في منزله بالعاصمة اليمنية صنعاء، يحتد النقاش كالعادة بين جمال وأصدقائه حول جماعة الحوثيين التي احتفلت، أمس السبت، بالذكرى العاشرة لسيطرتها على المدينة؛ فبينما يراها البعض جماعة مسلحة سيطرت على الحكم بالقوة، يعتقد آخرون أنها فرضت نفسها خصوصا بعد انخراطها في معركة "طوفان الأقصى".
ويقول جمال للجزيرة نت، إن الجماعة كانت صادقة فعلا حينما رفعت شعارات "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"؛ إذ خاضت حربا مفتوحة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في أول فرصة، ويضيف "هذا أعاد الاعتبار لنا كيمنيين".
ورغم أن البلاد شهدت تحولات سياسية واقتصادية عميقة منذ 10 أعوام، إلا أن الأبرز كان تحوّل جماعة الحوثيين من حركة هامشية في شمال اليمن، إلى قوة سياسية وعسكرية ذات تأثير كبير في تشكيل مستقبله.
وأسفرت الحرب عن انقسام حاد في اليمن المضطرب، وتسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية، في حين تبدو آمال السلام بعيدة في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهجمات الحوثيين ضد إسرائيل.
قوة إقليمية جديدة
وبدأ الحوثيون باستهداف سفن شحن مرتبطة بإسرائيل في البحرين الأحمر والعربي، وتطور الأمر إلى إطلاق صواريخ صوب إسرائيل "تضامنا مع غزة". ويقول عبد الحكيم (48 عاما) وهو أحد الموالين للحوثيين "نحن الدولة الوحيدة التي وقفت مع الشعب الفلسطيني الأعزل، حتى وإن لم تكن أسلحتنا قد أثرت في العدو إلا أننا كسبنا شرف المعركة".
وبهجماتها المستمرة، أعادت جماعة الحوثيين اكتشاف الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وأصبحت جماعة إقليمية أكثر من كونها محلية. كما يراها خبراء في ندوة نظمها مؤخرا مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (يمني غير حكومي).
ويقول حزام الأسد، عضو المجلس السياسي للحوثيين، إنها بعد 10 سنوات استطاعت الصمود في ظل الحرب ومواجهة 17 دولة، ووظفت كل إمكانياتها نحو الاكتفاء الذاتي وصولا إلى نصرة الشعب الفلسطيني.
ويضيف للجزيرة نت، أن نصرة الشعب اليمني اليوم "لأهلنا في غزة" هي ثمرة من ثمار "ثورة 21 سبتمبر (أيلول) المجيدة التي كانت ثورة شعبية حقيقية، وجاءت كضرورة نتيجة لتدهور الأوضاع في اليمن والانهيار الأمني والاقتصادي".
ووفق الأسد، فإن ما يسميها "الثورة"، وهو المصطلح الذي يستخدمه الحوثيون لوصف تحركهم للسيطرة على الحكم في البلاد قبل 10 سنوات، أعادت الاعتبار لليمن الذي سقط تحت الوصاية الخارجية والبند السابع، وسيطرة النفوذ الخارجي على القرار اليمني، حسب قوله.
تحسين للسمعة
في المقابل، يجد آخرون أن اندفاعة الحوثيين في البحر الأحمر كانت طوق نجاة للجماعة التي وظفت معركة طوفان الأقصى لصالحها، لتعيد الاعتبار لنفسها أمام أنصارها في الداخل اليمني الذي وجد في ذلك شكلا من أشكال المقاومة ضد الهيمنة الإقليمية وإسرائيل المدعومة من الغرب.
ويقول الباحث علي الذهب للجزيرة نت، إن الصورة باتت واضحة بين ما يريده اليمنيون وما حل بهم خلال 10 سنوات بائسة من حكم الحوثيين لأجزاء من البلاد، في إشارة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ويضيف "الجماهير، في أي بلد، تنتظر من يوفر لها أسباب الحياة الكريمة، من سلع وخدمات، وحرية، والتمتع بالأمان والاستقرار، لا الشعارات الزائفة، والغرق في الحروب والصراعات".
ويقول طبيب يعمل في مستشفى حكومي بالعاصمة صنعاء، رفض الإشارة إلى اسمه خوفا من الانتقام، إن "مشاركة الحوثيين صورية لتسجيل حضور وشرعية، وهذا ما حدث فعلا".
ويضيف "نحن اليمنيون ندافع عن القضية الفلسطينية منذ أول يوم، ولا يمكن أن يكون طرف ما أكثر نصرة وتضامنا مع القضية الفلسطينية، لكن الحوثيين استفادوا وحولوا هذا التضامن إلى انتصار لهم".
ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، تُتهم جماعة الحوثيين بممارسة القمع وتقييد الحريات وسجن المعارضين وتعذيبهم حتى الموت، وممارسة الفساد، وإقصاء كل الأطراف غير الموالية لها، ووفق تقارير حقوقية محلية ودولية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري طاهر، إنه من الصعب القول إن اليمنيين بمختلف شرائحهم قد تغيرت رؤيتهم للحوثيين بعد انخراطهم في معركة طوفان الأقصى، ولكن من الواضح أن ذلك أكسبهم تأييدا، وبدّل النظرة الكلية إليهم.
ويضيف طاهر للجزيرة نت، أن انخراط الحوثيين في المعركة "خفف العبء الثقيل عليهم وأكسبهم سمعة طيبة، لأن الشعب اليمني لطالما كان ينظر للقضية الفلسطينية كقضية مصيرية وذلك يعود لعمق الروابط القومية والإسلامية والإنسانية.
سلطة متجذرة
في شوارع العاصمة صنعاء ومدن ومحافظات شمال غربي اليمن حيث يتركز أكثر من 70% من السكان، تفصح اللوحات العملاقة والشعارات المنصوبة على واجهة المحلات وأعمدة الإنارة عن سلطة متجذرة للحوثيين بعد 10 أعوام من سيطرتها على العاصمة.
ومؤخرا، أحكمت الجماعة سطوتها الأمنية في ظل تراجع وتيرة القتال على الخطوط الأمامية مع القوات الحكومية، وشنت حملات اعتقال طالت نشطاء معارضين وصحفيين وموظفين في الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، واتهمتهم بالتجسس، وفق ما قالت الأمم المتحدة.
ورغم أن معظم اليمنيين ينظرون إلى الجماعة على أنها أسرة تسعى بالقوة لإعادة إحياء حكم الإمامة الزيدية الذي كان مهيمنا سياسيا في شمال اليمن قرابة 3 قرون حتى عام 1962، فإن عبد الحكيم يقول "نحن نعيش في حالة حرب، لأننا فقط قلنا للغرب المنافق، الذي انكشفت قيمه وأخلاقه في حرب غزة، لا".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news