عشر سنوات مرت ثقيلة وقاسية ومرعبة على اليمنيين، وكأنها 100 عام لا أقل، أُسقطت صنعاء بيد مليشيا الحوثي وحلفائها في مشهد سيظل محفورا في تاريخ اليمن القديم والحديث.
الموجع والمؤلم، والأكثر حسرة، أن صنعاء الحصينة لم تهزم بعد مقاومة طويلة، وأمام جيش عتيد، بل بخيانة الداخل، ومَن فتحوا لهم أبواب المدينة مُشرعة لغُزاتها.
فقبلها كانت عمران قد سقطت، في يوليو، بعد اغتيال العميد حميد القشيبي، بتواطؤ من علي عبد الله صالح، وحياد هادي ووزير الدفاع.
تحالف الإعلام الموالي لصالح مع الحوثيين في تشويه المدافعين عن الدولة، ووسمهم بالتكفيريين، بينما كان القادة العسكريون يخونون مواقعهم تحت ستار الوساطة، ويحيّدون جيشهم الذي يصل تعداده إلى 100 ألف مقاتل، أو أكثر في أكثر من 20 معسكرا في العاصمة صنعاء، وما حولها.
سُلمت صنعاء دون معركة تُذكر، ومعها انفرط عقد المدن اليمنية أمام جحافل القادمين من كهوف صعدة، الذين جاءوا شاهرين سيوف الإمامة، يجرهم حقدهم على الجمهورية، وانتصارها على أجدادهم قبل 50 عاما.
لكن الأشد إيلاما هو أن من قاتلهم في ست حروب، ووصفهم بأنهم امتداد للكهنوت، هو من أباح لهم صنعاء واليمن والجمهورية ليُشبع رغبته بالانتقام ممن أزاله من كُرسي الحكم.
- قوى محلية وإقليمية ودولية
يقول الباحث في التاريخ اليمني، العقيد عنتر الذيفاني: "كنا نتوقع أن تسقط صنعاء بيد مليشيا الحوثي؛ لأن هناك مؤامرة وخطة من ورائها قوى خارجية وإقليمية، وتحالفات داخلية تسعى لوأد ثورة الشعب السلمية، التي كانت في 2011، باعتبار القوى قوى الثورة المضادة، التي تمثلها دول الغرب (أمريكا وبريطانيا) وقوى إقليمية في منطقتنا العربية، لم ترغب في أن تنتصر إرادة الشعوب، وتنتصر الديمقراطية والحرية".
وأضاف: "أيضا كانت هناك قوى داخلية متمثلة في نظام علي عبد الله صالح، وكل هؤلاء تحالفوا وجعلوا من الحوثيين أداة لوأد هذه الثورة السلمية".
وتابع: "التقينا بالرئيس مرتين حينما كان الحوثيون مازالوا في خيوان، وفي دنان، في بلاد حاشد، والتقينا معه مرة أخرى بعد أن سقطت عمران، وكان مشايخ اليمن وعلماؤها يحذرون القيادة السياسية من أن الحوثيين هدفهم هو إسقاط الجمهورية؛ لأن ليس هناك رغبة دولية بأن اليمن ينطلق، وتنتصر فيه إرادة الشعب".
وأردف: "نريد أن نذكِّر الناس؛ لأن ذاكرة البعض مخرومة بعد أن وصلت البلاد إلى مرحلة الانسداد السياسي، وسدت كل نوافذ الحوار السياسي والإصلاحات الاقتصادية، اتجهوا الناس إلى عمل ثورة في 2011؛ جاءت بعد ذلك الوساطات الخليجية، وجاؤوا بمبادرة خليجية من أجل أن لا تنزلق اليمن في حمامات دماء، ومن أجل حقن الدماء استجاب الناس وقوى الثورة لهذه المبادرة الخليجية على أساس أن هذا النظام يرحل، وتتشكل حكومة شراكة من اللقاء المشترك، ومن المؤتمر الشعبي العام بالمناصفة؛ يترأسها محمد سالم باسندوة".
وزاد: "هذه الحكومة حققت إنجازات في كل المجالات، ومنحت عفاش حصانة، وذهب الجميع فيما بعد إلى حوار وطني، وخرجوا من هذا الحوار الوطني بأهم وثيقة في تاريخ اليمن؛ وهي وثيقة الحوار الوطني، التي شُكلت بعد ذلك على ضوئها لجنة لصياغة دستور دولة اتحادية بعد أن أنهوا صياغة الدستور؛ ذهبوا لتسليمه إلى رئيس الدولة من أجل أن يدعوا الناس إلى الاستفتاء عليه، وبعد ستة أشهر يدعو الناس لانتخابات نيابية، وبعد ذلك انتخابات رئاسية".
وقال: "لكن المتربصين باليمن لم يعجبهم أن تنتصر إرادة الشعب، واليمن ينطلق، وهناك الضامن لانطلاقة اليمن، ولبناء الدولة، وهم هؤلاء الشباب الذين خرجوا في الحادي عشر من فبراير بطول اليمن وعرضها".
وأضاف: "لم يرغبوا بأن اليمن يصلح، وأن تكون هناك دولة تنتصر فيها إرادة الشعب، فأوعزوا للحوثي -أداتهم الرخيصة- بأن يصنع انقلابا بالتحالف مع عفاش".
وتابع: "نحن نتحدث هنا عن تاريخ، ولا بُد أن نذكره، وصحيح أن المواقف قد تغيرت فيما بعد، وندموا، لكن ما الذي حصل؟ وكيف سقطت صنعاء؟ وكيف حدثت أسوأ نكبة في تاريخ اليمن وأتعس يوم وأقبح يوم في تاريخ اليمن، وهو يوم الـ 21 من سبتمبر؟ تمت بهذه المسألة".
وأكد: "هناك قوى خارجية وقوى إقليمية وقوى داخلية تحالفوا جميعا في شكل قوى ثورة مضادة، فأسقطوا ثورة الشعب التي انتصرت لإرادة الجماهير، وجاؤوا بالحوثي لينقلب في يوم 21 سبتمبر، وكان الهدف من هذا كله -حسب مؤامرتهم والمخطط- هو أن يتم القضاء على الإصلاح وشباب الثورة، وأن يتم القضاء على جامعة الإيمان، وأن يتم القضاء على الفرقة الأولى مدرع، على اعتبارها أنها الجيش الحقيقي للدفاع عن الشعب".
وأردف: "كانوا يسمونها بعملية جراحية ثم يعودون، لكن اتسعت بعد ذلك شهية الحوثيين في النهاية، سلموا العاصمة صنعاء لذراع إيران، وسيطرت إيران من أول أسبوع، حيث تم تسليم الموانئ والمطارات لإيران، تم التحقيق مع ضباط يمنيين من قِبل ضباط في الحرس الثوري، تم إطلاق جيهان واحد وجيهان اثنين؛ السفن التي كانت محملة بالأسلحة من قِبل إيران للحوثيين، وتم إطلاق خلايا التجسس، وقال أحد مسؤولي إيران الكبار -مستشار خامنئي- إن العاصمة الرابعة سقطت في أيدينا".
وزاد: "انطلق الإيرانيون- خلال الأسبوع الاول- إلى أنهم يعملوا مطارا عسكريا كبيرا في صعدة معنى ذلك أنهم سلموا البلاد لإيران من خلال ذراعها الحوثي، سلمها السفير الأمريكي، الذي كان يتجول في شوارع صنعاء يوم 21 سبتمبر وهو مطمئن، والذي أوهم الرئيس عبد ربه منصور هادي أنها عملية بسيطة، وسوف يغادرون، لكن كان المخطط الحوثي هو إسقاط الجمهورية وعودة الإمامة من جديد".
وأشار إلى أن "هذا هو منطق التاريخ الذي لا يستطيع أحد أن ينكره".
- دور علي عبدالله صالح
يقول الصحفي عبد العزيز المجيدي: "واقع الناس وواقع حالهم يقول إن ما حدث من خروج في 2014، تحت لافتة الجرعة، هو كان عبارة عن فخ، وكان محاولة للإيقاع بهم في خطأ فادح، وهو الخروج إلى الشارع، ثم بعد ذلك الركوب على موجة الشارع من خلال القوى العسكرية والمسلحة، التي ظهر من خلالها الحوثي وايضا حلفاؤه في ذلك الوقت".
وأضاف: "من المعروف دائما بأن أي انقلابات عسكرية لا تحدث من خلال مليشيا وتشكيلات من خارج جيش الدولة، الانقلابات دائما ما تحدث من خلال أدوات القوات المسلحة والجيش، لذا عندما قامت ثورة 2011، للأسف الشديد أنه تم احتواؤها وتحويلها إلى أزمة، وهذه الأزمة أفضت إلى اتفاق من خلاله تقاسم السلطة بين القوى المعارضة وعلي عبد الله صالح".
وتابع: "كان علي عبد الله صالح ربما قد غادر رئاسة الدولة، لكنه لم يغادر السلطة؛ لأنه امتلك نصف هذه السلطة، وربما امتلك كل أدوات السلطة من خلال الجيش والأمن والأجهزة الأخرى، التي كان يسيطر عليها".
وأردف: "المعروف دائما في قانون الثورات أنه كان دائما هناك لكل ثورة تتبعها ثورة مضادة يقوم بها إما فلول النظام السابق أو أركان الحكم الذي كان موجودا، ونحن أمام حالة لم تنتهِ إلى ثورة حقيقية؛ لأنها لم تجتث النظام بشكل كامل، وإنما كانت عبارة عن انتفاضة شعبية أفضت إلى تغييرات سياسية".
وأوضح: "صحيح أن التغييرات كانت على رأس السلطة، لكنها لم تفضِ إلى تغييرات عميقة في بنية النظام، بحيث إنها تؤدي إلى إنتاج سلطة جديدة تتبنى أهداف الثورة وتطلعات اليمنيين وأحلامهم".
وزاد: "جرى الالتفاف على هذه الثورة من خلال اتفاقية وتدخلات خارجية، للأسف، ارتبكت الكثير من الأطراف المحلية، وأذعنت لتدخلات الخارج التي ظهرت من خلال المبادرة الخليجية، التي كانت تهدف -بدرجة رئيسية- إلى احتواء الثورة؛ بدليل أن هذه الدول، إضافة إلى الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، كانت راعية لعملية الانتقال السياسي، المفترض أنه جرى من خلال الذهاب إلى مؤتمر حوار وطني موسع، جمع كل فئات المواطنين وقطاعات الشعب اليمني، وقواها السياسية والاجتماعية الحية".
ويرى أنه "كان المفترض أن هذا المؤتمر يفضي إلى توافقات تؤدي إلى إنتاج وثيقة وطنية من خلالها يذهب الناس إلى إعادة إنتاج دولة مؤسسات قادمة من خلال إرادة شعبية، لكن المسألة ظهرت بشكل واضح من خلال التحالف الذي جرى بين علي عبد الله صالح وبين الحوثيين".
وبيّن: "الحوثيون كانوا عبارة عن قوى مليشياوية مشتتة في الجبال، وليست ذلك الكم الكبير، الذي يمكن الرهان عليه من أجل مواجهة جيشا كبيرا واقتحام عاصمة، وما إلى ذلك، بدليل أن هذه المليشيا لم تتمكن من اقتحام منطقة دماج في صعدة، وهي منطقة صغيرة محدودة السكان، وأيضا كان فيها مجموعة من الطلاب السلفيين، ومع ذلك لم تستطع اقتحامها لمدة ثلاثة أشهر".
وتابع: "دماج استعصت على مليشيا الحوثي، وربما لاحقا استعانت بعناصر من حزب الله اللبناني، كما أوضحت بعض الوثائق التي عُثر عليها بعد الحرب، وكانت هناك قطاعات تابعة لـ علي عبد صالح شاركت في هذا الهجوم، والسيطرة على منطقة دماج".
وأردف: "ثم بعد ذلك جرت سلسلة الإسقاطات التي جرت، والسيطرة في مواجهة قوات اللواء 310 في عمران".
وقال: "في أي دولة لا يمكن لمتمردين في الجبال أن يستطيعوا القيام بعملية انقلاب في قلب العاصمة، وهم موجودين ومشتتين في مناطق مختلفة، ولا يستطيعون الوصول إلى العاصمة إلا من خلال قوات عسكرية موجودة في العاصمة، وهذا ما حدث".
وأضاف: "لا أحد يستطيع أن ينكر بأن القوات العسكرية الموالية لـعلي عبدالله صالح كان لها الدور الأكبر في إسقاط العاصمة؛ عندما قصفت قوات الفرقة الأولى مدرع، التي كانت تواجه كتائب مليشيا الحوثي وبعض الكتائب العسكرية الأخرى، التي ارتدت زي المليشيا بعد أن خلعت زي الحرس الجمهوري".
وتابع: كانت المواقع تقصف من المواقع التي تسيطر عليها قوات علي عبد الله صالح؛ سواء من القوات الخاصة، أو معسكرات الحرس الجمهوري، وهذه حقائق تاريخية يجب أن لا نمررها هكذا لمجرد أن هناك شكلا من أشكال التسويات والطبطبة التي تتم على حساب التاريخ".
وزاد: "ما حدث موثق وبلسان علي عبد الله صالح، وهو يوجه قوات أو شخصيات مؤثرة في الانقلاب، ومحسوبة عليه كانت ترتّب لعمليات الاجتياح والسيطرة على بعض المناطق، سواء بالوصول إلى العصيمات، وصولا إلى العاصمة صنعاء، ولاحقا ظهر علي عبد الله صالح في الواجهة، وهو يبتسم بتلك الابتسامة الماكرة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news