أصبحت البنوك اليمنية في مناطق مليشيا الحوثي في مرمى شبح الإفلاس وتحت وطأة أزمة سيولة حادة جعلتها عاجزة عن الإيفاء بمتطلبات المودعين والعملاء لديها.
وأرجع خبراء وصول البنوك التجارية في شمال اليمن لهذه الأوضاع بسبب جشع مليشيا الحوثي عبر البنك المركزي في صنعاء ومصادرتها الدين الداخلي وعائدات أذون الخزانة التي كانت تستثمر فيها هذه البنوك أموال المودعين.
كما مثل قانون تجريم الأرباح باعتباره "ربا" كما صورته مليشيا الحوثي ضربة لهذه البنوك التي وجدت نفسها فجأة تحت ضغط العملاء كما هو حال بنك اليمن الدولي الذي خرج بشكل متكرر يطمئن العملاء وسط استمرار احتجاج المطالبين بأموالهم أمام فروعه.
شبح إفلاس سببه الحوثي
وعلى مدى سنوات، مارست مليشيا الحوثي أبشع الطرق الممنهجة عبر حربها الاقتصادية للنيل من قطاع البنوك والمالية في اليمن، بعد أن صادرت أصولها واستثماراتها والممتلكات، ومنعت البنوك التجارية من الوصول إلى ودائعها في أذون الخزانة لدى البنك المركزي في صنعاء.
تلك الممارسات التعسفية بحق قطاع البنوك التجارية والإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي خاصة صنعاء، خلق أزمة سيولة حادة في مناطق الانقلاب ما دفع بعضها للاعتراف بعجزها.
ويرى خبراء الاقتصاد في اليمن، أن إعلان بعض البنوك التجارية في صنعاء، أنها تعاني من سيولة حادة، والذي تسبب بعدم قدرتها على الإيفاء بمتطلبات وودائع المودعين، بداية شبح الإفلاس لدى هذه البنوك.
وأضاف الخبراء لـ"العين الإخبارية"، أن ما حدث مع بنك اليمن الدولي، وإعلانه مؤخرا بأنه يعاني من سيولة نقدية، ينذر بكارثة حقيقية تطول القطاع المصرفي ككل في البلاد، بعد أن استمرت مليشيا الحوثي بعبثها ونهبها لقطاع البنوك منذ عقد.
وأشاروا إلى أن البنوك التجارية لم تستطع خلال السنوات الماضية الوصول إلى ودائع المودعين لما قبل عام 2015، فعمدت لحيلة "عملية تدوير" عبر أخذ أجزاء من الودائع الجديدة للمودعين الجدد، واستثمارها وتسديد أجزاء منها للمودعين لما قبل الانقلاب الحوثي.
وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار أن "نسبة كبيرة من استثمارات البنوك التجارية في اليمن، في أدوات الدين المحلي، كسندات الحكومة وأذون الخزانة لدى البنك المركزي في صنعاء".
وأضاف لـ"العين الإخبارية"، أن "مليشيا الحوثي منذ العام 2015، حرمت البنوك التجارية من الوصول إلى أموالها واستثماراتها وفوائد استثماراتها في أذون الخزانة، الأمر الذي تسبب بأزمة في السيولة النقدية لدى البنوك التجارية بعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها".
وبلغ إجمالي استثمارات البنوك التجارية، في أذون الخزانة، 1 تريليون و800 مليار ريال يمني، حتى عام 2015، فيما بلغت الاحتياطات القانونية لهذه البنوك في البنك المركزي في صنعاء 774 مليار ريال يمني، بحسب تقارير رسمية.
أما بالنسبة لودائع المودعين في البنوك التجارية التي تم إيداعها بعد العام 2015 وسيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة، يوضح النجار، أنه تم التعامل مع هذه الودائع بشكل طبيعي لعدة سنوات، وأن الناس كانت تستلم أموالها وتسحبها دون معوقات.
وأوضح أن "مليشيات الحوثي حتى تتمكن من تدمير القطاع المصرفي بشكل نهائي، شرعنت سرقتها لأموال الودائع المملوكة للبنوك حتى عام 2015، وذلك عبر "قانون منع التعاملات الربوية للبنوك"، الذي فرضته في مناطق سيطرتها.
كما استكملت "مليشيا الحوثي مشروعها في تدمير القطاع المصرفي، عبر خلق الشائعات ضد البنوك التجارية بأنها لا تمتلك الأموال، ومن المعروف اقتصاديا أن البنوك التجارية تحتفظ بنسبة 25% من السيولة النقدية، وبقية الأموال تقوم بتشغيلها"، وفقا للخبير الاقتصادي.
كيان مالي جديد
يرى خبراء يمنيون أن مليشيا الحوثي تتجه لتشييد "كيان مالي جديد" من خلال منشآت الصرافة التابعة لهم والتي أصبحت تقوم بوظائف بنوك التمويل واستحوذت على النشاط المالي، التي كانت تشغلها البنوك والمصارف التجارية الرئيسية.
ووفقا للنجار تسعى مليشيا الحوثي لإحداث حالة من الهلع لدى المودعين في البنوك التجارية بشكل عام وبنك اليمن الدولي خاصة، وجعل الناس يهرولون للبنوك لسحب أموالهم، بهدف الضغط على هذه البنوك للإفلاس، والتحكم في القطاع المصرفي عبر شركات الصرافة التابعة لهم.
وقال الخبير الاقتصادي إن "البنك المركزي في صنعاء والذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي، يعد المتسبب الرئيسي بأزمة السيولة النقدية التي يعاني منها بنك اليمن الدولي وجميع البنوك والمؤسسات المصرفية في اليمن".
ويعد البنك المركزي في صنعاء، هو الضامن الأساسي لأموال البنوك والتي لم يسمح لها كما هو حال بنك اليمن الدولي من الوصول إلى أموالها في أذون الخزانة واحتياطاتها لديه.
وبحسب النجار، فالحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن كانا قد اتخذا عددا من الإجراءات والقرارات والتي من شأنها أن تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي، والمحافظة على قطاعي البنوك والمالية.
لكن بعد أن أصدر المبعوث الأممي بيان الاتفاق الاقتصادي، لم يحدث أي تحرك فعلي على الأرض أو الضغط على الحوثي لحلحلة الملف الاقتصادي، والذي سوف يعرض القطاع المصرفي للكثير من التحديات، والتي تحقق رغبة الحوثي، من خلال جعل البنوك التجارية غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها للمودعين، وإفلاسها، وبالتالي يسيطرون على سوق البنوك التجارية، وفقا للنجار.
ويتفق الخبير الاقتصادي وفيق صالح، مع النجار، على أن قرارات البنك المركزي اليمني في عدن التي أصدرها خلال الفترة الماضية، بنقل المقرات الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن ، كانت تهدف إلى تجنب شبح الإفلاس التي تعاني منه البنوك حاليا، وقد أعلن أنه ضامن لأموال المودعين والعملاء.
ويقول صالح لـ"العين الإخبارية"، إنه "بعد التراجع عن القرارات بإشراف أممي، وبقاء المقرات الرئيسية للبنوك في صنعاء، لم تسلم من الممارسات الحوثية التي عرضت هذه المنشآت والمؤسسات المالية للخطر، وأنه كل يوم يمر تتضاعف معاناة هذه البنوك خصوصاً مع تعنت مليشيات الحوثي في الإفراج عن أرصدتها وتقييد أنشطتها المالية على كافة المستويات".
ويعد ما حدث لبنك اليمن الدولي بصنعاء، أحد الشواهد وهو وضع يراه صالح أنه يعكس حال غيره من البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء، والتي تواجه أزمة سيولة حادة في الإيفاء بمتطلبات المودعين والعملاء ، ولم يعد أمامها إلا "الأصول والممتلكات والمديونية لدى المؤسسات والقطاع الخاص لتجنبه شبح الإفلاس".
وحث وفيق الأمم المتحدة للضغط على مليشيات الحوثي لرفع يدها عن البنوك التجارية والكف عن التدخل في أعمالها وأنشطتها المصرفية والمالية، كجزء من اتفاقها لإعادة التعافي للقطاع البنكي، وحفظ أموال وحقوق المودعين والعملاء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news