متابعة/ العاصفة نيوز
أثار معهد “بروكينجز” الأمريكي، المخاوف من تزايد نفوذ السلطة الدينية للطوائف في العراق، ومحاولات مأسسة الطائفية بما يعيد تشكيل المجتمع العراقي ويقوض سلطة الدولة ويساهم في تعزيز تفتيت البلد.
وذكّر تقرير للمعهد الأمريكي، بـ”الحملة الإيمانية” التي أطلقها رئيس النظام السابق صدام حسين، خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي تضمنت تشييد العديد من المساجد على خطابه السياسي، ليصبح أكثر تدينا للاستفادة من الموجة الدينية المتزايدة في العراق والمنطقة حينها.
لكن التقرير، أشار إلى أن مثل هذه الجهود ظلت مقتصرة على محاولة الدولة السيطرة على الدين واستغلاله في المجال العام، في حين واصل النظام العمل ضد الحركات الإسلامية التي اعتبرها بمثابة تهديد لوجوده”.
وبرغم ذلك، بين تقرير المعهد الأمريكي، أن “الجماعات الاسلامية، من السنة والشيعة، اكتسبت السلطة بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، وأعادت صياغة الحياة الاجتماعية بشكل كبير بما يعكس نظرتها للعالم”.
ورأى التقرير، أن “العديد من هذه الجماعات، وخصوصا الشيعية منها، شاركت في الانتخابات وفي صياغة الدستور، وتمكنت القوى البارزة منها من الهيمنة على الحياة السياسية، وفيما بعد العام 2003، انهمكت في تعزيز سلطتها والتعامل مع الجماعات السنية المسلحة، ومن بينها فيما بعد ما يسمى بـ(داعش)، ولهذا فإن هذه الجماعات لم تعطِ الأولوية لما أسماه التقرير “أسلمة القوانين”.
ونبّه التقرير، إلى أن تلك القوى وبدلا من ذلك، تبنت بندا دستوريا غامضا ينص على أن “الإسلام هو دين الدولة الرسمي ومصدر رئيسي للتشريع”، وبأن القوانين يجب ألّا “تتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام” أو “مبادئ الديمقراطية”.
وذكر التقرير، أن “القوى الاسلامية حاولت في السنوات الأخيرة، إحياء المشاريع الهادفة الى أسلمة القوانين”، مشيرا في هذا الاطار إلى الدور الحاسم الذي لعبه في ذلك نجاح قوى “الإطار التنسيقي” في تشكيل الحكومة والسيطرة على البرلمان وتعزيز النفوذ على الهيئات المستقلة، مثل هيئة الاعلام والاتصالات، إلى جانب السلطة القضائية.
ولفت إلى أن “مثل هذا التحول في الأحداث قد يبدو طبيعيا بالنظر إلى أن العراق شهد صراعات حادة على الهوية”، مشيراً إلى أن “معظم القوى التي هيمنت على السلطة السياسية حاولت اعادة تشكيل هوية البلد بما يعكس ايديولوجيتها ورؤيتها ورموزها”.
وفي هذا الإطار، نوه التقرير الأمريكي، إلى فرض القوى الشيعية العطلة الرسمية الجديدة المتمثلة بـ”عيد الغدير”، كما تصرفت الحكومة بطريقة أكثر عدائية ضد المنظمات غير الحكومية التابعة للدول الغربية، مغلقة مكاتب بعضها ورفع الغطاء القانوني عن بعضها الآخر، وذلك بالترافق مع حملة لمجموعات ومن ناشطين تابعين لـ”الإطار التنسيقي” ضد المحاولات الغربية لتغيير الثقافة الاسلامية و”تعزيز الانحلال الأخلاقي”.
وبالإضافة الى ذلك، رأى التقرير أن هيئة الاعلام والاتصالات قيدت بعض البرامج والمسلسلات التلفزيونية وحظرت معلقين إعلاميين محددين بسبب اعتراضات من جانب “الإطار التنسيقي” أو رجال الدين من الشيعة.
وتابع: “مثل هذه الجهود تصاعدت مؤخرا بمحاولات ادخال تعديلات قانونية على قانون الأحوال الشخصية للعام 1959، والذي صدر في عهد الرئيس عبد الكريم قاسم، مذكراً بأن “هذا القانون جاء كنتيجة لعملية طويلة بدأت خلال العهد الملكي لصياغة قانون شامل للأسرة ينطبق على كافة العراقيين، وتبنى تفسيرات أكثر تقدمية للفقه الإسلامي ويمكن أن يتلاءم أيضا مع المعايير الحديثة لحقوق الإنسان والمرأة.
ونبه تقرير معهد “بروكينجز” الأمريكي، إلى أن التعديلات الجديدة هدفها انهاء احتكار الدولة لتنظيم قضايا الأسرة والميراث والأحوال الشخصية، من خلال السماح للافراد بالعودة الى الاجتهاد الذي يحكم طوائفهم في مثل هذه المسائل، في حين يسمح ايضا للمرجعيات الدينية بالتعامل في عقود الزواج والطلاق وتحديد حقوق الحضانة للاطفال وفق فقه طائفتهم، من دون حق الاعتراض من محاكم الدولة.
واعتبر التقرير، أن القانون المقترح يتعارض مع بعض النصوص الدستورية، مثل المادة 14 التي تقول إن “العراقيين متساوون امام القانون من دون تمييز على اساس الجنس او العرق أو الجنسية أو الاصل او اللون او الدين او الطائفة او المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي او الوضع الاجتماعي”، الى جانب أحكام أخرى تتعلق بحقوق المرأة والطفل.
وزاد التقرير الأمريكي، بالقول: إن “اعتراض المؤسسة الدينية الشيعية على قانون 1959 ليس جديداً”، مشيرا الى انه كان من بين الاسباب الرئيسية لمعارضة رجال الدين لنظام عبد الكريم قاسم، وهي معارضة لم تكن قائمة على الأسس الدينية فقط، وانما من حقيقة ان تنظيم شؤون الاسرة والاحوال الشخصية هي مسؤولية تاريخيا كانت على عاتق رجال الدين الشيعة، الذين مارسوها بشكل مستقل عن الدولة، وأن نقل هذه السلطة الى محاكم الدولة تسبب في إضعاف النفوذ الهرمي الديني، والإيرادات التي تدرها.
وبحسب التقرير، فيبدو أن الإطار التنسيقي يتلقى دعما قويا من المؤسسة الدينية في مساعيه، مرفقا بالصمت – الذي يتم تفسيره على الأرجح على أنه قبول – من المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني، بل أن البعض وصف قانون عهد قاسم بأنه علماني، بحجة أن الزواج والطلاق والميراث بموجب أحكامه، يشكل خروجا عن المبادئ الدينية.
وخلص التقرير الأمريكي، إلى أن الهدف على ما يبدو هو “ترسيخ نظام منظم حول الانتماء الطائفي والعرقي في العراق، وتحجيم المواطنين إلى هويات ثابتة وموروثة”، بحيث تصبح الطوائف بمثابة وسطاء بين الأفراد والدولة.
وختم التقرير/ بالقول إن ذلك له تأثيراته “على كل شيء، بدءا من التمثيل السياسي للمواطن وحتى الحقوق المتعلقة بالزواج والحضانة والشؤون العائلية”، محذراً من أن النجاح في تعديل قانون 1959، استناداً الى الصيغة المقترحة، من شأنه أن يمثل خطوة إضافية نحو إضفاء الطابع المؤسسي على التقسيم الطائفي للعراق، وهو ما من شأنه أن يخلق سلطة موازية لسلطة الدولة، وهو يشبه بدرجة ما حدث مع قوات الحشد الشعبي، التي تمثل قوة موازية للدولة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news