الذي تحول على يد الكاتب الصحفي، حسين الوادعي،
إلى فعل عاجز ومهزوم حيث كتب : “لقد مات السنوار مهزوماً ووحيداً ومطارداً ومعزولاً وعاجزاً عن الهرب أو حتى رفع يديه في لحظاته الأخيرة”.
لاحظوا كيف تحول خطاب نقد، المقاومة والمقاوم في مداد أقلامهم الخائبة والخائنة إلى أداة قتل أبشع من رصاص وقنابل وصواريخ المحتل.
إننا مع هذا الخطاب أمام خطاب تشفٍ وكراهية بلا حدود، ومثل هذا الخطاب هو الذي يحتاج فعلاً إلى علاج نفسي ليعود لسويته الأخلاقية والإنسانية
خطاب فاقد لأدنى شروط الإحساس بالتعاطف مع حالة ضعف إنساني، بعد أن فقد المقاوم المدافع عن أرضه كل قدرة على الحركة والفعل أمام وحشية محتل يمارس فعل القتل، بعقل بارد وضمير غائب.
وهنا يلتقي القاتل الصهيوني، والقائل / الكاتب العربي، رمز الكتابة الخائنة، الذي لم يجد ما يجمعه ويوحده بالمقاوم يحيى السنوار، سوى أن يراه قتيلاً، والفرحة تغطي حروف وسطور كلماته البائسة.
لم يقل أحد يوماً أن لا خيار إلا المقاومة المسلحة، فقد دخل عرفات – كما سبقت الإشارة – للسلام من باب الحوار والمفاوضات، حتى كانت “أوسلو”، التي رفضها الكيان الصهيوني وحوصر عرفات، بل وكل الشعب الفلسطيني، بعد أن حولت الضفة الغربية إلى كانتونات ومعازل مقطوعة عن بعضها البعض.
حتى حماس دخلت حلبة الحوار والمفاوضات في قلب حرب الإبادة القائمة، ورفض الكيان الصهيوني، مبادرات جميع الوسطاء بما فيها مبادرة الرئيس الأمريكي “بايدن”!!
ألم يقبل الرئيس عباس بكل شروطهم بما فيه رفض الكفاح المسلح، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى “منسق أمني”؟ بلى! ومع ذلك لم يقبل طرف الكيان الصهيوني بكل التنازلات الخطيرة والكارثية التي قدمها الرئيس عباس!!
ليس لدي ملاحظات أو اعتراض على الرأي في نقد المقاومة وتبيان قصورها وأخطائها من أي مكان صدر، حين يكون رأيا وموقفاً يستند إلى حقائق ووقائع تسنده وتعزز فكره وحججه الناقدة، شريطة الالتزام بالحد الأدنى من أدب الحوار، ومن القيمة الاخلاقية والإنسانية، ومسؤولية الكتابة، لأن الخطاب السابق كرؤية وموقف من لحظة قتل واستشهاد حسن نصر الله، ويحيى السنوار يدل على أننا أمام خطاب ثأري انتقامي، خطاب كراهية، ليس فيه ما يوحي ويدل على أننا أمام رأي وموقف في مواجهة رأي وموقف آخر، وكأن بعض الكتبة العرب تقمصوا ليس فكر المستعمر، بل وروحه ووجدانه الوحشي الاستعماري. هذا ما يقوله النص الذي أمامكم، ولكم العودة إلى مجمل النص، المكتوب المشحون بالحقد والكراهية لكل مقاومة تحررية مهما تذرع وتوسل هذا الخطاب، في بعض السياقات كلمات وتعبيرات توحي بأنه حريص على الدم الفلسطيني، وعلى الأرض الفلسطينية، وهو ما ستجدونه في المقالة الصحافية للأخ/ حسين الوادعي، تحت عنوان: “لماذا يحولون الزعامات الفاشلة إلى أبطال.. قراءة في أوهام الذات المهزومة”، ومن هنا ملاحظتي التي أوردتها في معرض تقديمي أو عرضي للنص/ الفقرة الذي كتب كما هو.
والحقيقة أن مثل هذا الخطاب تمتلئ سطوره بما يشبه هذا المعنى من الخطاب الحاقد والخائن لفكرة النقد، هذا فقط كنموذج للموقف الأيديولوجي/ السياسي ليس المنحاز للخطاب الصهيو/ أمريكي، بل والذي يسعى للتفوق عليه من موقع وموقف بعض اتجاهات الكتابة العربية التابعة، كدليل اثبات ولاء ووجود، وتحلل من أي قيمة وطنية وقومية واخلاقية وإنسانية.
مقالة أو كتابة هي جمل اعتراضية، واستعراضية بغطاء ثقافي إنشائي لا معنى لها، إذا أردت وحاولت قراءتها ضمن سياق فكري موضوعي تاريخي، كتابة تقول لك بوضوح إنها أحكام أيديولوجية سياسية مسبقة حشيت حشواً في عقل هذا الكاتب أو ذاك، يتمنطق/ يتمنطقون بها على وسائل التواصل الاجتماعي “ثقافة المعلومات”، ” الانترنت”,التي جعلت كل شيء متاحاً ومباحاً، وهذا ليس نقداً أو رفضاً لدور منصات ووسائل التواصل الاجتماعي، لأن هناك فوائد عظيمة ونبيلة لها في حياة الناس اليوم، على أنها تجعل الغث والسمين، الصالح والطالح، في مستوى واحد، وتجعل الكتابة/ الكلام لا تحكمها ضوابط العقل النقدي وليس الرقابة الأمنية التي ما تزال حتى ضمن وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي الرأسمالية المعاصرة تفرض ظلها الكئيب علينا، بعد أن صارت العديد من مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي الكبيرة: (فيس بوك)، (×)، (انستجرام)….إلخ تحلل وتحرم ما يجب أن ينشر أو ما هو صالح للنشر، على مواقعها ومنصاتها. ومن هنا استمرار الرقابة الأمنية على الكتابة ولو في حدود معينة، بعد أن صار الكثير مما يكتب دعماً للمقاومة وضد الكيان الصهيوني، يتم حجبه ومنعه علنا وأمام الملأ، تبقى معه الكتابة المدافعة عن الحرية، والعدالة الاجتماعية وعن المقاومة هي التي تتحرك ضمن أضيق الحدود، لصالح نشر الكتابة المضادة للمقاومة، ولحركة التحرر الوطني في العالم.
يبدو أن الإعلام الصهيو/ أمريكي، يتأسف كثيراً على نشره صورة اللحظات الأخيرة في حياة يحيى السنوار، مقاومته حتى استشهاده النبيل، بعد أن ساهم الإعلام الصهيو/ أمريكي في ترويج صورة بطولية نادرة لا علاقة لنا ككتاب منحازين للمقاومة بها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news