من يوافقني الرأي أنه قد آن الأوان لليمني أن يبدأ بممارسة نقد مخلص وجاد لشخصيّته وحياته وأوضاعه، وللتصورات التي يحملها عن نفسه وعن الآخرين؟ فقد بات من الضروري لليمنيين أن يدركوا كيف يراهم الآخرون، وأن يواجهوا الواقع برؤية ناقدة تساهم في إعادة تشكيل وعيهم بالذات والآخر. من هنا، أود أن أطلق سلسلة بعنوان “كيف يرى العرب اليمني؟”، حيث سأحاول استعراض التصورات المختلفة التي كوّنها العرب عن اليمنيين، بناءً على تجاربي الشخصية.
قبل انتقالي إلى أوروبا، كانت معرفتي بنظرة العرب لليمن واليمنيين محدودة إلى حدٍ كبير. حيث لم تتاح لي الفرصة للتعرف على مختلف الجنسيات العربية بشكل مباشر، باستثناء بعض الاحتكاكات البسيطة التي كانت تتم مع الأشقاء المصريين والسودانيين الذين جاءوا إلى اليمن للعمل كمعلمين وأطباء منذ ستينيات القرن العشرين. شكلت هذه التجربة جزءاً مهماً من معرفتي، لكنها كانت محدودة بالنظر إلى عدد وكثرة الشعوب العربية وتنوع ثقافاتها وتصوراتها عن بعضها البعض.
في فترة لاحقة، بعد العام 2003، تزايدت معرفتي بالأشقاء العراقيين الذين هاجروا إلى اليمن نتيجة الظروف التي كانت تمر بها بلادهم، حيث عملوا في اليمن كأطباء ومعلمين وأكاديميين. أضافت هذه التجربة بُعداً جديداً إلى تصوري عن العلاقات العربية البينية. أما بعد عام 2011، فقد أتيحت لي فرصة مهمة للتعرف على الصورة التي رسمها المغاربة عن اليمن واليمنيين، وذلك بعد انتقالي إلى المغرب للدراسة. كان هذا الانتقال نقطة تحول في حياتي، إذ تعرفت عن قرب على صورة اليمني في عيون المغاربة، والتي كانت مزيجاً من التاريخ والتصورات الاجتماعية السائدة.
ومع حلول عام 2017، توسعت دائرة معرفتي ببقية العرب بشكل أكبر بعد انتقالي إلى أوروبا. هنا، تمكنت من الالتقاء بمجموعة واسعة من العرب، خصوصاً الإخوة السوريين الذين هاجروا إلى أوروبا نتيجة الحرب في بلادهم. كانت معرفتي بالسوريين في السابق ضئيلة، إذ كان وجودهم في اليمن محدوداً، كما أن العلاقات بين اليمن وسوريا ظلت تحت طائلة الصورة الرسمية التي كانت ترسمها الحكومات. في أوروبا، جمعتني الظروف بالعديد من السوريين، ومعهم فلسطينيون، ولبنانيون، وجزائريون، وصوماليون، والعرب الأحوازيون، وغيرهم من الجنسيات العربية. كما أتاح لي المهجر الأوروبي فرصة نادرة للتفاعل مع أشخاص من خلفيات ثقافية متعددة، من غير الناطقين بالعربية.
تهدف هذه السلسلة إلى استكشاف الصورة النمطية المتبادلة بين العرب، وخاصة الصورة التي كونها العرب عن اليمن واليمنيين، والعكس.
سأبدأ هذه السلسلة برصد ما تمكنت من معرفته عن نظرة الأشقاء المصريين إلى اليمن واليمنيين، والعكس. ولكن قبل ذلك، أرجو منكم ألا تبخلوا عليّ بآرائكم وتعليقاتكم حول الموضوع.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news