تناولت دراسة تحليلية جديدة، التطورات التاريخية والتحولات الهيكلية التي طرأت على المؤسسة العسكرية اليمنية منذ منتصف القرن العشرين، وحتى الوقت الراهن.
وتطرقت الدراسة التي أصدرها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية الى المراحل الأولى لتأسيس الجيش اليمني، مروراً بفترات الاضطرابات السياسية، وصولاً إلى الانقسامات الراهنة التي تهدد تماسك هذه المؤسسة في ظل استمرار النزاع المسلح في البلاد.
وسلّطت الدراسة التي اعدها الباحث أنور الخضري الضوء على بداية تكوين المؤسسة العسكرية في اليمن، إذ لم تعرف البلاد الجيوش النظامية حتى منتصف القرن الماضي، حيث كان الاعتماد على مقاتلي القبائل، ومع تشكّل الأنظمة السياسية شمالًا وجنوبًا، بدأت ملامح المؤسسة العسكرية بالظهور، ليتحول الجيش اليمني إلى كيان نظامي يتبع هيكلياً الدولة، معتمدًا على الخبرات القادمة من الخارج، خاصةً من الدول الاشتراكية التي أثرت على بناء الجيش في الجنوب في مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1967.
وأشارت الدراسة إلى كيفية اختلاف أنظمة التجنيد وتدريب القوات بين شطري اليمن، الشمالي الذي تأثر بالنظام الملكي والمصري في ستينيات القرن الماضي، والجنوبي الذي اعتمد على دعم الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي والصين.
واوضحت الدراسة تأثير الانقسامات السياسية المتتالية على المؤسسة العسكرية، حيث واجه الجيش منذ عقود أزمات وانقسامات متعددة، أبرزها حرب عام 1994 بين قوات الحكومة اليمنية وقوات الحزب الاشتراكي اليمني، والتي أدت إلى تهميش آلاف العسكريين الجنوبيين، ثم جاءت أحداث 2011 لتعيد الانقسامات إلى الواجهة، إذ كان الجيش عرضةً للتحزب والانقسامات نتيجة للتحالفات القبلية والسياسية التي مزقت بنيته. كما تعرّض الجيش لعمليات إعادة هيكلة مستمرة، كانت في كثير من الأحيان تهدف إلى تقوية النفوذ السياسي لرؤساء وقادة عسكريين على حساب مهنية الجيش وتماسكه الوطني.
ولفتت الدراسة إلى أن التدخلات الخارجية لعبت دوراً حاسماً في إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية اليمنية. فقد أثرت دول إقليمية بشكل مباشر على تكوين الجيش من خلال دعم مجموعات مسلحة، وتحفيز النزاعات الداخلية، ما جعل الجيش اليمني عرضة للتأثيرات الخارجية التي أضعفت تماسكه.
وأبرزت الدراسة دور التدخلات الإيرانية في دعم جماعة الحوثيين منذ عام 2004، حيث تصاعدت الأزمة لاحقاً لتصل إلى استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، ما أجج النزاع وأدى إلى انقسام الجيش بين القوات الموالية للحكومة الشرعية وتلك الداعمة لجماعات انقلابية مسلحة.
أكدت الدراسة أن ثورة الشباب عام 2011 وما تبعها من أحداث مثل المبادرة الخليجية وإعادة الهيكلة، لم تؤدِّ إلى تقوية المؤسسة العسكرية بقدر ما ساهمت في تعزيز الانقسامات الداخلية، فقد شهدت المؤسسة العسكرية عملية هيكلة معقدة لإبعاد القيادات الموالية للنظام السابق، غير أن هذه المحاولات أدت إلى ظهور صراعات جديدة على الولاءات بين الفصائل العسكرية المختلفة.
ومع استمرار النزاع المسلح في اليمن منذ 2015، ظهر جيل جديد من الانقسامات والولاءات المتعددة بين قوات الجيش التي انقسمت بين ولائها للحكومة المعترف بها دولياً وقوات أخرى تتبع جماعات مسلحة محلية وإقليمية.
واوصت الدراسة بضرورة تعزيز وحدة الجيش اليمني وإعادة بنائه على أسس وطنية غير حزبية أو قبلية. كما شدّدت على أن أي رؤية مستقبلية تتطلب دعماً دولياً وإقليمياً لإعادة بناء الجيش بشكلٍ مهني، وبما يحقق له استقلالية القرارات بعيداً عن تأثيرات القوى السياسية المتصارعة.
وختمت الدراسة بتأكيد أهمية تماسك المؤسسة العسكرية لضمان استقرار اليمن مستقبلاً، إذ يمثل الجيش الركيزة الأساسية لأي عملية سلام شاملة وطويلة الأمد في البلاد.
لمزيد من الاطلاع:
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news